;
فضل حنتوس
فضل حنتوس

"سقوط الأسد: انعطافة حاسمة ستفضح هشاشة المشروع الإيراني في المنطقة 64

2024-12-11 10:05:06

في سياق التحولات السياسية والجيوستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يبرز سقوط نظام بشار الأسد في سوريا كمنعطف حاسم لا يقتصر تأثيره على الداخل السوري، بل يتجاوز ذلك ليضرب في عمق المشروع الإيراني الذي طالما اعتمد على سوريا كركيزة أساسية لتمرير مصالحه التوسعية وتحقيق أهدافه الإقليمية. إن هذا السقوط المدوي لبشار ليس مجرد نهاية لعلاقة تحالفية طويلة الأمد بين دمشق وطهران، بل هو زلزال سياسي سيُعيد رسم معالم النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيفرض على طهران مواجهة حقائق جديدة تعكس تآكل مشروعها الإقليمي الذي استنزف مقدراتها وأدخل المنطقة في دوامة من الصراعات الممتدة.

إن التحالف الإيراني-السوري، الذي تأسس منذ عقود على أسس مصلحية واستراتيجية، مثّل بالنسبة لطهران نقطة ارتكاز مركزية في تعزيز هيمنتها الإقليمية. فقد اعتمدت طهران على النظام السوري كقناة محورية لربط نفوذها بين العراق ولبنان، وتوظيفه كمعبر رئيسي لدعم حزب الله بالأسلحة والمعدات، إضافة إلى استخدام الأراضي السورية كساحة لتهديد إسرائيل وإدارة الصراعات الإقليمية. ومع ذلك، فإن سقوط الأسد سيُمثل نقطة ضعف غير مسبوقة لهذا التحالف، حيث ستفقد إيران واحدة من أهم ركائز نفوذها الجيوسياسي، ما سيؤدي إلى اضطرابات عميقة في شبكتها الإقليمية الممتدة.

في لبنان، يُعتبر حزب الله أحد أبرز الأدوات الإيرانية لتعزيز وجودها في شرق المتوسط. ومع سقوط النظام السوري، ستنقطع خطوط الإمداد الحيوية التي طالما اعتمد عليها الحزب لتعزيز قوته العسكرية، ما سيؤدي إلى تراجع قدراته اللوجستية والتسليحية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانهيار السوري سيجعل حزب الله في مواجهة مباشرة مع أزمات داخلية متصاعدة، من بينها الانهيار الاقتصادي اللبناني والضغط الدولي المتزايد لنزع سلاحه. هذا الوضع سيضع الحزب في موقف دفاعي غير مسبوق، ما قد يدفعه لإعادة تقييم استراتيجيته وقدرته على الاستمرار كقوة عسكرية تابعة لإيران.

أما في العراق، الذي مثلت ساحته مركز ثقل آخر للنشاط الإيراني، فإن سقوط الأسد سيضعف الرابط الجغرافي الذي اعتمدت عليه طهران لنقل الأسلحة والمقاتلين ودعم الميليشيات الموالية لها. وستتعرض إيران لضغوط متزايدة من الداخل العراقي، حيث تزداد الدعوات الشعبية والسياسية لإنهاء الهيمنة الإيرانية وإعادة العراق إلى مساره السيادي المستقل. كما أن خسارة النظام السوري ستقلل من قدرة إيران على المناورة في الساحة العراقية، ما يُفسح المجال أمام القوى الوطنية والإقليمية لملء هذا الفراغ وتقييد النفوذ الإيراني.

في اليمن، حيث يشكل الحوثيون ذراعاً إيرانياً في جنوب الجزيرة العربية، سيُعاني المشروع الإيراني من تحديات إضافية. فقد استندت إيران في دعم الحوثيين إلى شبكتها الإقليمية التي كانت تمر عبر سوريا والعراق لتوفير الموارد والأسلحة، ومع انهيار النظام السوري، ستتقلص قدرة طهران على استمرار هذا الدعم. هذا الضعف سيؤدي إلى إضعاف موقف الحوثيين على الأرض، ما قد يفتح المجال أمام حلول سياسية للصراع اليمني تُقلص من النفوذ الإيراني في هذه الساحة الاستراتيجية.

علاوة على ذلك، فإن سقوط الأسد سيعيد صياغة التوازنات الإقليمية بشكل عميق. فالدول العربية التي تأثرت سلباً بالتدخل الإيراني في شؤونها الداخلية ستستغل هذا الحدث لتعزيز مواقفها السياسية واستعادة دورها الإقليمي. كما أن المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، سيعمل على تضييق الخناق على إيران من خلال زيادة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية، مما يجعل طهران في موقف أضعف على كافة المستويات.

إن مشروع إيران التوسعي، الذي اعتمد بشكل كبير على التحالفات الهشة واستغلال الفراغات الأمنية والسياسية في الدول العربية، بات اليوم يواجه تحديات وجودية حقيقية.

shape3

فسقوط الأسد يُعد بمثابة القشة التي قد تكسر ظهر هذا المشروع، حيث سيدفع طهران إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية وموازنتها بين طموحاتها الإقليمية وقدراتها الداخلية المتدهورة بفعل العقوبات الاقتصادية والاضطرابات الشعبية.

ختاما يمكن القول إن سقوط الأسد لن يكون مجرد نهاية لنظام سياسي في سوريا، بل هو بداية لتغيير عميق في النظام الإقليمي ككل.

إنها لحظة تاريخية ستكشف عن هشاشة المشروع الإيراني، وتعيد توزيع القوى في المنطقة بطريقة تُفسح المجال أمام إعادة البناء والاستقرار بعيداً عن التدخلات الخارجية التي أضرت بشعوب المنطقة واستنزفت مواردها لعقود طويلة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد