لم تكن مأرب مجرد أرض طيبة تمنح اليمنيين خيراتها وثرواتها فحسب، بل كانت وما زالت الحصن الذي يحمي أمنهم واستقرارهم، والمدافع عن اليمن بأكمله. في 28 أكتوبر 2015، ضاقت بي الأرض في ريفي ومدينتي التي نشأت فيها، وشعرت بعدم الأمان حيث كانت حياتي مهددة بالخطر بعد اجتياح الغزاة الحوثيين لمحافظتي الحبيبة قادمين من كهوف صعدة، مدججين بالأسلحة والكراهية لكل ما هو يمني يرفض مشروعهم.
لم يكن أمامي خيار للبقاء حيًا والمشاركة في فضح مشروع المليشيات الحوثية، التي غزت مدينتي بعد السيطرة على العاصمة صنعاء، سوى اختيار مأرب ملجأ وملاذًا. فررت من حياة الخوف والشعور بالقهر إلى أرض البطولة والحضارة والكرم والشجاعة، كوجهة أستطيع فيها ممارسة عملي ومواصلة تعليمي. وبالفعل، كانت مأرب ملاذًا آمنًا لي وللعشرات من الصحفيين، بل وللملايين من اليمنيين الذين هاجروا إليها خوفًا من المساس بكرامتهم على أيدي أولئك الأوغاد الذين لفظتهم شعاب وكهوف مران كما يلفظ البحر الجيف إلى شواطئه.
في مأرب، وجد اليمنيون حريتهم وكرامتهم، ومارسوا ثوريتهم الكاملة بالمشاركة في مواجهة المليشيات. فتحت الجامعة أبوابها للتعليم، بينما فتحت مدننا المحتلة لأبنائها المقابر.
في مأرب وجدنا الكهرباء والخدمات، بينما غرقت مدننا التي احتلها الحوثيون في الظلام ومشاريعهم التخريبية. في مأرب وجدنا الفرص التأهيلية لتطوير مهاراتنا، بينما ترك الكثير من الشباب تعليمهم وتشردوا بين الدول بحثًا عن لقمة العيش بعد أن حرمتهم وآبائهم هذه المليشيا حتى من مرتباتهم وقوت أطفالهم أو ألحقتم بمشروع الموت ليفقدوا أرواحهم بعد أن فقدوا أمانهم وشعورهم بالكرامة.
عشر سنوات وأنا أسكن في مأرب منذ أن هجرت قسرًا من مدينتي المحويت بحثًا عن الأمان. كانت مأرب كحضن أم لليمنيين الرافضين للمشروع الانقلابي الإيراني، ومأوى لكل من نزح بحثًا عن الأمان والكرامة.
عشر سنوات لم أشعر يومًا بالغربة، كانت هذه المحافظة حضنًا دافئًا وأمًا رؤومًا لكل أبناء الشعب اليمني. استقبلتنا بالحب وشملتنا بالعطاء وساوت بين كل اليمنيين. لم يسألني أحد من أين أتيت أو من أي محافظة جئت، بل على العكس، يُحترم المرء هنا عندما يعرفون أنه من أبناء الشعب المناهض للحوثي. تدهشك حكمة قيادتها وشيوخها، ونبل شبابها، وإقدام وشجاعة أبطالها.
وجدنا في هذه البلدة الطيبة التحاب والتكاتف الأخوي وروح التعاون والتكافل، ومساحة شاسعة لحرية الرأي والتعبير والتعددية والتقدير الذي فقدناه في مدننا المحتلة.
هنا، في مأرب، وجدنا نموذج الدولة؛ وكل ما حلمنا به وفقدناه، وجدنا الدولة بكل مؤسساتها وحضورها وسيادتها.
ففي هذه المحافظة نموذج رائع للقيادة الوطنية المسؤولة التي تستوعب الجميع وتحقق طموح الحالمين بالدولة المدنية الحديثة. تبذل جهودًا حثيثة لتوفير وتحسين الخدمات رغم التحديات الصعبة والمؤامرات الكبيرة التي تسعى إلى إجهاض مشروع بناء الدولة التي تليق بكينونتنا وإنسانيتنا كيمنيين.
أيها اليمنيون في كل أصقاع الجمهورية، من زار منكم مأرب سيعرف الحقيقة وسيدهشه الفرق.
فلا تصدقوا ما يُشاع على وسائل التواصل من بعض المغردين؛ فالخطأ عند فرد لا يعني وجود مشكلة في مأرب. بل على العكس، مأرب هي ما تبقى لنا من اليمن الجمهوري، وهي النموذج المشرف للدولة التي يحلم بها أبناء الشعب.
فسلام على مأرب، البلدة الطيبة، وسلام على قيادتها الحكيمة، وقبائلها الكرام، وكل من فيها من أحرار الشعب. والخزي لكل من يحاول النيل منها أو يشوه صورتها. هذه البلدة التي هزمت مشروع الفرس بكل هجماتهم، وأفشلت مخططات الأعداء ومشاريعهم منذ القدم، قادرة أيضًا على فضح الأعداء والمبتزين ومواجهة كل التحديات. وهي محروسة بإذن الله وبدماء الشهداء وأشلاء الجرحى وتضحيات أبناء الشعب في أطرافها وكل جبهاتها. وستظل رمزًا للصمود ولن ينال منها أحد، فهي أرض سبأ، باركها الله وذكرها في كتابه الكريم: بلدة طيبة ورب غفور.