أثار نشر قناة العربية لفيلم وثائقي عن الرئيس الراحل علي عبدالله صالح جدلاً واسعًا. وأنا هنا لا أود الانخراط في النقاش حول من كان مع أو ضد النشر، لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانقسام والشتات. الأهم من الفيلم الوثائقي أو ما ورد فيه هو الرسالة السياسية التي يحملها، والتي تستحق القراءة والتحليل.
من وجهة نظري، الرسالة ليست فقط حول ما قيل في الفيلم، بل تتعلق بالتوقيت والسياق الذي نعيش فيه اليوم، وسط المتغيرات والأحداث المتسارعة في الإقليم وتأثيراتها على مسار وطبيعة المعركة ضد ميليشيات الحوثي. هذه المتغيرات تشمل الصراع على النفوذ بين إيران وإسرائيل، ودخول اليمن كجزء من هذه المواجهة، إضافة إلى تغير المزاج الدولي والإقليمي تجاه إيران. مع هذا التغير، تعود الفرص السياسية لتحفيز المجتمع الدولي والتحالف العربي بقيادة السعودية على إعادة تفعيل الخيار العسكري ضد الحوثيين.
في ظل هذه الظروف، أصبح من الضروري على الشرعية اليمنية التوجه نحو إنجاز رؤية سياسية وعسكرية موحدة تشمل جميع مكوناتها. هذا ليس مطلبًا داخليًا فحسب، بل بات مطلبًا دوليًا. ويبدو أن هناك بداية لاستيعاب هذه الفرصة. لملمة الصفوف أصبحت من أهم تحديات المرحلة، وتحقيق وحدة الصف يمثل نصف الطريق نحو تحرير اليمن من الاستعمار الإيراني وهزيمة ميليشياته.
وفي هذا السياق، بينما نرى تحركات نحو التوحيد، وإن كانت بحدها الأدنى، نتفاجأ بنشر فيلم وثائقي يحمل رسالة سياسية مفادها أن السعودية غير راضية عن طرف معين، وتدفع باقي الأطراف لتقف في مواجهة هذا الطرف. بدلاً من التقدم نحو وحدة الصف، نجد أنفسنا نتراجع خطوات للخلف.
هذا ليس موقفًا سعوديًا حصريًا على كتلة أنصار صالح في الساحل أو داخل المؤتمر، بل هو سيناريو يتكرر مع جميع مكونات الشرعية اليمنية. والحقيقة أننا لم نعد نفهم بوضوح سياسة الأشقاء في السعودية. هل هي حقًا تهدف إلى لملمة الشتات اليمني أم إلى تمزيقه وتقديمه على طبق من فضة لإيران؟
نرى الإعلام السعودي تارة يهاجم الإصلاح أو بعض قياداته، وتارة أخرى يوجه سهامه نحو المجلس الانتقالي الجنوبي مهددًا ومحذرًا. وفي أوقات أخرى، يُهاجم رئاسة الدولة والحكومة، وحتى الجيش الوطني يتم اتهامه بالتأخون. لم يسلم أي مكون من هذه الهجمات الإعلامية الموجهة، التي توحي بأن هذا الطرف أو ذاك أصبح في دائرة الغضب السعودي.
هذه السياسة تُفهم من قِبل المكونات اليمنية وكأنها رسائل سياسية تُجبرها على اتخاذ مواقف تعرقل مساعي التصالح وتوحيد الصفوف نحو المستقبل. بدلاً من تجاوز الماضي، يجد الجميع أنفسهم عالقين فيه، في حين أن المعركة ضد العدو المشترك – ميليشيات الحوثي وإيران – تحتاج إلى توحيد الجهود.
أقولها بصوت عالٍ: بإمكان السعودية، إذا أرادت، أن تُعيد لملمة الشتات اليمني وتوحيد المكونات السياسية والعسكرية بإشارة واحدة وتوجه حقيقي نحو إعادة الاستقرار إلى اليمن. هذا التوجه سيضمن هزيمة ميليشيات إيران على جميع المسارات، سواء كانت سياسية، عسكرية، أو اقتصادية. ولكن للأسف، يبدو أن السياسة الحالية لا تزال تدور في فلك التفريق وإفشال مساعي التقارب.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: لماذا تصر الشقيقة السعودية على تغذية انقسام مكونات الشرعية؟ ولماذا تُفشل كل محاولات توحيدها، حتى لو اضطر الأمر إلى استخدام حق الفيتو بالقوة؟
لا أعتقد أن حذف مقاطع من الفيلم يمكن تفسيره كمراجعة سعودية أو اعتذار، ولا يجب اعتباره هجومًا على الرئيس الراحل صالح وأنصاره فقط. بل يجب قراءته في سياق أوسع، وهو استهداف جميع مكونات الشرعية. الهدف هو إبقاء هذه المكونات في حالة شتات، مما يؤدي إلى تعطيل فعاليتها وتحويلها إلى مجرد واجهات شكلية، في حين أن هزيمة إيران وميليشياتها إذا توحدت هذه المكونات على رؤية مشتركة ستكون واقعًا بإذن الله وفي وقت زمني أقل من توقعات الجميع، ولا يجب أن يغفل الجميع أن استمرار الشتات واقعا يمثل تهديد وجودي لن ينجو منه أحد.