كان سيكون من حسن حظ اليمن، لو أنها لم ترَ وجه الرسي قط، ولا أن تطأها قدماه، ولا عرفت نظام الإمامة الذي تبناه الرسي، مطلقاً.
ولا يُعذر اليمنيون عبر الأجيال المتعاقبة في عدم الحسم النهائي مع الإمامة، وإن كانت العصور القديمة أكثر إعذاراً، لأن الزيف والتضليل، كان ممكناً نسبياً في حالات في العالم القديم، مثل ضلالات الكنيسة في شأن الحكم، ومعتقدات الصين، واليابان، وفارس، في سلالات الحاكمين، حيث كانت تصل حد التأليه!
لكن تقديس الحكام الزائف، انتهى من الدنيا كلها، وانتهت مزاعم الحق الإلهي، ويراد إعادة فرضه الآن في اليمن بالعنف والتضليل.
وعلى الرغم من القداسات التي كان يُحاط بها بعض الـحكام في بعض بقاع العالم، لكن لا شيء يضاهي أثر الإمامة المدمر في اليمن، وفشلها في إقامة حكم ينفع الناس؛ ويكون له إنجاز حضاري، مثل من أشرنا إليهم أعلاه، حيث كان يُقدَّس الحكام، وإن كان التقديس باطلا بالطبع في كل مكان وزمان، لكن ذلك لم يمنع من أن يكون لكثير من أولئك الحكام "المقدسين" في الشرق والغرب، أعمال مفيدة لصالح الشعوب، خلافاً للإمامة في اليمن.
ولعل فشل الإمامة في إقامة حكم محترم ومعتبر، عبر تاريخها، كالعثمانيين، مثلا، والعباسيين، والأمويين، في عالم المسلمين، كان ممَّا يفترض أنه يسهل القضاء عليها مبكراً. لكن ذلك لم يحدث، عدا ما حدث في ثورة 1962، مع أنها لم تقض على الإمامة، تماماً، كما هو واضح الآن.. وقد سُرِقت تلك الثورة على مراحل، وساهم في سرقتها أدعياء جمهوريون.
وكان يُفترض في ثورة 26 سبتمبر أن لا تبقي للإمامة أثراً، فما بالنا بإمكانية عودتها المتوحشة، على نحو ما يحدث الآن.
إن الذي مهد لعودة الإمامة في هذا الزمن، بهذه الصورة الفجة المتخلفة، هي أخطاء وسوء تقدير وممارسات فاسدة، غير مسؤولة، عند نخبة الحكم والسياسة، في النظام الجمهوري، قبيل، وحال نشوء الجماعة الحوثية؛ وأثناء الصراع والمواجهة معها، حتى اقتحمت عاصمة البلاد وهي قوة صغيرة، والعاصمة محاطة بعشرات آلاف من الجنود وما لا يحصى من العتاد.
ومما هو معروف أن مسؤولين كباراً، مارسوا ما يخل بمقتضيات مفاهيم الثورة التي يدَّعونها، ومارسوا الفساد الكبير، وهم يزعمون أنهم من الثوار والجمهوريين، وقد كان لبعضهم، أو لأسلافهم، مشاركات في الدفاع عن الجمهورية بالفعل، ونعرف الأمثلة والنماذج!
ولا ينطبق ذلك على قادة 26 سبتمبر الأحرار الذين قضى أكثرهم نحبه قبل ظهور الحوثي، وغادروا الدنيا دون أن يستحوذوا على الثروات والأموال العامة. ومنهم رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ووزراء وقادة عسكريون وآخرون كثيرون، من كل المستويات القيادية، من شمال الوطن وجنوبه.
وكتب ميلاد حنا في 2006 كيف أن هناك من يريد أن يكون سارقاً وزعيماً! وفي اليمن، هناك من يرى إن ذلك ممكناً! وفي ضوء ذلك، نستطيع فهم أسباب عودة الإمامة، وكيف يراد للتشطير أن يعود أيضاً! ونعرف من ينفذ مشيئة الخارج الآن ضداً على مصالح الوطن وأهله ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، ويريد أن يكون زعيماً أيضاً!
وتعبر نتائج المواجهة مع جماعة الحوثي، منذ 2015 عن حقيقة الحالة العربية الراهنة، التي تتجلى أيضا في الموقف من حرب الإبادة في فلسطين منذ حوالي عام كامل.
إن عودة الإمامة على هذا النحو المدمر، هي وصمة عار في وجه جيلنا.
وسوف يحسب التاريخ على جيلنا عودة الإمامة بهذا الشكل المتبجح الغاشم، في القرن الواحد والعشرين، أكثر مما قد يؤاخَذ الجيل المعاصر لقدومها الشيطانيّ في القرن التاسع الميلادي، وما تلاه.
ويصعب مقارنة نظام الإمام محمد البدر الذي تفجرت ثورة 26 سبتمبر ضده، مع نظام الكهنوت الجاثم الآن على كاهل اليمن.
وعلى أهمية ثورة 26 سبتمبر العظيمة في مواجهة نظام الإمامة، فإن مقاومة الظلم الآثم الآن، على شعبنا، أكثر ضرورة من ثورة 26 سبتمبر!