قال الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني في الجزء الأول من مذكراته؛ إنه عندما فاتح الملك فيصل (عام 1960) عن ما قد ينتظر اليمن من تغيرات، وعن حالة الرفض للأسرة المالكة في اليمن، قال فيصل (كان ولياً للعهد حينذاك): بعد ما حاول نُصح الإرياني بالأمير الحسن، وتحذيره من الأمير البدر (المصري؛ الشيوعي)؛ إذن اختاروا من غيرهم، ولنا شرط واحد، وهو أن لا تعلنوا الجمهورية، وإذا أعلنتموها، فإني أقول لك من الآن، إننا لن نقف مكفوفي الأيدي، وسنحارب حتى النهاية.
غير أن الإرياني قال إن السعوديين كان يمكن أن يسلموا بالأمر الواقع، لولا موقف الدكتور عبدالرحمن البيضاني المستفز.
ومن الطبيعي تفهم تخوفات الملك فيصل، حيث كان إسقاط الأنظمة الملكية، هدفاً لليسار العربي، في ذلك الزمن. والعدوى من الجيران واردة. أما اليمن الموحد؛ وهو يشكل ربع مساحة السعودية فقط؛ فيفترض أن لا يشكل مشكلة لأحد، وقد أتاح اليمن الموحد معالجة مشكلة الحدود المزمنة مع الأشقاء.
بل إن تفتيت اليمن سيكون هو المشكلة والخطر، وسيكون لو حدث، السابقة التي قد تُحتذَى، ودوافع النزعات والتمردات ليست قليلة في منطقتنا. والعدوى من الجيران واردة .
غالباً؛ لا تذهب السعودية في خلافها مع اليمن بعيداً، ما عدا في أزمة الخليج، عندما اتخذت المملكة إجراءات قاسية، ترتبت عليها خسائر لا تحصى على اليمن واليمنيين، ومن ذلك فرض الكفالة على اليمنيين، التي طالبْتُ بإلغائها مراراً، وقد لا يكون تكرار الطلب مناسباً الآن، نظراً للمتغيرات الكثيرة في الوقت الحالي، مع أن ذلك هو الوضع الطبيعي في الظروف الطبيعية. ولا تلام المملكة في تطورات الأحداث في اليمن قبل سقوط العاصمة صنعاء، بقدر ما نلام نحن اليمنيين، وخاصة القادة أصحاب القرار؛ حيث كان بالإمكان اتخاذ تدابير تحد من تدهور الأحوال، التي تفاقمت حتى اجتاحت المليشيات الحوثية صنعاء، وما ترتب على ذلك من نكبة وطنية مدمرة ودامية.
وبعد تطورات حرب التسع سنوات، صارت السعودية، صاحبة الحل والعقد في اليمن، وبقدر ما أن ذلك معيب ومؤسف إلى أبعد حد، في حق اليمن واليمنيين، من جيلنا، وسوف يندد بنا التاريخ من غير شك، غير أن ذلك هو الحقيقة المؤسفة الصارخة.
وفي ضوء ذلك، ماذا عن الدفع بالإنفصاليين ومشروعهم إلى الصدارة، وهل سياسة المملكة، هي مباركة دور دولة الإمارات التي تدعم الانفصاليين بوضوح تام، ومع ذلك تهادنها "الرئاسة" و"الحكومة" وماضين في زياراتها وشكرها كثيراً، أم أن للسعودية موقفاً مختلفاً؟ ويلاحظ أن هناك من لا يزال يشكر الإمارات على شق طريق مثلا، أو ما يشبه، وتستحق الشكر الإمارات على تقديم أي شيء ولو كان صغيراً، لكن قبل كل شيء، يجب أن يكون موقفها داعماً لوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، أما وهناك دعم لتجزئة اليمن، فليس بعد الكفر ذنب، ولا مجال لأي شكر. ولا شيء يكفر ويغفر ذنب دعم تقسيم بلادنا أبداً. والحقيقة فإن الشاكرين والزائرين، قد لا يمثلون مصالح اليمن وتطلعات شعبها في السيادة والاستقلال والوحدة، وهم لا يعبرون عن ذلك ولا يتبنونه مع أي أحد، ولا في أي لقاء، ولا في أي مناسبة أو خطاب، وإن وُضِعوا في أعلى المناصب وأهمهما وأكثرها حساسية. وبالتأكيد، وللأسباب التي نعرفها، لا يستبعد، أن بعض أولئك، قد يتبنى العكس - أي ما يمس وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه- خاصة خلف الأبواب، والصوالين المغلقة.
آمل أن لا يستمر الموقف السعودي غامضا تجاه وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، ونتوقعه واضحاً وصريحاً وإيجابيا، كما تقتضي كل الإعتبارات، وما يقتضيه دور المملكة ومكانتها ومسؤوليتها تجاه اليمن والتاريخ.
ولو ساهمت السعودية، لا سمح الله، أو باركت تجزئة اليمن؛ وغضب الشعب اليمني؛ وهو سيغضب بالتأكيد، وخاصموا السعودية؛ عبر أجيال متلاحقة، فإن التاريخ لن يلومهم أبداً، ولن يلتمس التاريخ عذراً لأي شقيق عربي، يكون له دور في الدفع بتجزئة اليمن، التي يجب أن يتصدى لها أحرار اليمن.
ما يزال احترامنا لأشقائنا كبيراً، وكذلك ثقتنا فيهم، وعسى أن يبقى الأمر كذلك على الدوام.
ويبقى الموقف من الحفاظ على بلدنا ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه هو قضية القضايا وهو أساس البعد والقرب، مع كل أحد.