مشكلتنا أننا نريد أن نبني المستقبل بأحجار الماضي المتهالكة صراعات، وهي ذات العقول التي تحجرت وتقوقعت في الزمان والمكان، ومثخنة بالثأر والانتقام، وتريد للشباب أن يتقوقع معها، كوقود لصراعاتها.
إن فشلتم في بناء مستقبل يلبي تطلعاتكم وأحلامكم، فاتركوا للشباب بناء المستقبل، أنهم عماده وفيه تطلعاتهم وأحلامهم التي بالضرورة لا تتوافق وأحلام ماضيكم المتعفن صراعات واقتتال ودماء.
لتشمل خطط المستقبل واستراتيجياته سياسة التمكين السياسي للشباب، ويبدأ هذا التمكين في تشبيب الأحزاب والمكونات السياسية التي شاخت، وتحتاج لتشبيب سياساتها وخطابها وبرامجها، قبل تشبيب هياكلها.
البعض ما زال يجد في الشباب قطيع للحشد ينفذ ما يملئ عليه، ويتخذ من حق الشباب والمرأة لوحة فقط للتباهي بها في الدعاية الإعلامية، وخطاب التدليس والتغرير على الجماهير، ولكن الحقيقة مازال مكونا كهل في برامجه وسياساته وخطابه.
بناء المستقبل يبدأ من خلال رسم السياسات والاستراتيجيات، وتمكين الشباب والمرأة في تسيج البناء لمؤسسات مصدر القرار داخل المكون والحزب، الذي يشكل مع الآخرين ائتلاف الحكم، وبالتالي تتشكل من ذلك كتلة من الشباب والمرأة مؤثرة في صناعة القرار والاختيار في سلطة الحكم.
بهذا نستطيع أن نضمن فرص كافيه للانتقال لمستقبل آمن ووضاء، ملحوظ في تغيير ملامح الأزمة، الأزمة التي ما زالت ملامحها تتشابه كثيرا مع ذلك الماضي، هذا التشابه يحاول أن يعيد لنا الماضي وصراعاته بكل تجلياتها.
نتغنى بالشباب وعماد المستقبل، ولكننا نريده أن يكون عمودا من أعمدة صراعات الماضي، المعيق لصناعة التغيير، فهل نتيح الفرصة للشباب الواعي بمجريات الأحداث والمتغيرات، والقادر على أن يصنع تغيرا، وينتج سلام من ركام الحرب .
بعيدا عن تغذية الشباب بقصص وخرافات الماضي، التي تغذي العقل بسذاجة في قصص غزوات عنترة بن شداد، في زمن لم يعد الخيل والسيف قادر على مواكبة تطورات العصر، وسذاجة استلهام الألقاب من الماضي دون الفكرة العميقة، كالذي يريد أن يصبح مانديلا أو غاندي وهو أعجز من أن يصنع سلام وحب وتسامح في واقع مثخن بالثارات والأحقاد والضغائن.
ما يعيق الحياة، هو ذاته المعيق للتغيير والنمو، نمو الفكر والوعي، وتغيير السياسات والاستراتيجيات التي تتناسب مع حركة مجريات التاريخ والمرحلة.
إنها الهزيمة والضعف الذي لا يأتي عرضيا، بل يتزامن ويتلازم مع فقدان حالة من الوعي القادر على مراجعة ما حدث بعين فاحصة تستوعب كل جزئيات الماضي، وقراءة الحاضر والنظر بعين ثاقبة للمستقبل ومتطلباته، الهزيمة هي استسلام الشعوب المقهورة بعين مغمضة عن جوهر الأحداث، لتتحول لقطيع يمكن تحريكها في أي زمان ومكان لخدمة الأسياد المهيمنين على المشهد.
لا حياة لأمة إلّا بإحساسها ووعيها بما يحدث لها، والإحساس بذاته حرية وإدراك يستشعر كل ما حوله، ويستلهم ما يخدم مصالحه، وهذا بحد ذاته وعي من الصعب أن تغلبه مشاعره وعواطفه، ويتغلب على القهر والماسي، ويتجاوز أحداث الماضي، ليستشعر الحاضر ويستلهم المستقبل.
وهناك فرق بين أمة تنضب حياة وبين أمة تنحب حظها!