يشكل الإعلان عن التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية نقطة تحول حقيقية في المشهد السياسي اليمني كونه يلامس إعادة إحياء الحياة السياسية التي ركّز الحوثي منذ انقلابه على طمس معالمها بطرق وأساليب تتناسب مع طبيعته الإجرامية التي توجه كل سلوكياته وممارساته،
ولم يكتفِ بإسقاط الدولة بكل مؤسساتها ومقوماتها بل تعدى ذلك إلى ضرب معالم الحياة المدنية بمختلف أشكالها ، وفي مقدمة ذلك الأحزاب السياسية التي جعل مقراتها هدفاً لمسلحيه وحوّل قادتها إلى مطاردين ، وقتل وشرّد من رموز العمل السياسي الكثير ، ثم تحوّل إلى تفريخ وصناعة أحزاب سياسية جديدة تحمل أسماء السابقة وتعمل في مقراتها لكن القائمون عليها يعملون خدماً وسدنة لدى المشروع الإمامي الحوثي ، ولا علاقة لهم بالعمل السياسي المدني القائم على مبدأي الحرية والمساواة اللذان لا يؤمن بهما الانقلابيون الحوثيون مطلقاً ، بل يرون انهما يشكلان خطراً على المشروع الإمامي الذي يحيونه والقائم على حقٍ الهيٍ مزعوم بالملك والسيطرة والتحكم للسلالة دون بقية الشعب .
يؤمن الحوثي أن وجود أي مؤسسة مدنية يتصادم مع طموحه في أن يتفرد بحكم البلد ونهب ثرواته ، وجعل كل شيء يخص سلالته لا غير ، وذلك أن هذه المؤسسات وفي مقدمتها الأحزاب السياسية قائمة على مبدأ التشاركية لجميع أفراد المجتمع في السلطة والثروة وفق أنظمة وقوانين تحدد الحقوق والواجبات دون أن تمتلك أي فئة أو جماعة حق التمثيل الحصري للشعب ، ووفقاً لذلك لاحظنا شراسة الهجوم الحوثي على تشكيل التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية ، وبدا سيؤهم عبدالملك الحوثي وهو يتحدث عن الأمر في حالة غضب وهستيريا عجيبة يوزع الاتهامات يمنة ويسرة لأدراكه أن جهود جماعته في ضرب مقومات الحياة السياسية لم تحقق الحلم المنشود ، وأن إعادة انعاش الواقع السياسي والتحرك لكافة الأحزاب والقوى تحت مظلة واحدة سيكون حجر عثرة أمام المشروع الحوثي الأمامي الذي يعتمد على صناعة الفرقة بين مكونات المجتمع ، وليس من صالحه أن تتوحد القوى أو تتعاضد تحت أي مسمى كان .
أدركُ جيداً أن هذا التكتل لا يمتلك عصا سحرية يحل بها المشكلة القائمة ، لكنه بالتأكيد يمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح ، وإضافة فارقة لمشروع استعادة الدولة بكل مقوماتها والتي تشمل في أهم مظاهرها إعادة إنعاش الحياة السياسية ، وكل خطوة تسير في هذا الاتجاه تمثل إنجازاً ينبغي البناء عليه واستثماره لصالح مشروع الوطن الجامع الذي لا تحكمه أو تستأثر به فئة أو سلالة ، إنما يتشارك الشعب -كل الشعب- في بنائه وإدارته والاستفادة من إمكاناته وثرواته وفق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بالنظر إلى محددات المواطنة دون أي امتيازات أو فوارق من أي نوع كانت .
نحتاج اليوم وبكل ما أوتينا من حب لهذا الوطن أن نصطف جميعاً خلف أي فكرة أو توجه يقودنا إلى توحيد الجهود وتنظيمها واستعادة الجمهورية وإصلاح كل ما أفسده الانقلابيون الحوثيون الذين لم يدعوا مجالاً إلا وأوغلوا فيه تشتيتاً وتمزيقاً ، وليس من خيار إلا أن نستعيد تماسكنا وارتباطنا ببعضنا كشعب واحد يقاوم عصابة مارقة لا تملك حقاً ولا أهلية في صناعة الحاضر ولا هندسة المستقبل لشعب يرفضها ويلفظها ، ولعمري أن كل خطوة نخطوها في طريق التماسك وتوحيد الجهود فإنها تجعل عمر الانقلاب اقصر وطريق الخلاص أوضح وأسهل .
دمتم سالمين .