في مشهد عبثي يجسد معاناة وطن بأكمله، أبهرت الأوركسترا اليمنية جمهورها في الرياض بعرض فني "فريد" على أنغام الفقر والجوع، مفعمًا بأنين الجرحى وصوت البطون الخاوية، وكل ذلك بقيادة المايسترو الريال اليمني، الذي أصبح رمزًا للسقوط المستمر أمام الريال السعودي والدولار الأمريكي.
الفرقة الموسيقية كانت استثنائية. قاد العرض أطفال مشردون حُرموا من التعليم، تحولوا إلى رموز للمأساة، وأمهات أتقنّ فن استخراج بقايا الطعام من صناديق القمامة، لتقديم دروس مجانية في البقاء على قيد الحياة.
الإبداع في الأداء تجلى مع نجم العرض الأبرز، وزير المالية، الذي قدّم معزوفة تاريخية بدأها بإيقاع سريع لقطع رواتب الجيش، وأتبَعها بنغمات ثقيلة تمثلت في انقطاع التغذية والتموين. معزوفته كانت رسالة واضحة: "لا مكان في هذا الوطن للجيش أو المواطن البسيط، فالجوع كفيل بحسم المعركة."
ثم جاءت اللحظة الأكثر تأثيرًا في العرض، مع تقديم سيمفونية الظلام العدني، حيث اختفى النور تمامًا عن المدينة، فيما سجلت فاتورة المشتقات النفطية 60 مليون دولار. الألحان هنا كانت تقطر سخرية، إذ بدا وكأن الظلام نفسه يطالب بدفع نصيبه من الإيرادات المنهوبة.
الختام كان دراميًا بامتياز. صعد إلى المسرح المبعوث الأممي برفقة السفير السعودي، ليقدما لحنًا مشتركًا بعنوان: "خارطة الطريق لشرعنة الميليشيات". هذه المقطوعة المبتكرة لم تكن مجرد خديعة سياسية؛ بل كانت إعلانًا صريحًا لدفن العدالة ومنح القتلة صكوك البراءة المطلقة. ومع هذا الأداء، أُعلن رسميًا نهاية الدولة وقيمتها، وترك الشعب وحيدًا في مواجهة مصيره.
التصفيق كان حارًا وصاخبًا. قادة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، إلى جانب رؤساء وأعضاء مجلسي النواب والشورى، وقفوا جميعًا تحت الأضواء، يصفقون بحرارة وكأنهم يهنئون أنفسهم على نجاح العرض في تغييب الحقيقة. النخبة السياسية وقادة الأحزاب لم يتركوا المناسبة تمر دون أن يظهروا، حيث أضافوا لمسة من التنظير الكاذب حول "الوطنية" و"التضامن".
الإعلام لم يخيب التوقعات. إعلاميون دوليون وعرب، إلى جانب نخبة الإعلاميين اليمنيين، كانوا في الصفوف الأولى، يوثّقون العرض بحرفية عالية، مع الالتزام التام بحذف أي إشارة لمعاناة الضحايا، لضمان بقاء المشهد كما هو: احتفال مأساوي بثوب منمق.
رسالة العرض: حياة اليمنيين ليست سوى سيمفونية تُعزف على أنغام التواطؤ، وتُغنى بأصوات الصفقات، لتروي قصة وطن يتلاشى أمام أعين الجميع.