وحدها ميادين الجهاد تسيل فيها الدماء، وتستعصي عندها الدموع.
الرجل الأمة: إسماعيل هنية، وكل أبناء الحركة التي ينتمي إليها كانوا يعلمون يقينا منذ أن أعطوا عهدهم أن طريقهم محفوفة بالمخاطر، وأن الموت في سبيل الله أسمى أمانيهم. ولو لم يكن هذا المصير راسخا في أذهانهم، متوقعا في أي منعطف من منعطفات حياتهم؛ لكان لهم ما يصرفهم عن مواصلة السير استشهاد من سبقهم: الشيخ أحمد ياسين، الدكتور/عبدالعزيز الرنتيسي، إسماعيل أبو شنب، يحيى عياش... وليس هنا مجال سرد أسماء من سبق ممن قضى نحبه، وأكثر من ذلك؛ من يقف في صف طويل ممن ينتظر، وممن لم يبدلوا تبديلا.
خسة الغدر الذي يمارسه الكيان اللقيط لم يُثنِ يوما هذه الحركة عما رسمته من خط جهادي عظيم، بل إنه زادها قوة، وتماسكا، وصلابة. إنها حركة قامت على أساس فكرة تستمد قوتها من منهج، نزلت به رسالة سماوية، لا تفنى بوفاة قياداتها، أو زعاماتها، ولا تتوقف باستشهادهم واغتيالهم.
إنها حركة تقوم على أساس فكرة سماوية، وليست فكرة عصــابة أتت من صنــاعة استعمارية، أو أنهـــــا تستمد قوتها، وأسباب بقائها من عواصم استعمارية.
ست وسبعون سنة مضت منذ صناعة الكيان اللقيط، والذي كان يُقدِّر مع صانعيه أن يمضي جيل أو جيلان من الشعب الفلسطيني، ثم تُذعن، وتستسلم الأجيال التي تليهما. وكانت المفاجأة أنه كلما جاء جيل كان أقوى شكيمة، وأعظم بطولة، ممن؛ ومن قلب الأرض المحتلة، فيما الجِوار أصابه ــ للأسف ــ الوهن، وظن أن ثمة جبل التطبيع الذي سوف يعصمه من الماء ...!!
تأمّل في الفارق الشاسع بين إرادتين! إرادة من قلب البأساء والمحنة، تستعصي بثبات، وتقاوم باستبسال، وآخرون هبطت بهم رخاوة المواقف، إلى مقاعد المتفرجين، وليتهم من مقاعدهم ـ حتى ـ يؤيدون بالهتافات والتصفيق، بله إن بعضهم هبط إلى موقف أذل وأخزى.
استشهد الرجل الأمة: إسماعيل هنية، فخر الأمة وأحد حُدَاتها، وعناوينها الحقة، فلم يكن ــ فقط ــ فخر الحركة التي ينتمي إليها، ولا فخر فلسطين، وإنما كان وأصبح فخر العرب والمسلمين، وكل أحرار العالم.
إن العالم اليوم؛ تحكمه وتتحكم فيه الشبكة الاستخباراتية، التي لا تعرف ضميرا، ولا مروءة، ولا رجولة، ناهيك عن أن تعرف مبادئ، أو قيما. ولذلك فإن الصفقات الاستخباراتية القـــذرة، وما تحكمها من مصالح أنانية، ومكاســـب دنيئة، ومنافع رخيصة؛ تتخادم في دهاليز تلك المواخير القذرة، حيث يغيب الإنســان، ويحضر الشيـطان، وتُنَحَّى المبادئ، وتُقَدّم المؤامرات؛ وفق صفقات المنافع المتبادلة.
لقد خسرت الأمة، قائدا من قيادات صنع المواقف، وصناعة الحدث، وممن أذاقوا الكيان اللقيط مرارات الهزائم، في كل المواجهات، حتى كانوا هم الأقوى، والأعـظم في كل معركة، وفي كل مواجهة، وطوفان الأقصى يشهد بذلك.
رحم الله الرجل الأمة: إسماعيل هنية رحمة الأبرار، وأخلف عل الأمة كل الأمة به خيرا، ولا نامت أعين الجبناء.