كنت أظن أن الدكتور رشاد العليمي سوف يشترط هذه المرة، على السيد عيدروس الزبيدي، في زيارتهم أمريكا للمرة الثانية، أن يكف عن الترويج للمشروع الانفصالي، فقد قدِما معاً يمثلان اليمن، أو هكذا يفترض!
ولكن يبدو أن الدكتور العليمي لم يرغب أو لم يستطع أن يفعل، أو أنه حاول ولم يوفق. ويصعب تصور إن الترويج لمشروع الإنفصال الذي يقوم به عيدروس في رحلتهما الأمريكية، لا يعني الدكتور العليمي أو أنه يتم برضاه، مع أنه أيضا صامت عن وحدة اليمن، وقد يتحدث عن دعم وحدة أي بلد عربي آخر، مثل سوريا، ولكنه لا يتحدث عن التمسك بوحدة بلاده؛ اليمن، في أي مناسبة، على الرغم من الدعم الخارجي متعدد الأوجه لتجزئتها، صراحة وعلناً، ومع سبق الإصرار!
السيد عيدروس الزبيدي، ينتمي إلى قلب اليمن، وكان وما يزال، بإمكانه تكبير مشروعه ليكون بحجم اليمن، مثل أسلافه من الضالع نفسها، علي عنتر وصالح مصلح، وآخرين، حتى لا أقول: مثل أجداده الحميريين العظام، أو مثل قادة كبار في جزيرة العرب، عبدالعزيز آل سعود وزايد بن سلطان، اللذين تبنى كل منهما مشروعاً وحدوياً كبيراً في جزيرة العرب، وكافح من أجله حتى تحقق.
حارب عبدالعزيز آل سعود ثلاثين سنة، في سبيل مشروعه الوحدوي الكبير، وهو أهم مشروع سياسي في جزيرة العرب منذ قرون، وهو جدير بالفخر والإعجاب من غير شك.
أما المشروع الذي يجلب الخجل والعار، فإنه المشروع الذي يهدف إلى تجزئة اليمن، ولن يكون محل فخر في التاريخ للداعين له أو الداعمين له، أو الساكتين عليه، مهما تلاعب الآن الإعلام الممول من الخارج في تزيين العمل المشين، ومهما صمت عنه الصامتون، بمقابل ودون مقابل.
لا نود الإساءة لعيدروس، أو غيره، وهو على المستوى الشخصي جدير بالإحترام، ومن أسرة محترمة، لكن لا بد أن نصارحه دائما بالقول: إن مشروع تجزئة اليمن مَعيب وشائن، ولا يشرفه ولا يشرف أحداً غيره.
من خلال مشاركتي، مع محمد آل زلفى، في برنامج بثته إذاعتا صنعاء والرياض، بمناسبة عيد الوحدة العشرين في 2010، قال آل زلفى، وهو مؤرخ سعودي، إن الشيخ زايد كان يتطلع ويأمل أن لا يموت إلا وقد توحدت جزيرة العرب. وكان يُفتَرض أن تكون معنا إذاعة أبو ظبي في تلك المناسبة، لكن مشاركتها في البث تعذرت، يومذاك، ولا أعرف السبب.
آل زلفى الذي كان يحتفل معنا بوحدة اليمن، ويشيد بها، مثل مشروع زايد وعبد العزيز الوحدويين، يظهر الآن في وسائل الإعلام من أشد المتحمسين لتجزئة اليمن!
وهو ليس وحده من المثقفين السعوديين، وإنما هناك آخرون، تحدث عنهم المثقف السعودي الأستاذ عبدالرحمن الراشد، وقال بأنهم يرون في تجزئة اليمن مصلحة سعودية!
وقال عن اليمنيين الذين يتبنون المشروع الانفصالي، إما أنهم حالمون رومانسيون، أو انتهازيون.
وقد نختلف ونتفق مع الأستاذ الراشد، في قضايا أخرى، لكن موقفه، وموقف مثقفين سعوديين آخرين، تجاه اليمن عقلاني وطبيعي، ومحترم.
ومع ذلك نأمل أن لا يكون لأصحاب الموقف الآخر، مثل آل زلفى وتركي الحمَد، تأثير على توجهات السياسة تجاه اليمن، في البلد الشقيق، الذي نحترمه كثيراً، ولكننا سنختلف معهم ومع غيرهم، لو حدث منهم ما يضر ببلادنا ووحدتها، بطبيعة الحال.
ولسنا نعرف سبب سكوت المملكة على جهود الإمارات التخريبية في اليمن، ولم نعد نسمع منهم موقفاً واضحاً تجاه دعم وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
أما الحكومة اليمنية فآخر بيان لها؛ هو أنها نددت بالإعتداء على سفارة الإمارات، في الخرطوم، وأكدت في البيان على دعم وحدة السودان، ومن قبل أكدت على دعم وحدة ليبيا وسوريا والمغرب والعراق، وكل هذا مطلوب ولا بأس به، ولكن لا أحد في مجلس الرئاسة ولا في الحكومة ولا في السلك الدبلوماسي يذكر وحدة اليمن ويتبناها!
أليست هذه مفارقات مخجلة ومحزنة غير مسبوقة في التاريخ؟!
أما اليمنيون الذين ما يزالون يتبنون تجزئة بلدهم الأم اليمن، وهم مواطنون الآن، في الولايات المتحدة الأمريكية، فمن الغريب أن تجربة هذه البلاد الضخمة، أمريكا، لا تشكل إلهاماً لهم.. وهم يعلمون أن حتى أمريكا لم تسلم من المشاكل والنزاعات، والخلافات على أسس جهوية أو عرقية، وقد تعرضت لواحدة من أعنف وأخطر الحروب الأهلية في التاريخ، وكان ضحاياها مئات الآلاف، وجروحها غائره، ودمارها غير محدود.
عاد السيد عيدروس ورفاقه من الولايات المتحدة إلى الإمارات العربية المتحدة، وتبقى اليمن وحدها هي التي يسعى الداعون والداعمون بأن لا يكون واحداً أو متحداً!
وجاء عيدروس الزبيدي إلى أمريكا ويحمل جوازاً دبلوماسياً يمنياً بصفة نائب رئيس في الجمهورية اليمنية، ولكنه مع كل ذلك يطالب ويروج لتقسيمها، ومن قبل جاء رفيقه البحسني للغرض ذاته ولكن بجواز إماراتي!
ما أصعب أن نرى أن كل هذه الخيبات والمهازل تحدث لبلادنا اليمن في هذا الزمن!