كل الضغوط الناعمة، أو الخشنة، الصديقة، أو المعادية، وكل بطريقته، تقر وتعترف بأن الكيان اللقيط هو وراء تنفيذ الجريمة الإرهابية القذرة ضد الشهيد إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
وكلها تطالب بعدم الرد، أو تخفيفه في إطار وطريقة متفق عليها ...!!
الأحاديث من جهة الدول الحليفة للكيان الإرهابي اللقيط، لا تتحدث عن جريمته، وإنما تركز جهودها وضغوطاتها في كيفية منع عملية الرد الإيراني، أو أن يكون ردا (ناعما) ولطيفا.
البيت الأبيض أظهر من الناحية القولية امتعاضا، وربطه بما سيؤثر على الأسرى الذين بيد المقاومة. أما العملية الإجرامية فلم يدنها ولا ندد بها. ولكنها من الناحية العملية فإنها حركت قواتها بشكل واسع وكبير.
بل تمضي الإدارة لتتحدث عن بناء تحالف عريض للدفاع عن الكيان الإرهابي.
وزير خارجية الإدارة الأمريكية من جانبه تواصل مع عدة دول صديقة كما صرح؛ طالبا منها جميعا التوسط في أن تطلب من إيران ألا ترد ــ على ما لحقها من إهانة صارخة ــ لاغتيال أبي العبد في أرضها، أو فليكن الرد في حدوده الدنيا. بمعنى يتم التشاور والمساومة، ومتى وأين وكيف يكون؟!!
إيران من جهتها تضرب أخماسا بأسداس، أمام الإغراءات السرية من جهة، وإزاء التهديدات السرية والعلنية، وأين في الأول والأخير تكمن المصلحة؟
تريد إيران أن تنتقم لنفسها جراء الإهانة المدوية التي انتهكت سيادتها، ومرغها الكيان في الأرض؛ ولكنها تتوجس من الرد على الرد إن قامت به.
حسن نصر في خطابه قال؛ أو قيل له أن يقول: أن إيران يجب ألا تشترك في القتال وإنما تبقى مددا مساندا.
ملالي طهران يميلون بقوة لأن تتولى عصاباتهم الرد بما تأتّى، وهم ـ أي الملالي ـ يستجرون تاريخ الأكاسرة وكيف اصطنعوا مملكة الحيرة لتصد عنهم هجمات الأعراب ـ حينها ـ ولتكون خط دفاع أول ضد الروم. وهذا ما تريده من عصاباتها، في ظل الغيبوبة العربية.
الإدارة الأمريكية جندت أطرافا إعلامية عدة لشن حرب نفسية على إيران لتحجيمها عن القيام بأي رد حقيقي، إلا أن يكون مطابقا تمام التطابق للرد الذي نفذته (انتقاما) لمقتل قاسم سليماني حيث تمثلت الضربة بإثارة غبار كثيف أصاب ــ قاعدة ــ عين الأسد.
لست هنا معنيا بتبني رأي من يقول إن ثمة تفاهمات دارت بين أطراف في الكواليس قبل الاغتيال وبعد الاغتيال، فهذا احتمال يقول به البعض، ويستبعده آخرون، بغض النظر عن اضطراب وتأخر التقرير الرسمي الإيراني حول الجريمة، فأعطى مساحة للمحللين بتعدد الاحتمالات.
إيران تبدو أنها ليست في عجلة من أمرها في الرد، فقد جاء التصريح منها قائلا: أنها سترد في المكان المناسب، والوقت المناسب، والظرف المناسب.
والزمن جزء من العلاج ...!!
يقول البعض هذا التصريح بهذه العمومية يعتبر أول خطوة نحو التراجع عن أي رد، أو أن يأتي الرد خفيفا، لطيفا، ظريفا...!! فيما يقول آخرون: هذا تصريح قوي، وخادع، يتغطى بالتمويه وليمتطي فعل الضربة المفاجئة.
ويسخر رجل بسيط في الشارع من الذين ينتظرون ردا حاسما من إيران؛ إذ يقول: من السخف أن تفكروا أن إسماعيل هنية أغلى عند إيران من قاسم سليماني، الذي جاء الانتقام له بتلك الطريقة (المهذبة).
ليس هناك شك بما تعانيه إيران، ومدى مرارة المهانة التي لحق بها من قبل الكيان اللقيط، من حيث تنفيذ الجريمة الإرهابية القذرة في عاصمتها، ومرارة الشعور بالخزي والمهانة أيضا من الاختراق الأمني الكبير. فتحديد المكان الذي نزله الشهيد أبو العبد، وتعيين الغرفة بالتحديد، يفترض ألا يعرفها إلا دائرة ضيقة، ومحدودة من المسؤولين الأمنيين الكبار.
هل سترد إيران؟
ليس خافيا على أحد أن مشاورات جارية، ناعمة، وخشنة، والخلاف حول الحجم، والمساحة، والمكان، مع هاجس تخشاه طهران من الرد والرد المضاد.
وأما ما قد يكون من عروض إغراءات أو ما يشبه الصفقات، فلا تستبعد، ولكن ستظل الإهانة قائمة، وستترسخ عقدة خوف طهران وستزداد على مدى الأيام.
الغريب المريب صمت المتفرجين؛ الذين صمتوا (بصرامة) عن التعليق حول استشهاد أبي العبد، بل وعما يجري لإخوتهم في غزة، وهم اليوم يتفرجون في صمت لا يسر؛ صمت أفاد إيران وروّج لها، بينما السخرية تهزأ بهم.