صار من نافلة القول اليوم أن المواطن لم يعد قادراً على مواجهة التدهور الحاصل في الجانب الاقتصادي والذي ينعكس سلباً على مختلف جوانب الحياة العامة للناس ، وكل يوم تشرق شمسه فإنه يمدنا بمآسٍ جديدة ناتجة عن التأخر في وضع معالجات ناجعة لحالة التدهور الحاد والركون إلى حلول أثبتت السنوات الماضية أنها مجرد أمنيات وشروحات لنظريات سفسطائية لا تطعم جائعاً ولا تأوي نازحاً مشرداً يقيم في خيمة متهالكة .
وقبل أن أتوغل أكثر فلا يمكن تجاوز حقيقة مهمة تتعلق في السبب الرئيس لكل ما نعانيه ويعاني منه البلد بشكل عام وهو الانقلاب الحوثي المسلح الذي أسقط الدولة بكل مؤسساتها ولم يكتفِ بذلك بل استهدف موانئ النفط التي كانت تشكل النافذة الأخيرة لدعم الاقتصاد بعد أن أُغلقت جميع النوافذ الأخرى ، لكن كل هذه الأفعال الشائنة للجماعة لا تمثل مبرراً كافياً للتوقف عن وضع الحلول والبدائل التي تضمن للمواطن حياة ممكنة في أقل تقدير ، وهذه هي مهمة الشرعية بدءً من المجلس الرئاسي ثم الحكومة بكل وزاراتها ومؤسساتها المعنية بالشأن الاقتصادي .
تقع على عاتق الشرعية مهمة إنقاذ المواطن من حالة التردي الاقتصادي الخطير عبر البحث عن بدائل وخيارات تتناسب مع الوضع القائم دون الركون إلى الحلول السياسية التي طال أمدها، واضحت وهماً لا يمكن إدراك كنهه ولا معرفه أبعاده ، وخاصة أمام تعنت جماعة الحوثي الانقلابية ووضعها العراقيل أمام أي تحرك نحو السلام وإضاعة كل الفرص المتاحة ، وهذا كله يفرض أن يتم الالتفات من قبل الشرعية للملف الاقتصادي والسير بخطوات جادة لمعالجة الوضع القائم القاتم ، وإنقاذ المواطن من حالة التردي الاقتصادي الذي تلتف حباله على أعناق اليمنيين في كل جهات الوطن .
لسنا بصدد جلد الذات بالتأكيد لكن الخيارات باتت منعدمة أمام المواطن وسيطرت عليه حالة اليأس من التصريحات والأمنيات التي يتم تداولها رسمياً وشعبياً والتي ظلت طوال سنوات تبشر بانفراجات قادمة ، لكن الواقع يشهد المزيد من التردي وانتشار مخيف للفقر بما يحمله من مآسي وأوجاع تصيب الفرد والمجتمع ، ويترافق كل ذلك مع فوضى عارمة في إدارة الملف الإنساني المدعوم دولياً والذي تذهب جل موازناته الضخمة في العمليات الإدارية واللوجستية ولا يصل للمواطن الذي صممت لأجله برامج الإغاثة المتشعبة إلا الفتات الذي لا يحقق الحد الأدنى من أسباب المعيشة .
المؤكد أننا لن نعفي شرعيتنا الموقرة عن القيام بواجبها وفي الوقت نفسه لن نحملها المسؤولية الكاملة عما حدث ويحدث ، وما ننتظره منها بالتحديد أن تتغير طبيعة التعامل مع الملف الاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بتدهور صرف الريال وضعف قدرته الشرائية وتقييم وإصلاح سلم المرتبات والأجور وإعادة النظر في برامج الرعاية الاجتماعية للفئات الأشد فقراً والتخاطب مع الجهات الدولية الداعمة لتهديف إدارة أنشطة الإغاثة وتوجيهها بشكل مركز لمعالجة حالة التدهور الاقتصادي ومعالجة الفقر بشكل مدروس ومنظم يضمن حالة الاستدامة أكثر من المعالجات اللحظية الخاطفة .
لدينا أمل كبير بأن لدى شرعيتنا بدائل وحلول تتناسب مع المسؤولية الأخلاقية التي تجعلها المكان الأول الذي نناشده ونعوِّل عليه ليس لمعالجة الملف الاقتصادي فقط لكن لانتشال البلد بشكل عام من الحالة القائمة ومعالجة جميع الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتجاوز حالة الفوضى وغياب أو ضعف دور الدولة والتي أفرزها الانقلاب وما تبعه من حرب بما تحمله من أوجاع في شتى جوانب الحياة لم يسلم منها أحد .
دمتم سالمين ..