يصادف الاثنين 25 نوفمبر /تشرين الثاني اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي حددته الأمم المتحدة قبل 25 عاماً كمناسبة من أجل «الانتباه إلى التصعيد المثير للقلق للعنف ضد المرأة لإحياء الالتزامات والدعوة إلى المساءلة والعمل من قِبَل صناع القرار» ، وشهدت اليمن تصاعداً للعنف بحق النساء منذ انقلاب جماعة الحوثي على الدولة ونهب وتعطيل مؤسساتها في 21 سبتمبر 2014 وما تلاه من دخول البلد في حالة حرب تقول عنها الدكتورة نتاليا كانيم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان أنها : "خلفت دماراً هائلاً وعواقب وخيمة على النساء والفتيات."
المرأة المتضرر الأكبر
وتشكل أجواء الحرب التي أدخلتنا فيه جماعة الحوثي الانقلابية مرتعاً خصباً لتنامي وتوسع أشكال العنف المختلفة ضد المرأة ، ويمثل النزوح أو اللجوء عاملا أساسياً للهشاشة والفقر والاضطهاد ، بالإضافة إلى فقدان نسبة كبيرة من النساء أزواجهن أو من يعولهن سواءً بالموت أو السجن ، مما يحملهنّ مسؤولية إعالة الأطفال ورعاية الأسرة مادياً ونفسياً بشكل منفرد .
في اليمن وبسبب الانقلاب والحرب يقدّر مهتمون في مجال الإغاثة والعمل الإنساني أن العنف المرتبط بالنوع الاجتماعي ضد المرأة تصاعد منذ بداية الحرب ليصل إلى قرابة 70%، ووفق تقارير رصد حركة النزوح يشكل النساء والأطفال ثلاثة أرباع من إجمالي الـ 4.5 مليون نازح في اليمن، ويبلغ عدد النساء النازحات قرابة مليون نسمة ، كما تعيل النساء تقريباً 26 % من العائلات النازحة .
يمارس الانقلابيون الحوثيون اشمالاً مختلفة من سلوكيات التمييز ضد النساء في إعاقة قدرتهن على دعم أنفسهن وعائلاتهن، ووفقاً لتقرير نشرته منظمة سام للحقوق والحريات أشارت فيه "أن الانتهاكات امتدت بشكل أوسع، لتحرم المرأة من دورها القيادي في المؤسسات الرسمية والحكومية في الوقت الذي أثبتت فيه المرأة اليمنية قدرتها القيادية في العديد من المحافل الدولية، كما طالت تلك الانتهاكات حق المرأة في العمل وفرض قيود صارمة على حقها في افتتاح المحال التجارية وإدارتها، إضافة إلى فرض نمط محدد من اللباس على المرأة في الجامعات والمؤسسات، كما فرضت المليشيا الحوثية حالة الإقامة الجبرية على عشرات من الناشطات والقيادات النسائية اللاتي منعتهن من ممارسة أي نشاط في صنعاء وعدد من المحافظات التي تسيطر عليها، وتعرضن للتهديد بالتصفية الجسدية في حال مخالفتهن لتلك الأوامر، مما اضطر الكثير منهن للنزوح إلى أماكن بعيدة عن سيطرة مليشيا الحوثيين" .
انتهاكات حوثية متنوعة
تصنف المرأة من ضمن الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفاً وأثناء الحروب تحصد القدر الأكبر من المعاناة التي تشمل جميع جوانب حياتها ، فالحرب تخلق وضعاً من عدم الاستقرار ، وينفلت فيه الأمن ، وترتخي قبضة الدولة ، ويختل النظام بشكل عام وتغيب سلطة القانون ، فتزداد الهشاشة للفئات الأدنى التي فقدت غطائها الحمائي المتمثل بالدولة ، وعلى راس هذه الفئات المرأة مما يجعلها عرضة لأشكال مختلفة من العنف يشمل القتل والإصابة والاحتجاز والإجبار على النزوح ومصادرة الحقوق والحرمان من الموارد وخدمات التعليم والصحة وعدم الحصول على متطلبات الحياة الكريمة وهي جرائم تفننت جماعة الحوثي الانقلابية في إيقاعها بشكل مباشر أو التسبب بها وتضررت منها النساء اليمنيات سواء من يتواجدن في مناطق سيطرتها أو في المناطق المحررة .
