سأتناول هنا ما ينشره البعض من دعاوى متهافتة تصدر منهم كل عام
والمشكلة أنه يكثر في عاشوراء عوام من عمال النسخ واللصق الذين ينشرون هذا الصد عن الطاعات بلا شعور وعن غير عمد في كثير من الأحيان.
لإثبات أن عاشوراء فيه روايات متناقضة
هكذا بهذه الكلمة التي لا يطلقها إلا فلاسفة المنطق أو جهابذة الأصوليين في باب التعارض
هؤلاء العمال يتحولون إلى هوائيات بث لملصقات مطمورة يعيدون تشطيفها كل عام
لإهدائها للواتسين وغيرهم يريدون نسف السنن الثابتة بدون وعي إنهم يجهلون حتى معنى التعارض والتناقض..
إن باب التعارض من أهم الكتل الثلاثية التي تتشكل بها
قوانين البحر الأصولي هو في الأصول كجراحة المخ في الطب
ثم يتكلم فيه عامي محض من عمال اللواصق العاشوريين.
لذلك لا يجوز للإنسان أن ينشر ما هب ودب فرب منشور يبلغ الآفاق في زمننا وهو مبني على ضلالة على شفا جر هار فيكسب الشخص غير العالم إثم ذلك.
وكفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع
وأما الرد على تلك الدعاوى فأقول:
أولا: أما صوم عاشوراء فهو سنة مجمع عليها
قال النووي: «وأجمع المسلمون على أنه اليوم ليس بواجب وأنه سنة»
متواتر العمل في أمة محمد منقول بأسانيد كالشم الرواسي، في الكتب المصنفة في السنة.
ثانيا: الكلام على أحاديث عاشوراء وكشف زيف دعوى التعارض المعاصرة.
وقد رأينا للبعض مقالة ضعيفة ركيكة حاصلها أن أحاديث عاشوراء فيها تناقض، وعليه فلا تصام.
وفيه طعن في السنن الصحاح المتفق على صحتها عند سائر العلماء من المحدثين والمذاهب جميعا وتعريض بالصحيحين، وصد عن طاعة الله التي هي من أعظم الطاعات وهي الصوم وما فيه من فضل عظيم، ومناقضة للإجماع المنقول في مشروعية صوم عاشوراء، ولولا أن مثل هذه المقالات الهزيلة قد انتشرت بسبب وسائل التواصل ما استحقت جوابا، ولما قد ينطلي على المسلم الذي يريد التقرب بالطاعة في هذا اليوم، فيحرمه هذا الصاد عن سبيل الله الأجر والطاعة بسبب مشكلة في فهمه السقيم.
وسيتبين من الجواب أن السبب وراء هذا الإشكالات المعتلة الفهوم المختلة، وقد يرجع السبب إلى ظاهرة حب النشر وإعجابات الجمهور وإثارة الغرائب، ودعوى عمق النظر، وهو مرض معاصر مستشر عافانا الله جميعا من ذلك.
ولو كانت من المشكلات لتعرض لها العلماء في مصنفاتهم من محدثين وفقهاء من مختلف المذاهب ولكانت القضية محور اهتمامهم حال كلامهم على صوم عاشوراء، فإعراضهم عن ذلك دليل على عدم الإشكال في ذلك، ولهذا لم يتلفت للكلام عنها إلا قلة من العلماء.
وشخصيا لم تشكل الأحاديث في عاشوراء عندي أي تعارض ولم يظهر فيها شيء من تلك التهويشات.
لكن مع ظهور وسائل التواصل وسرعة نشر الغثاء أردت أن أبين بسهولة هذا الأمر في النقاط التالية:
1_ جاء أنه كان يصام في الجاهلية، وهذا أمر عادي فإن الجاهلية كانت لهم بقايا من الدين كالطواف بالبيت والحج وتعظيمه وصيام عاشوراء، ولعلهم أخذوا صيامه من أهل الكتاب، لأنهم كانوا يختلطون بهم، فصوم النبي عليه الصلاة والسلام إن ثبت أنه صامه قبل الإسلام كان تحنثا واتباعا لبقايا الدين الحنيف كما كان يطوف بالبيت ويتحنث في غار حراء قبل النبوة، وإن كان بعد الوحي فهو إقرار بصحة ذلك، فإن الوحي لا يقره على باطل، والذي في مسلم ما يدل أنه لم يصمه، وأن رواية الصوم الصريحة إنما كانت بعد الهجرة.
