يوماً ما وفي طريق التطبيع المخزي تعلل بعض المطبعين من متصهيني العرب أن فلسطين تخلى عنها أهلها! وأن هؤلاء المطبعون ليسوا وكلاء لأهل الأرض الأصليين، وكان هذا التعليل جزء من استراتيجيات الصهاينة لجر الأنظمة الحاكمة في المنطقة إلى "حضيرة التطبيع" لكن هذا التعليل المبني على فرضية باطلة سقط أمام ما حصل يوم السابع من أكتوبر، وتبين للجميع أن المقاومة الفلسطينية لم ولن تتخلى عن قضيتها ولن تنساها، وسقطت حجج أولئك المرجفون وتعرت كل أكاذيبهم التي نمت وترعرعت برعاية ونظر دوائر المخابرات الصهيونية ومن يقف معها أو يعمل وكيلاً لها.
ما بعد "طوفان الأقصى" كان تأكيداً على حقيقة أخرى حاول الكيان المحتل الظهور بصورة نقيضة لها، وتتمثل هذه الحقيقة بمدى الوحشية والعدائية التي تسيطر على هذا الكيان الطارئ الغاصب، والتي أكد فيها أن لا مجال بالمطلق للتفاهم أو التعايش معه وهو يقتل ويهدم ويشرد بدمٍ بارد، وكل محاولات العقود الماضية لتجميل صورة دولة الإحتلال الإسرائيلي ذهبت أدراج الرياح، ولم تعد باقية إلا تلك الصورة الحقيقية الملطخة بالدم والموت، وهي صورة مكررة منذ الأربعينيات لم تغب عن الذاكرة الفلسطينية والعربية على حدٍ سواء.
تلك هي حقيقة دولة "إسرائيل" التي أقامت كيانها على أرضنا وقتلت وشردت أهلنا على مرأى ومسمع من كل دعاة الإنسانية، وستظل تمارس كل الجرائم وتستمتع بإيقاع أكبر قدر من الألم والمعاناة بحق أهلنا في فلسطين ولبنان مادام العالم بتفرج ويدين ويستنكر ويشعر بالقلق لا غير، ولم يعد هذا مهماً لكن المهم أن تعلم الأجيال كل الأجيال هذه الحقيقة المُرّة، لا لتتعايش معها وإنما لتجعلها أساساً للتعامل مع القضية بشكل عام من منطلق أن هذا الكيان عدو أزلي مجرم ليس من حقه أن يقيم دولته على أرضنا المقدسة، ولا مجال أبداً للتسليم بفرضية اعتباره واقعاً غير قابل للتغيير، بل بإيمان مطلق بأن الغاصب لابد يوماً أن يطرد طال الزمان أو قصر.
كل الأحداث منذ السادس من أكتوبر وما تبعه من جنون صهيوني ذهبت في اتجاه تهيئة الأجواء الشعبية والرسمية لاستعادة حالة العداء مع هذا الكيان الغاصب، ووقف أي محاولات لاستمالتنا كشعوب وكأنظمة للتعامل معه كأمر واقع ونسيان أو تناسي جرائمه قديمها وجديدها، وهذا بحد ذاته هو إنجاز لـ «طوفان الأقصى» الذي أيقظ فينا روح المقاومة بعد أن كانت جذوتها تكاد أن تتلاشى فعادت لتشتعل من جديد، ولابد لهذه الروح أن تظل متقدة تتناقلها الأجيال حتى لا تُنسى القضية الفلسطينية أو تتحول لشأن خاص بأهل تلك الأرض فيُتركون دون نصير ولا سند ولا عون.
في الذكرى الأولى لـ «طوفان الأقصى» تحية لأولئك الذين عبروا سياج الخوف وكسروا جدران الرهبة وحطموا وهم «الميركافا» بعبوات «الياسين» و «شواظ»، وأيقظوا أمتنا قاطبة من سباتها فاشتعلت روح المقاومة من جديد، وتجاوزنا محاولات تدجيننا لصالح الكيان الغاصب، ومنحه السلام والأمان، والإقرار له ولو ضمناً بالحق في المكوث في أرضنا ومصادرة مقدساتنا، وعدنا بفضل هذه الاستفاقة لنغرس في أجيالنا الجديدة حقيقة هذا الكيان المجرم ولزومية السعي لاستعادة أرضنا من قبضته لتعود فلسطين عربية خالصة كما كانت.
دمتم سالمين .