وفي وقت سابق ذكر تقرير حقوقي صادر عن «تحالف النساء من أجل السلام في اليمن» والذي وثق الفترة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2017 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2022 فقط ، وأكد أن الميليشيات الحوثية متهمة في مناطق سيطرتها "بارتكاب أكثر من (1893) بينها اختطاف (504) في السجن المركزي بصنعاء، و(204) فتيات قاصرات، و(283) حالة إخفاء قسري في سجون سرية، و(193) حكم غير قانوني بتهم التجسس والخيانة، و(292) حالة اعتقال بحق الناشطات والحقوقيات ونساء من قطاع التربية والتعليم، و(246) حالة اعتقال لعاملات في المجال الإغاثي والإنساني، و(71) حالة اغتصاب و(4) حالات انتحار وقتل تحت التعذيب ، وتشمل مواقع ارتكاب هذه الانتهاكات سجون المباحث الجنائية التي تسيطر عليها الميليشيات، إضافة إلى سجون الأمن والمخابرات التابعة للجماعة بعضها في عمارات وفلل سرية غير معدة كسجون .
ويشير التقرير إلى العديد من أساليب التعذيب التي تمارسها المليشيا كالضرب بالعصي وأسلاك الكهرباء والصفع على الوجوه، والخنق، وكتم النفس، والإيهام بالغرق، والوقوف لساعات طويلة فوق علب معدنية صغيرة مفتوحة، والتجويع والحرمان من الأكل والشرب لأيام، وخلع الأظافر، والصعق الكهربائي، وتعليق الأيدي على السلالم، والعزل عن العالم الخارجي، ومنع زيارة الأقارب لأسابيع عديدة.
كما أشار التقرير ذاته "أن النساء أُجبرت في السجون على قراءة وحفظ ملازم حسين الحوثي، مؤسس المليشيا الحوثية، والاستماع إلى خطابات عبد الملك الحوثي القائد الحالي للمليشيا، ومشاهدة القنوات الإيرانية، وذلك بهدف غسل أدمغتهن وتغييب وعيهن، إضافة إلى تجنيد جاسوسات بينهن لمراقبتهن ومعرفة نياتهن والتطورات التي تطرأ عليهن" .
توجه حوثي عام
في إحدى خطاباته حرض الانقلابي عبدالملك الحوثي صراحة على المرأة ، وأطلق على النساء اليمنيات اتهامات لا أخلاقية بشكل غير مباشر لكنه واضح ومفهوم لكل من سمع حديثه ، وكانت نتيجة هذا التحريض اتجاه الجماعة الانقلابية إلى ممارسة المزيد من الانتهاكات على النساء في السفر والعمل ، كما اغلق الحوثيون عددا من المرافق الخاصة بالنساء استجابة لتحريضه تحت مبرر "الحرب الناعمة!"،
كما سُجلت العديد من حالات الإجبار على الزوج من قبل مشرفين حوثيين ونافذين في الجماعة بالتهديد أو باستخدام القوة ، وبسبب الاحتياج لمتطلبات المعيشة وما فرضته الحرب أيقاق الرواتب والتضييق على القطاع الخاص يتم استقطاب الكثير من النساء للعمل مع الجماعة تحت مسمى "الزينبيات" ويتم دفعهن لممارسة الانتهاكات في حق النساء الاخريات المخالفات لتوجه الجماعة، بالإضافة إلى زراعة الفكر العنصري الإمامي وتحويلهن إلى وسائل لتفكيك المجتمع وزراعة الفرقة فيه .
في هذا الإطار تحدث فريق خبراء الأمم المتحدة عن "شبكة تابعة للحوثيين متورطة في قمع النساء المعارضات لحكمهم، من خلال وسائل عدة" كما أشار المركز اليمني للسياسات أن الجماعة الانقلابية "استخدمت مصطلحاتٍ مهينة بحق المرأة كجزءٍ من تهديداتهم العلنية ومضايقتهم للخصوم في صنعاء ، واستخدم الحوثيون مثل هذه التهديدات والمضايقات عند قمع المظاهرات العامة التي تشارك فيها النساء، ووُجهت هذه الاتهامات كوسيلة لإضفاء الشرعية على الاحتجاز التعسفي للنساء.
