تهدأ الشعوب كالبحر، وبين حين وآخر تتحرك مرسلة بعض أمواجها مظهرة غضبا، أو محذرة من تمادي رب الإبل، الذي لا يرى في وطن وشعب غير حظيرة خاصة ملكيتها تعود حصريا له!
هدوء البحر يغري الغافلين، ولا يَحذرون هيجانه وأمواجه التي لا تكتفي بالأمواج المعتادة عندما تحتقن الشعوب فتزمجر زمجرة تقتلع كل شيء، وتتجاوز كل تصور.
هكذا تفعل الشعوب عندما يبلغ السيل الزُّبى، وأن صبرها قد تجاوز حد الاحتمال، حين لا تتعظ الحكومات، أو الأنظمة بأمواج الغضـــب التي تأتيه كرســـائل لإيقاظهـــــا من غفلتها؛ ولتستلفت الحاكمين لواجباتهم تجاه أمتهم وشعوبهم.
بعض الأنظمة يغريها طــول الهــدوء، فتتمادى في طغيانها، وتمادي الطغيان له حد، وهدوء البحر لا يستمر، وثورة الشعوب زمجرة عاتية لا يستطيع بعدها المترفون، والمطبلون من حولهم انفجار السخط المزمجر، فيما يكون حرس الحظيرة أول الفارين الذين يتخلون عن ولي النعمة أحوج ما يكون حاجة إليهم.
يفر الحاكم من وطنه متحسرا، نادما، على زمن قضاه كان يذيق فيه شعبه الويلات، وكان يولّي مجتمعه ووطنه ظهره؛ رغم أنه كان يعيش على خيرات الوطن.
يتحصن الاستبداد بقلاع الظلم، وأبراج الجبروت، ولو أنهم عاشوا لهدف، وتعايشوا مع شعوبهم بعدل وصدق، وشورى، وديموقراطية؛ لترسخ السلام، وعمت الحرية؛ ولتبادلت الشعوب الحكم في إطار الحق الذي تمتلكه الأمة، فتختار بحريتها وإرادتها حاكميها، لما انتهى هذا الحاكم بانقلاب، ولا ذاك بتأٓمر، ولا ذلك بثورة.
لسنا في موقف شماتة من أحد، ولكننا في موقف اعتبار، ما كان أحد يتمنــــاه لو تعـاضد الحـــاكم والمحـكوم، والرئيس والمرؤوس، ومضى الجميع بحرية وديمقراطية، وعدالة.