في تاريخ الشعوب، تبرز لحظات سوداء تعيد صياغة الهوية الوطنية، لكنها تترك خلفها آلامًا لا يمحوها الزمن، ونكبة 21 سبتمبر تمثل واحدة من تلك اللحظات المأساوية التي عاشها الشعب اليمني. في هذا اليوم، تآمرت قوى الظلام، أعداء اليمن وأعداء ثورة 26 سبتمبر المجيدة، ليعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، مُحملين بحقد دفين على اليمن واليمنيين، حاملين مشاعل الخراب والكراهية التي طالما نمت في صدورهم، منذ أن أطاحت ثورة 26 سبتمبر بأجدادهم الطغاة، ووضعت حداً لاستبدادهم وظلمهم.
21 سبتمبر لم يكن انقلابًا عاديًا على السلطة فحسب، بل كان انقلابًا على قيم الحرية والكرامة التي ناضل من أجلها اليمنيون، وثأرًا عتيقًا يحمله الحوثيون ضد هذه الأرض وشعبها. لقد جاء الحوثيون بوجههم القبيح، مدفوعين بحقد متأصل على تاريخ اليمنيين الذين تجرؤوا في الماضي على كسر سلاسل الاستعباد التي مارسها أجدادهم، فأرادوا أن يثأروا من الثورة الأم 26 سبتمبر، التي أسقطت عروش أجدادهم الكهنوتية بثورتهم الدخيلة نكبة ٢١ سبتمبر.
لقد سعت هذه المليشيا إلى إعادة بناء مملكة الظلام التي تهاوت، فزرعوا بذر الشقاق والكراهية في كل زاوية من هذا الوطن الجريح، مستخدمين شعارات زائفة وثورة مزعومة باسم 21 سبتمبر، لم تكن سوى غطاء لهدفهم الحقيقي: تقويض أسس الدولة اليمنية، ونهب مقدراتها، وإغراق شعبها في الفقر والجهل والجوع.
لم يكن هدفهم سوى تمزيق النسيج الاجتماعي، واستعباد الشعب، وكأنهم يسعون بكل ما أوتوا من خبث لإعادة اليمنيين إلى العصور المظلمة.
منذ ذلك اليوم المشؤوم، تجلت قذارة أعمال الحوثيين، فتوسعت دوائر الخراب في كل مكان مروا به. نهبوا مؤسسات الدولة، حولوا المدارس والمساجد إلى أوكار لترويج فكرهم المتطرف، زرعوا الألغام في أراضي الفلاحين، واختطفوا الشباب وزجوا بهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. حولوا اليمن من بلد زراعي مزدهر إلى ساحة خراب، ودمروا البنية التحتية التي شيدها اليمنيون بعرقهم وتضحياتهم.
أعاد الحوثيون اليمن إلى زمن القهر والعبودية، حيث الكلمة العليا للسلاح، والقرار بيد من يملك القوة الغاشمة. حولوا صنعاء، عاصمة اليمن الأبية، إلى رهينة بأيديهم، عاصمة شهيدة تئن تحت وطأة القهر والتعسف. أحكموا قبضتهم على الدولة، ودمروا الاقتصاد، فانتشر الجوع كالطاعون بين الناس، وتفشت الأمراض، وتراكمت أزمات التعليم والصحة، في وقت كانت مليشياتهم تستولي على الثروات وتعيش في ترف على حساب دماء الشعب.
لقد أظهرت نكبة 21 سبتمبر الوجه الحقيقي للحوثيين، كأداة تخريبية مدفوعة بأجندات خارجية، لا تحمل في طياتها سوى الكراهية تجاه اليمنيين، ومحاولة بائسة لإحياء حكم الكهنوت الذي لفظه الشعب في ثورة 26 سبتمبر. جاءت نكبتهم لتقضي على مكتسبات الثورة اليمنية الحقيقية، وتسلب الشعب حقوقه التي ناضل من أجلها لعقود.
إن ما يسمونه اليوم بثورة 21 سبتمبر وهي في الأساس نكبه لم تكن إلا غطاءً لفرض الهيمنة والتسلط، وقمع كل صوت ينادي بالحرية والكرامة. هدفهم من هذا الانقلاب لم يكن إصلاح الوطن كما زعموا، بل كان تدمير مؤسساته، وتقسيم شعبه، ونهب ثرواته. كان هدفهم الواضح إعادة اليمن إلى عصر الجهل والتبعية، حيث يستعبدون الشعب باسم الدين والمذهب، ويكرسون سلطتهم بالحديد والنار.
إن نكبة 21 سبتمبر يمثل اليوم الذي انكشف فيه المخطط الحوثي بكل وضوح؛ يوم انقلبت فيه الحقيقة، وتحول فيه الوطن إلى ساحة معركة لقوى الظلام التي لم تكن تهدف إلا إلى تدمير كل ما هو جميل في اليمن. يحملون في قلوبهم حقدًا دفينًا على اليمنيين لأنهم ثاروا ضد أجدادهم، ويحاولون اليوم إطفاء شعلة الثورة التي أوقدها الأحرار في 26 سبتمبر، لكنهم لن ينجحوا. فاليمن، رغم كل الجراح، لا يزال شعبه متمسكًا بأحلامه وحقوقه، ولن ينسى من خانوه وباعوه لأعدائه.
ستظل نكبة 21 سبتمبر وصمة عار في تاريخ اليمن، وسيبقى ذكرى مؤلمة في ذاكرة كل يمني حر، لكنه أيضًا سيكون دافعًا لمزيد من المقاومة والصمود حتى تتحقق الحرية، ويعود اليمن كما كان، وطنًا شامخًا لا يخضع لأعدائه، ولا ينكسر أمام طغاة الماضي وحاملي حقدهم الدفين.