2_ لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصل المدينة في ربيع الأول يوم الإثنين الثاني عشر منه، كما هو معلوم .
3_ ومكث إلى محرم مطلع السنة الثانية فرأى يهود تصوم عاشوراء، فسألهم فأخبروه أنه نجى الله فيه موسى فقال نحن أحق بموسى منكم
فصامه وأمر بصيامه ونادى في الطرقات أن من أصبح مفطرا فليتم صومه.
4_ فلما كان بين يدي رمضان نزل فرض صيام رمضان نصا (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذي من قبلكم) إلى أن قال سبحانه (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، فهذا نص في فرض رمضان.
5_ وبعد نزول الآيات في فرض رمضان لم يكن صوم عاشوراء على الوجوب بل على الاستحباب.
6_ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب في بداية الأمر موافقة أهل الكتاب، ثم أمر بمخالفتهم بعد ذلك وكان من ذلك صيام عاشوراء قال قبل عام من وفاته لإن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر. وورد صوموا يوما قبله أو بعد.
7_ جاء رجل إلى ابن عباس يسأله عن صيام عاشوراء فقال صم التاسع، ومعلوم أن التاسع كان خفيا على الرجل فأمره بصومه وترك تنبيهه على العاشر لعلمه به .
كذا قرر ابن القيم قائلا: فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه كذلك. فإما أن يكون فعل ذلك وهو الأولى، وإما أن يكون حمل فعله على الأمر به وعزمه عليه في المستقبل، ويدل على ذلك أنه هو الذي روى: «صوموا يوما قبله ويوما بعده»، وهو الذي روى: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر». وكل هذه الآثار عنه يصدق بعضها بعضا ويؤيد بعضها بعضا انتهى كلامه.
قلت: أو أن هذا انفراد من ابن عباس ظنا لا نصا، ولم يوافقه أحد من الصحابة وله انفرادات معروفة شهيرة.
فكيف يجعل اجتهاده قاضيا ومبطلا على النصوص الثابتة الصحيحة.
8_ أما شبهة التاريخ
هنا من يحفرون كل عام في نفس الموقع
فيخرجون نفس المنتج لكن هذا العام باختراع أن عاشوراء كان في أبريل
هكذا مرسلة بدون خطام ولا كوابح
يريد الناس أن يتركوا المسانيد الجبال من الثقات التي قامت على تلقيها أمة الصلاة
لنقدم له كلمة شكر على إنقاذنا بهذه المعلومة المظلمة
وافرض أنه وجد ذلك في كتب يهود
فهل نصدق الصحيحين ودواوين الإسلام أم نلغيها لعيون هذه المعلومة
إن اليهود حرفوا كلام الله فضلا أن يزورا أي معلومة
فأين الثرى من الثريا
وأيسر جواب بعد هذا أن التاريخ القمري والأشهر الحرم من يوم خلق الله السماوات والأرض
كما في سورة التوبة
وكانت العرب تؤرخ بها وكانت يهود العرب تؤرخ بها
والأنبياء يؤرخون بها
وهذا ما جاء في كتاب الله قال سبحانه
(إن عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)) التوبة
9_ أما تاريخيا فجاء في الموسوعة العالمية ويبيكيديا
إن التاريخ القمري قديم بآلاف السنين وأنه أصل للشمسي
جاء فيها :
تم العثور على تقويم شمسي قمري في وارن فيلد في اسكتلندا وقد تم تاريخه إلى 8000 قبل الميلاد. بينما يؤرخ صموئيل ل. ميسي الاستخدامات الأولى للقمر كعلامة لقياس الوقت يعود إلى 28,000-30,000 سنة مضت.
