كيف يمكن لقيادة شرعية أن تغيب عن الواقع بينما يمر الوطن بأخطر مراحله؟ في وقت تتغير فيه موازين القوى إقليميًا ودوليًا، يبدو أن القيادة اليمنية تعيش في عزلتها وكأنها غير معنية بمعاناة الشعب، ولا بمصير البلاد المهدد بالانهيار.
على المستوى الإقليمي: فرصة أم تهديد؟
تشهد المنطقة زلزالًا سياسيًا غير مسبوق يكاد يطيح بأركان المشروع الإيراني وأدواته. الأحداث في سوريا مثال واضح على ذلك؛ إذ يتعرض النفوذ الإيراني لضغوط شديدة قد تؤدي إلى هزيمته. هذا الوضع يقدم فرصة استراتيجية لليمن لاستغلال تراجع إيران وحلفائها في المنطقة لتعزيز موقفها ضد مليشيات الحوثي.
لكن القيادة اليمنية، بدلًا من التفاعل مع هذه التحولات، تبدو وكأنها غير معنية. لا خطط، لا مواقف، ولا حتى استشعار بحجم اللحظة التاريخية التي يمكن أن تغير مصير المعركة.
على المستوى المحلي: خطر مزدوج يهدد الجميع
تشير التقارير إلى أن مليشيات الحوثي تستعد لشن حرب استباقية على مناطق الشرعية، خوفًا من تداعيات ما يحدث في سوريا. ومع ذلك، لا تظهر أي بوادر استعداد من القيادة الشرعية لمواجهة هذا التهديد.
يضاف إلى هذا الخطر أزمة المرتبات التي باتت تهدد بشلل كامل لمؤسسات الدولة. النقابات المهنية تدعو إلى إضرابات شاملة وعصيان مدني، فيما يتنقل أعضاء مجلس القيادة بين الرياض وأبو ظبي والقاهرة دون تقديم أي حلول للأزمة. الشعب يصرخ، والقيادة تصم آذانها عن المطالب.
الوضع أصبح كارثيًا. نحن أمام قيادة غير قادرة على اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة لإنقاذ البلاد من الانهيار. إن استمرار هذا العجز يجعلها مسؤولة بالكامل عن أي تداعيات كارثية قادمة.
من المسؤول؟
الأمر هنا تجاوز حدود الفشل والفساد ليصل إلى مرحلة أخطر: تدمير البلاد وتسليمها للمليشيات على طبق من فضة. إن تخلي أي مسؤول عن مسؤولياته في هذه اللحظة الحرجة لا يمكن وصفه إلا بالخيانة الوطنية. الشعب لن ينسى ولن يغفر، والمحاسبة قادمة لا محالة.
أين الكيان السياسي الجامع؟
أين هو الكيان السياسي الذي يرأسه الدكتور أحمد بن دغر؟ لماذا لم يصدر موقفًا واضحًا مما يحدث في سوريا، أو من سقوط النفوذ الإيراني هناك؟ إذا كان هذا الكيان ما زال ينتظر الإملاءات الخارجية لتحديد مواقفه، فلا معنى لوجوده. اليمن لا يحتاج إلى نُسخ مطورة من الانبطاحيين، بل إلى كيانات سياسية وطنية تمتلك رؤية واضحة ومسؤولية تجاه الوطن، مع الحفاظ على المصالح المتبادلة مع الأشقاء والأصدقاء.
ما العمل؟ إعادة ترتيب الأولويات
أمام هذا الوضع الكارثي، لابد من إعادة ترتيب الأولويات بما يحقق مصالح الشعب ويحمي البلاد من الانهيار. الخطوات العاجلة التي يجب أن تتبناها القيادة تشمل:
1. مواجهة التحديات الاقتصادية وأزمة الرواتب: سرعة إيجاد حلول عاجلة لدفع المرتبات وتأمين حقوق الموظفين والمواطنين لضمان استقرار الأوضاع المعيشية.
2. حشد المجتمع لمواجهة التهديدات المحتملة: تهيئة المجتمع نفسيًا وشعبيًا لمواجهة تهديدات مليشيات الحوثي، وتحفيزه على التصعيد ضد المليشيات التي تستهدف الوطن وسيادته.
3. دعم الجيش والمقاومة: تقديم كل ما يلزم من دعم عسكري للجيش الوطني والمقاومة، وضمان رفع معنويات الجنود والمقاتلين الذين يشكلون خط الدفاع الأول عن الشرعية.
4. ترسيخ وحدة الصف الوطني: استدعاء جميع القوى الوطنية للعمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة، بعيدًا عن المصالح الضيقة.
هذه الخطوات ليست رفاهية، بل ضرورة لإنقاذ الوطن من السقوط في فخ المليشيات والانهيار الاقتصادي.
الأمل في إرادة الشعب
الوطن بحاجة إلى قادة يؤمنون بأن الفرص تُصنع من رحم الأزمات. اليمن يصرخ اليوم بحاجة إلى وحدة الصفوف وتحقيق القضايا الوطنية الكبرى، لا إلى إعادة تدوير الأصنام السياسية التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع.
الشعب لن يغفر لمن يخونه، لكنه أيضًا لن يتردد في دعم من ينهض لإنقاذ الوطن. اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة وجرأة، وإلا فإن التاريخ لن يرحم أحدًا.