"حياة الماعز " هو الفيلم الذي وجه ضربة مؤذية للعهد السعودي الجديد، رغم أنه غادر عملياً حياة الإنغلاق وانفتح على العالم وأصلح إلى حد كبير نظام الهجرة.
هذا الفيلم الذي يدمي القلب والمصنوع بقسوة من قصة حقيقية أكثر قساوة، يكمن جرحه الغائر في هوية بطل الفيلم "نجيب" الذي يشير اسمه إلى أنه مسلم. في حين ظل الرجل البدوي القاسي القلب الغليظ الطباع يفرغ أحقاده وغلظته في هذا الوافد المستباح من شبه القارة الهندية ولم يفكر لحظة بالرابط المقدس المشترك بينهما.
للأسف كرس نظام الهجرة السابق في السعودية قاموساً شديد التمييز ضد القادمين بغرض العمل في السعودية الغنية بالنفط، والتي احتاجت خلال العقود الماضية إلى أهل الخبرة وإلى القوى العاملة الوافدة، في عملية تبادل منافع كان ينبغي أن تكرس إرثاً جميلا من التعايش وتسمح باستيعاب آلاف الذين ولدوا وترعرعوا في المملكة ولم يعرفوا غيرها، كمواطنين صالحين.
العرب ومنهم الجيران الأقرب للسعودية من اليمنيين والعمانيين، نالهم ما نالهم من التمييز على أساس الهوية الجهوية في سبعينيات القرن الماضي من قبل البعض، فقط لانهم ينحدرون من مناطق تقع في الجانب الآخر من الحدود، لكن ذلك لا يلغي أبدا أن السمة الغالبة كانت هي التعايش والأخوة والاحترام، بسبب الإرث الأصيل من القيم العربية التي تسكن في ضمير ووجدان الشعب السعودي.
لا أظن أن هذا الفيلم صُنع نتيجة قناعة إبداعية بجوهرية القصة ومتانة النص ونبل الرسالة.
لقد صُنع ضمن مخطط تشرف عليه غرفة مشتركة تابعة لحلف لا تخطئه العين. أمريكا وإسرائيل والهند، ثلاثي أيديولوجي خطير يتأسس حول فكرة استهداف الإسلام ويستهدف قلب الإسلام، رغم كل المواقف السخية التي تصدر عن الرياض في ذروة القتل الجماعي الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، والاضطهاد المتزايد للمسلمين في الهند، من قبل الجماعات الهندوسية المتطرفة الداعمة لرئيس الوزراء الهندي.
هدف هذا الفيلم هو الإمعان في ابتزاز واحتواء السعودية الجديدة وترويضها، ودفعها إلى الانخراط بشكل واضح وعلني في إعادة صياغة واقع جديد للمنطقة، يعلم الله ماهي ملامحه النهائية لكن على طريق تنفيذ هذا المخطط ثمة إصرار على ضرب روح الأمة وعقيدتها.
السعودية كما هي الإمارات اندفعا بشكل لافت نحو أحضان رئيس الوزراء الهندي القومي الهندوسي المتطرف ناريندرا مودي، وأفسحت الإمارات المجال أمام الدين الهندوسي ليتجلى في أبهى تمظهراته المادية وقمعت في المقابل كل مظاهر التدين الإسلامي والانتظام في إطاره.
ويراد للسعودية أن تمضي بشكل أعمق وأسرع في هذا الاتجاه وأن تتخلى عن ركائز وجودها وحضورها ونفوذها في العالم الإسلامي وفي العالم بشكل عام وأقصد بها، الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة الأخرى، التي تحج إليها أمة الإسلام من كل فج عميق، إلى جانب كونها ومهبط الوحي، وفي ثراها يرقد عشرات الآلاف من صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذين أوصلوا إلينا هذا الدين الحنيف.