يعد التقويم القمري سابقًا للتقويم الشمسي، حيث أن الشهر في التقويم الشمسي إنما هو مأخوذ في الأساس من التقويم القمري الذي يكون بين 29-30 يومًا، وتم زيادة أيام فيه حتى يكون مطابقًا لطول السنة الشمسية، والتقويم الميلادي الذي يعد الأول عالميًا من حيث الانتشار والاستخدام هو تقويم شمسي مطور عن تقويم قمري، حتى أن كلمة شهر في الإنجليزية (month) مشتقة من اسم القمر بالإنجليزية (moon) أي دورة القمرية التامة
والحاصل أن عاشوراء عندنا أهل الإسلام ثابت بالنص الصحيح الصريح: أن الله أنجى موسى في عاشوراء، وقد أقرهم النبي عليه الصلاة والسلام على قولهم إنه يوم نجى الله فيه موسى، ولو كان باطلا لما أقرهم عليه.
10_ وعاشوراء هو اليوم العاشر من محرم عند أهل العلم سوى ابن عباس وابن حزم الظاهري فقالا هو التاسع ولم يصيبا في ذلك:
قال النووي « وعاشوراء وتاسوعاء اسمان ممدودان هذا هو المشهور في كتب اللغة وحكى عن ابن عمر والشيبابى قصرهما قال أصحابنا عاشورا هو اليوم العاشر من المحرم وتاسوعاء هو التاسع منه هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وقال ابن عباس عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم ثبت ذلك عنه في صحيح مسلم وتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعا بكسر الراء وكذا تسمي باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع على هذا عشرا بكسر العين، والصحيح ما قاله الجمهور وهو أن عاشوراء هو اليوم العاشر وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ وهو المعروف عند أهل اللغة
(وأما) تقدير أخذه من إظماء الإبل فبعيد، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس ما يرده قوله لأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يصوم عاشوراء فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه فقال صلى الله عليه وسلم إنه في العام المقبل يصوم التاسع "
وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه صلى الله عليه وسلم ليس هو التاسع فتعين كونه العاشر واتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب صوم عاشورا وتاسوعا»
قلت: وقد حاول ابن القيم أن يصوب رأي ابن عباس بوجه وهو أنه قصد أن يدله على السنة التي لا يعلمها وهي صوم التاسع، وترك ما يعلمها السائل وهو العاشر لشهرته ومجيء الأحاديث به، وهذا ليس بشيء.
ثالثا: حديث التوسعة باطل لا يصح
أما التوسعة على الأهل في عاشوراء فلم يصح فيها حديث
وتابع الغماري العراقي على تصحيح سند ابن عبد البر وقد بينت خطأ ذلك ورجحان كلام الحافظ وغيره من الحفاظ من ثمانية عشر وجها في كتاب مستقل فيه 130 صفحة وهو موجود على موقعي فقه العصر لمن أراده..
رابعا: عمل الشيعة.
أما ما يعمله الشيعة من النوح والجلد وسفك الدماء وملابسة القاذورات فلا أصل له في دين الإسلام، لا من كتاب ولا سنة، ولا حتى من عمل علي ولا الحسن ولا الحسين رضي الله عنهم، بل بدعة من البدع المنكرة، وقد ثبت في شريعة الإسلام النهي عن النياحة، فعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.».
والشرع أمر عند المصيبة بالصبر والاسترجاع بنص القرآن { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157]
ولا يحل لأحد الحداد فوق ثلاث إلا المرأة على زوجها أربعة أشهر وعشرا بنص القرآن والسنة.
قال سبحانه: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} [البقرة: 234]
وعند البخاري: عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا.
فكيف وهؤلاء مستمرون إلى عصرنا هذا (ونحن في القرن الرابع عشر الهجري) في الندب والنياحة واللطم وجلد أنفسهم وضرب رؤوسهم بالحديد حتى تسيل الدماء، وليس في ذلك شيء من المحاسن، بل هو إساءة للإسلام ومحاسنه ومكارمه وللحسن والحسين رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين، وهو صد عن سبيل الله حيث يراهم الكثير من أهل الكفر على هذه الأفعال التي تستنكرها العقول فيظنون أن هذا هو الإسلام فيرغبون عنه وينفرون.
هذا وقد ذكر بعض الفقهاء أمورا من المستحبات فيه لم يثبت فيها حديث.
من كتاب موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر:
مجلد
فقه الصيام ومستجداته المعاصرة
بتصرف وزيادات: ص497
أ.د. فضل عبد الله مراد