إحتشد، أنت في مأرب، فكل ما فيها يدعو للإحتشاد، مأرب مدينة باسلة لا تنام، تبيت واقفة واصبعها على الزناد.
يحرسها الشهداء، والشهداء وطن لا يموت، وكما ”يتشبث الدم بالتراب وتنشب الأعضاء صورتها على صدر الحفر ” ، هم هنا واقفون في كل مدخل، يحمونها من موت كثير ، يطالعونك من كل الجهات والواجهات ، يقظة دائمة ، وانتباهة ملازمة. يشعرونك بالمسؤولية.
هم هنا في الصدارة، القادة الكبار الفرسان المتقدمون، يمارسون مهماتهم كاملة، يواصلون إذكاء الروح، وإحياء العزم، يحدقون في الأعماق، يرنون إلى وقفتك ووثبتك وثباتك. لتكن بقدر الشهيد في التضحية والفداء، بمستواه في الموقف والرؤية، والكلمة. بحجم القضية.
مأرب الحضارة والحضور، يحضر التاريخ الحي في المعركة من أجل الحاضر والمستقبل. تجسد مأرب رمزياتها الجامعة في هذا الصراع، ويبدو المكان بقدر المكانة. تتدفق اليمن باتجاه مأرب وتتضافر الروح المأربية في احتضان المد الوطني المقاوم، وتقاسم عبء الدفاع عن الجمهورية ومواجهة ميليشيا الموت والخراب.
تكبر بموقفها مأرب وتكبر بها اليمن، ويرنو إليها العالم بإكبار. قدرها أن تظل كبيرة، متجاوزة الحساسيات والتباينات والنزوعات الصغيرة متعافية متعالية على كل الدعوات التي تسعى لتكريس مظلوميات جهوية ترسخ شعور الضحية وتضعها إزاء ذاتها اليمنية الملتحمة في حالة تهديد وتقزم دورها كحامل للمشروع الوطني الكبير.
قدر مأرب أن تكون النموذج الأبهى للذات اليمنية الواحدة في هذا الصراع المصيري. بما لها من الرمزية والثقل والدور والفعالية والتأثير. ومازلت أرى أن الاختراقات الكبرى قد تأتي من الهوامش. الشهيد القردعي خير مثال. ويقينا فجر الخلاص سيشرق من البلق مضخما بدم الأحرار.
مأرب حالة عظيمة ملهمة، مسقط العز والشرف والكرامة ميدان الملاحم والبطولات، إليها ننمى وننتمي.
وبها نلوذ ونحتمي، وعنها نقاتل ونقاتل وبها تفاخر كل اليمن، وعلى جبينها ينقش الحب صلاته.
بوركت سماوات من بشر وتراب، أرض تحدرت من عليين، مليكة كل العصور، حاضرة الأبد ما بدلت ولا تبدلت، وأبدلتنا بجنان من شموخ وعزة وكبرياء، ووطن من فخر كثير.
مأرب ملتقى الأباد والآماد، ملتقى الأسفار والأنهار، ما انهار سدها إلا لأنها انسكبت بكلها فيه كي تجري وتتدفق في قلب العوالم، وكي تروي عطش الحقب إلى المعنى الكريم.
هي العظمة الباقية، والرواية والحكاية، مهد الأسرار والأنوار، وموئل الثورة والثوار، سفينة نوحنا الأخير، وبوابة المجد والخلود.