61 عاما منذ أن أطلقت شرارة الثورة من جبل ردفان، وتوهجت بشدة في قنبلة مطار عدن، نحتاج أن نقرأ مسار 61 عاما لنبحث في مدى ترسخ فكرة الثورة ومعانيها السياسية، ورمزيتها الثقافية والأخلاقية، التي تمثل في رفض شامل لكل أشكال الظلم والإذلال والعبودية والقهر، بل رفضا لأشكال التعنّت والتغلّب.
وإذا كان التاريخ الإنسانيّ كما يرى ماركس وأتباعه هو تاريخ الصراع بين الطبقات الغالبة والمغلوبة، أو تاريخ الصراع بين الظالمين والمظلومين كما يرى ماركوز، فإنّ الثورة بمعانيها المختلفة، ودلالاتها المتنوّعة، كانت وما زالت سبيل الشعوب المظلومة إلى الحرّيّة والكرامة نبذاً لكلّ أشكال الظلم ورفضاً لتجلّيات العبوديّة .
المؤسف اتخذت الثورة مسارا دمويا كرس كل أشكال الظلم و القهر بالإقصاء والأبعاد، بل التصفيات الجسدية، والقرارات الغير مدروسة ، التي تسببت في كوارث تفكيك النسيج الاجتماعي، وسلب حقوق الآخرين السياسية والاجتماعية والمدنية والمالية ، ونهب ممتلكاتهم، وتدمير مقومات البلد الاقتصادية و تنوعها الفكري والثقافي والسياسي .
61 عاما من الصراعات البينية، والحروب والاقتتال، من التهجير والحرمان، من الاغتراب السياسي والسيطرة الأيدلوجية، إلى التعصب القبلي والعقائدي والمناطقي.
كل هذا فكك بينة الثورة، وإفراغها من قيمها ومبادئها السامية وأخلاقيتها النبيلة، وأدخلنا في نفق مظلم، ليتشعب لإنفاق مظلمه، يبقى السؤال اليوم بعد 61 عاما هل سنستوعب العبر والدروس، ويبدأ إصلاح مسار الثورة وتحقيق قيمها نحو إحداث تغيير حقيقي للأفضل، وبناء الدولة التي افتقدنا إليها منذ أول يوم للاستقلال.
الدولة التي نسمع اليوم المنادي ينادي باستعادتها هي دولة إنتاج لكل ما ذكرناه سبقا، لا تمس لفكرة الثورة بشي، هي دولة العصبية الأيدلوجية والتي تحورت لعصبية قبلية وطائفية ومناطقية، ووفرت بيئة تخلق أدوات تخدم تلك النعرات، اليوم نراها ماثله أمامنا بل تتفجر في وجهنا بكل قبح.
في مرحلة يثور فيها الناس ليحققوا تطلعاتهم بالدولة المنشودة دولة النظام والقانون والمواطنة، تتحرك القوى الرجعية وتبث سمومها لتعيد تموضع أدواتها التي تعبث بفطرة الثورة وكل فيها من نبل وسمو، لتشكل ثورة مضادة، تعيد المستعمر بوجهه القبيح، من مستعمرا غازي لاستعمار بأدوات إقليمية ومحلية.
يبقى السؤال ماذا يحدث اليوم في عدن والجنوب، هي تنفيذ سياسة تمزيق الممزق، ما زالت محاولة بث الروح في مشروع المستعمر القديم الجديد (الجنوب العربي).
هذا المشروع الذي رفضته عدن في إبان الاستعمار، ورفضت أن تكون جزءا منه، وما زال يتذكر أبنائها الزحف المقدس الذي حرك الجماهير لاقتحام المجلس التشريعي عندما كان تحت سلطة المستعمر وقيادته، وكان مقرر انتزاع قرار الانضمام، وفجر الثائر خليفة عبدالله خليفة قنبلة المطار، في مطار عدن أثناء توجه المندوب السامي وبعض السلاطين للندن للتوقيع على قرار تأسيس هذا الكيان تحت الوصاية البريطانية، وحسرتي على السياسيين اليوم الذين لا يقرؤون التاريخ، وأن قرأوه فقد خانوا نضال أسلافهم، وصاروا أدوات تنفيذ.
وهل يعلم المنخرطين اليوم في المؤامرة، أن نهب ثروة الجنوب ما زال قائما وبوتيرة اشد مما كان، وبحراسات وأدوات من يدعون استعادة الجنوب.
كل يوم تنكشف فضيحة من سقطرى إلى حضرموت إلى المهرة وعدن المسلوبة، ومرتكزاتها الاقتصادية المعطلة، وسيناريوهات سمجة، تدفع لمزيد من الصراع، وأصبحت الثورة لدى هؤلاء مزاج، يحتفل فيها كورقة سياسية، ولا يسمح الاحتفال فيها كفكرة للتغيير والاستقلال ورفض الوصاية والتبعية.
ستبقى جدوة الثورة متقدة في نفوس وأفكار الثوار الحقيقين الباحثين عن وحدة الأرض وكرامة الإنسان، عن السيادة والإرادة، عن القرار الوطني والمشروع الوطني والإنساني، والثورة مستمرة.