الحضارة التي تمتلك قوة مفرطة للدمار ثم تقتل به الضعفاء وتدمر الشعوب بدون قانون وبدون (احم ولا دستور) وبلا أي رادع أخلاقي ليست حضارة إنسانية هي نزوة وحشية تنتمي لعالم السباع ستنقرض وهي تحرق نفسها بقوتها المفرطة ضد الأطفال والنساء فصناعة الفجائع وزراعة الأحزان عند الأمهات ليست قوة ولا حضارة ولا هم يحزنون.
والانتشاء بهذا الفعل كانتصار هو علامة ضعف وخواء حضاري وبداية سقوط محتوم.
ولا يفيد الحرص على المعاني الأخلاقية بالتصريحات اللفظية بينما اليد ملطخة بالدماء تذبح الضعفاء بأسلحتها التي تمد بها القتلة الذين تشجعهم بالحماية من العدالة والعقوبة والردع في المحافل والمنظمات الدولية. ... أمريكا نموذجا!!
والمظاهرات التي تقودها النخبة وطلاب ومدرسي الجامعات الأمريكية ضد هذا المسلك ليست من اجل عيون (غزة) بل من اجل عيون أمريكا وتنطلق من الإحساس بخطر هذه الوحشية ضد بلادهم كدولة عظمى، وهو إحساس سوي يجعل هؤلاء يرون أن الأسلحة التي تقتل الأطفال وتمزقهم أشلاء إنما تشرع بتمزيق الدولة العظمى وتضربها في العمق وتحيل ضميرهم ووجودهم الحضاري إلى أشلاء منثورة في مهب الأيام. ولهذا يصرح بعض مثقفي أمريكا أمام صمود غزة (أنتم تدافعون عنا أيضا )!!
فنشوء الحضارات والدول العظمى تبدأ مشبعة ببعدها الأخلاقي مصحوبة بالقيم الإنسانية والروافع الروحية.
وهذا ما يقف وراء القوانين النظرية للمجتمع الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب وقوانين الحروب التي تطبق بشكل اعور للأسف بسبب قصور في بناء الضمير الدولي والنفاق المتعمق في روح هذه الحضارات المزيفة.
وعندما تتخلى هذه القوة عن هذا البعد وتمارس عكسه بشكل مقرف دون مراجعة أو رادع فإنها تبدأ الهبوط التدريجي نحو السقوط إلى الهاوية والتلاشي كما تلاشى السابقون ولن يعدم الزمان أسبابا متدرجة وربما سريعة لهذا السقوط وسيصنع التاريخ خانة سوداء ومشوهة تليق بهم مع لوحات تقرأها الأجيال والشعوب لمن يريد الاعتبار والاستفادة من دروس التاريخ الذي بالغالب يتكرر بسبب طغيان الإنسان وذاكرته المهزوزة بالأطماع ونوازع الاستعلاء بغير حق.
لأول مرة بسبب المجازر والإبادة في (غزة) يجري صراع (حضاري) في أمريكا بين طغيان القوة العمياء وإبصار النخبة والطلاب لمآلات الأمور يتعلق ببقاء أمريكا وزوالها من خارطة القوة والأيام شديدة المكر بالأقوياء المغفلين والطغاة المغروريين بالقوة وادعاء الربوبية والقوة المطلقة.
وللأيام خبرة في مسح الإمبراطوريات بسهولة ساخرة،
إنهم يتحولون رغم ضخامتهم إلى أضحوكة للزمن ومسخرة للتاريخ بعد أن كانوا يغطون الأفاق.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.