قتل وأحكام إعدام
منذ انقلابهم مارس الحوثيون القتل بحق اليمنيين بأشكال مختلفة ونالت المرأة اليمنية قدراً كبيراً من هذه الجرائم مع إنها لا تشارك بأي نشاط عسكري ، وتنوعت وسائل القتل الحوثية بحق النساء وشملت القصف بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة على الأحياء والقرى والأعيان المدنية كالمستشفيات والأسواق بالإضافة إلى عمليات القنص المباشر والألغام التي زرعتها الجماعة في الطرقات والأراضي الزراعية ومواقع الرعي وهي أماكن تتواجد فيها النساء الريفيات الآتي تعتبر أنشطة الرعي والفلاحة وجلب المياه ضمن المهمات اليومية لهن .
بيانات اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان تشير أنها "رصدت مقتل 528 امرأة يمنية وإصابة 805 نساء خلال الفترة من مطلع 2015 وحتى أواخر العام 2020 فقط" وتشير في تقرير أخر إلى حجم المأساة التي تتسبب بها الألغام التي زرعها الانقلابيون الحوثيون في المناطق التي سيطروا عليها أو مروا منها فقد "قتل أو جرح ما لا يقل عن 109 امرأة في مناطق الرعي والمزارع" .
أما في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية فقد استخدم القضاء الطائفي التابع لها في استصدار أحكام بالإعدام بحق العديد من النساء كونهن ناشطات في العمل الإنساني أو الحقوقي ورفضن العمل في تبييض جرائم المليشيا بحق اليمنيين ، كما حصل مع الحقوقية فاطمة العرولي رئيسة فرع اليمن في اتحاد قيادات المرأة العربية، التابع لجامعة الدول العربية ، وأسماء ماطر العميسي ، لتضاف إلى أحكام مماثلة بحق كل من الناشطة الحقوقية زعفران زايد رئيس منظمة تمكين، وحنان الشاحذي وألطاف المطري، على خلفية نشاطهن الحقوقي ومواقفهن وآرائهن السياسية المناهضة لجماعة الحوثي الانقلابية .
كل هذه الانتهاكات بقدر ما تشكل ضررا بالغاً على المجتمع والأسرة اليمنية ومخالفة للقوانين المحلية فإنها أيضاً تصادم مبادئ القانون الدولي الإنساني ، وقد علق مجموعة خبراء الإجراءات الخاصة، وهي أكبر مجموعة من الخبراء المستقلين في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مواضيعية في جميع أنحاء العالم الذين قالوا في تقريرهم تعليقاً على أحكام الإعدام السالفة الذكر : "إن الحكم على شخص بالإعدام وتنفيذ الإعدام في حقه بناءً على تهم غامضة، دون إجراء قضائي ذي مصداقية ودون الوصول إلى التمثيل القانوني الذي يختاره، يتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
المجتمع الدولي وسياسة غض الطرف
كل هذه الانتهاكات ما كانت لتمر مرور الكرام لو أن الجهات الدولية المهتمة بهذا الملف مارست دورها بشكل حقيقي وجاد، وضغطت على المليشيات عبر الوقف الفوري لمسلسل تدليل ومراضاة الانقلابيين وغض الطرف عن جرائمهم ، والاكتفاء بالإدانة والشعور بالقلق! ومنحهم المزيد من الوقت للتفنن في إيقاع أكبر قدر من الأذى بحق المرأة بشكل خاص واليمن واليمنيين بشكل عام ، وكل يوم تمر على هذا الانقلاب تزداد الضريبة التي تدفعها نساء اليمن ، وهو ما يترك أثره السلبي على بقية فئات المجتمع الأخرى ، ويحدث شرخاً في البنية الاجتماعية يصعب معالجته على المدى المنظور ، وستمتد الآثار السلبية لكل هذه الانتهاكات لعشرات السنين ، وسنحتاج الكثير من الوقت والجهد للتغلب على أثارها المدمرة بحق الفرد والمجتمع على المدى الطويل .