بين ثورتنا وانقلابهم، كان الأمان والخوف، رائحة الأمل والحرية يقابله البارود ودخان الأكاذيب.
لقد ظن الحوثي، في لحظة جنون تاريخي، أنه يمكنه أن يرتدي قناع ثورة ويزيف ملامحها، لكن ما فعله لم يكن سوى انقلاب في جوهره، ردة على الثورة الأم، ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، سرقة صريحة لمستقبل أمة وتطلعات جيل.
الثورة، في جوهرها، صرخة حياة في وجه ظلم، بحث عن العدالة والحرية والمساواة، ليست أسلحة ومليشيات تقتات على الظلام، حيث الجهل يعلو والعقل يُسحق تحت وطأة السلاح.
يقترن سبتمبرنا براية خفاقة ومشروع تحرر وجمهورية، ويرزح سبتمبرهم تحت أقدام القبيلة ومشاريع الموت.
منذ ذلك اليوم المشؤوم، 21 أيلول سبتمبر الأسود 2014، أصبح الفكر رهينة لرصاص المليشيا، وكل محاولة للتعبير عن الرأي جريمة تُعاقب بالاختفاء القسري.
يعرف اليمني كل هذا، كل ما حدث، قدمت له ثورته الأم مدرسة، وقدم له الحوثي مشرفا، ما لا يعرفه أن من رحم الفوضى الحاصلة يمكن أن تولد أعمق الأفكار.
ما يجب أن نركز عليه اليوم، بعد أن فرغ المجال من الساسة الذين ابتلعهم فسادهم أو خوفهم، وجدت البلاد نفسها تبحث عن أمل في أعين شبابها.
هؤلاء الشباب، الذين لم يتم ترويضهم بعد بمكائد السياسة، أصبحوا قربان الخلاص، أرواحا جديدة تحمل شعلة استعادة البلاد، دماء حية قادرة على بناء مستقبل بعيدا عن نخب عاجزة.
"لا تُغير الأرواح القديمة، ولكن تُبنى المدن بأرواح الشباب"، قال سقراط ذات يوم، وهذا حالنا، لعشرة أعوام، نحتاج حيلة جديدية، طريق مواجهة جديدا، جاء به سبتمبر 2023، في صنعاء وغيرها من مدن خاضعة لسيطرة الكهنوت الحوثي، وسيأتي به سبتمبر هذا العام.
قوى تبرز الى الواجهة من الميدان، دماء شابة، تُحطم أصنام الماضي، وتعيد صياغة التاريخ بفكر جديد، حرّ من قيود الماضي وارتهان الحاضر.
لا خلاص يمكن أن يأتي من المؤسسات التي نسجت على أيدي الساسة، أثبتت لنا السنوات الماضية هكذا حقيقة، بل من طاقة الشباب الذين يعرفون جيداً أن الثورة ليست شعاراً، بل مشروع حياة يعاش.
قرباننا هي الدماء، الأصفاد تعزف غدنا الموعود، الإرادة التي لا تزال تؤمن بالحلم رغم كل العتمة، التي تعرف أن الوطن ليس حكراً على طائفة أو جماعة.
الخلاص الأخير ليس في خطابات الساسة، بل في أيدي هؤلاء الذين يعيشون الثورة في عقولهم وقلوبهم.
نتذكركم، كلما عزفنا نشيدنا الوطني، كلما رفرفت الراية عالياً في سماء مشتاقة للحرية، نتذكركم تحت الثرى وخلف القضبان، نشيدا رائعا يملأ النفس، خيوط نور ترددها أغاني البلاد، وأهازيج الأمهات في الأرياف.
المجد كله للمختطفين الأبطال خلف قضبان جماعة الحوثي المارقة، الحرية الحمراء المعمدة بالدم والألم والقيود، النصر وعد معقود بإرادة الأحرار حد بذل الروح في سبيل الفكرة.