في ذاكرة الطغاة، هناك أيامٌ لا تندمل جراحها، أيامٌ تمثل لهم هزائم لا تستطيع السنوات أن تغسل مرارتها. وبالنسبة لمليشيا الحوثي، يبقى الـ 26 من سبتمبر هو اليوم الذي يُشهر أمامهم كسيفٍ مسلول، يطعن في أحلامهم ويدمر أوهامهم، ويعيد إلى أذهانهم الصورة الأليمة لسقوط عرش أجدادهم الإمامية في لحظة من لحظات العزة والشموخ الشعبي. 26 من سبتمبر هو اليوم الذي يكره الحوثي أن يسمع اسمه، ويخشى الاحتفاء به، لأنه يومٌ شهد انتفاضة الشعب اليمني، وانتزاعه لحريته من براثن الظلم والكهنوت، ودوسه على رموز الاستبداد التي حاول الحوثيون وراثتها وتزيينها.
لا يوجد يوم يؤلم الحوثيين أكثر من 26 سبتمبر، لأن هذا اليوم يذكرهم بأن مشروعهم الطائفي، مهما تزيا بثياب الدين والقومية، ليس إلا تكرارًا بائسًا لفترة مظلمة من تاريخ اليمن، فترة ظنوا أن الشعب قد نسيها أو رضخ لقدرها.
يكره الحوثي هذا اليوم لأن صرخات الحرية التي أطلقها اليمنيون في وجه أجدادهم الإمامين لا تزال تصم آذانهم، وتؤكد لهم أن الشعب الذي أطاح بالإمامة قادر على أن يطيح بأي محاولة جديدة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
في 26 سبتمبر 1962، لم يسقط نظام سياسي فقط، بل سقطت معه أسطورة السيطرة الإمامية التي بُنيت على قهر الشعب واستعباده. الحوثيون يدركون تمامًا أن هذا اليوم يمثل نقطة فاصلة في التاريخ اليمني؛ فهو اليوم الذي انتهت فيه أوهام أجدادهم إلى الأبد. لذلك، هم يكرهون 26 سبتمبر لأنه يعيد إليهم ذكرى هذا السقوط المدوي، ويجعلهم يشعرون بالعجز أمام إرادة الشعب التي لا تُقهر.
كلما أطلّ هذا اليوم، تتجدد في نفوس الحوثيين مشاعر الهزيمة والخذلان، مشاعر اليأس من إعادة تلك الحقبة السوداء التي ثار الشعب ضدها. هم يعلمون أن 26 سبتمبر ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو روحٌ متقدة في قلوب اليمنيين، تذكرهم بأن الثورة التي أسقطت الإمامة لا تزال تعيش في وجدان الأجيال، وأن عودة الاستبداد بأي وجه أو شكل لن تكون إلا وهماً آخر يتحطم أمام صلابة الإرادة الشعبية.
إن احتفال الشعب اليمني بهذا اليوم، حتى في عقر دار الحوثيين، يمثل تحديًا وجوديًا لهم. فهو بمثابة إعلانٌ صريح بأن روح سبتمبر ما زالت حية، وأن الشعب اليمني لن يخضع لأي طاغية جديد يتلبس ثياب الإمامة أو يحاول إعادة إنتاج سلطتها القمعية.
الحوثيون يرون في هذه الاحتفالات سخرية مريرة، فهم يحكمون مناطق، لكنهم لا يحكمون قلوب الناس، ويدركون أن الشعب، في كل مرة يحتفل فيها بذكرى الثورة، يعتبر رفضه القاطع لمشروعهم الاستبدادي.
إن 26 سبتمبر بالنسبة للحوثيين هو اللعنة الأبدية التي تطاردهم، وتذكرهم بأن لا مكان لهم في دولة تقوم على الحرية والمساواة. إنهم يكرهون هذا اليوم لأنه يعيد إليهم مشهد يوم الهزيمة، يوم خرج الشعب اليمني بمختلف فئاته ليسقط عرش الطغيان الإمامي، ويرمي بأوهامهم في مزبلة التاريخ.
كل عام، ومع اقتراب ذكرى الثورة، تتصاعد الكراهية الحوثية لهذا اليوم لأنهم يشعرون فيه بالفشل المستمر، ويرون في كل راية ترتفع وفي كل أغنية وطنية تُغنى، شهادة على أن الشعب اليمني لا يزال يرفضهم، ويرفض مشروعهم الذي لا يختلف عن مشروع أجدادهم إلا في الاسم والشعارات.
إن يوم الـ 26 من سبتمبر يعتبر عند مليشيات الحوثي جرحًا لا يلتئم، لأنه يكشف لهم أن الشعب اليمني قد قطع عهدًا لا رجعة فيه مع الحرية، وأن أي محاولة لإحياء الاستبداد لن تكون إلا فصلًا جديدًا من الفشل والهزيمة فالشعب الذي أسقط الإمامة هو الشعب الذي يقف اليوم في وجههم، والروح التي أشعلت الثورة لا تزال حية، لا يمكن إطفاؤها مهما بلغت قوة السلاح أو جبروت السلطة.
يكره الحوثيون هذا اليوم لأنهم يرون فيه النهاية التي تنتظرهم، النهاية الحتمية لكل مشروع يقوم على الظلم والقهر. هم يعرفون أن 26 سبتمبر ليس مجرد ذكرى تثير الحزن في نفوسهم، بل هو وعدٌ يتجدد كل عام بأن اليمن، الذي ثار ذات يوم، قادر على أن يثور مرة أخرى، وأن الشعب اليمني لن يسكت على الظلم مهما تعددت الوجوه وتغيرت الأسماء.
ان ثورة الـ26 من سبتمبر تعتبر الطعنة التي لن تلتئم في قلب مليشيا الحوثي، لأنها تذكرهم بأن اليمنيين لا ينسون من ظلمهم، ولا يغفرون لمن يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
هذا اليوم يؤلمهم، ويحزنهم، ويكشف لهم أن الشعب اليمني أكبر من أي طاغية، وأن حرية هذا الشعب هي الحقيقة التي لا يمكن طمسها.
المجد والخلود لثورة سبتمبر الخالدة