يتحدثون عن الفساد ومحاربته واجتثاثه، لكن السؤال: من الذي يتحدث عن الفساد؟
زعيم ميليشيات يسيطر على كل مؤسسات الدولة الإيرادية، يحولها إلى أصول شخصية، بينما يعلن الحرب على الفساد.
زعيم ميليشيات آخر أنشأ عشرات السجون، حيث يختفي فيها آلاف الأبرياء قسرًا. منهم من يموت تحت التعذيب، ومنهم من يُحرم من أدويته، وآخرون يموتون قهرًا على أحلام دفنت معهم.
ثم يأتي رئيس الحكومة، وهو جالس أمام خارطة طريق مصممة لتمنح القاتل صك النجاة. يحدثنا عن "السلام" المزعوم، بينما تُنسى مأساة الأخ المغيب والأب المختطف والطالب المخفي. أما صراخ الأطفال الأيتام الذين يصرخون "أين أبي؟"، فقد بات مجرد خلفية ضوضاء لا تستدعي التوقف أو التفكير.
حول طاولة مستديرة، يجتمع كل الفاسدين لوضع "خطط محاربة الفساد". وعلى طاولة أخرى، يجلس زعماء القتلة ليناقشوا "السلام القادم"، سلامٌ يضمن استمرار سيطرتهم على البلاد والعباد.
ثم يأتي المشهد الأبرز: مؤتمر صحفي يعقده القاتل واللص والفاسد معًا، يستعرضون فيه خطط السلام وبرامج مكافحة الفساد. يناقشون بحماسة مخاطر تطبيق الحدود الشرعية، مثل قطع يد السارق وجلد الزاني، وكأن العدالة باتت خطرًا على مستقبل عمالتهم الإقليمية والدولية.
إننا نعيش واقعًا لا يشبه أي واقع، حيث الممنوعات كلها أصبحت مباحة، والحلال أصبح مشبوهًا أو متهمًا بالإرهاب.
في هذا الزمان، يصبح القاتل وقاطع الطريق سيدًا، وزعيم الميليشيات ممثلًا للشعب، وقاتل مشرد لشعبه فارسًا قوميًّا.
أما المسلم، فقد بات متهمًا، إن لم يكن طائفيًا الهوية أو علمانيًا المبدأ. المهم ألا يكون مسلمًا فقط.
ختاماً :
ربما حان الوقت لنضيف درسًا جديدًا في كتب التاريخ بعنوان: عصر السخرية العظمى. درسٌ يشرح كيف أصبح اللصوص هم حماة الوطن، وكيف تحوّل القتلة الطائفيون والعلمانيون إلى دعاة سلام، وكيف بات الشعب مُطالبًا بالتصفيق لكل هذه المهزلة، لأن التصفيق هو الفعل الوحيد المتبقي الذي لا يحتاج إلى تصريح رسمي أو طاولة مستديرة.