في سوريا، نجحت تركيا في محاصرة ميليشيات "قسد" الكردية رغم الدعم المباشر الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية. كما تمكنت من إضعاف نظام الأسد الطاغية، على الرغم من الدعم العسكري الهائل من روسيا وإيران. علاوة على ذلك، استطاعت تركيا تحويل فصائل المعارضة من مجموعات مسلحة متفرقة إلى قوة موحدة تحت إشراف إدارة عمليات عسكرية منظمة وفعالة.
لم تتوقف النجاحات عند هذا الحد؛ فقد عملت تركيا على تأهيل تلك القوات عبر تدريب عسكري متقدم، وفي الوقت ذاته دعمت بناء إدارة مدنية للمعارضة في مناطق الشمال السوري، مما أدى إلى تحسين القطاع الإداري والخدمات العامة تحت إشراف الحكومة المؤقتة. كما ركزت تركيا على توحيد صفوف المعارضة، وخاصة الفصائل المسلحة، وهو ما ساعدها في تحقيق انتصارات تاريخية ضد النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس.
سوريا: نموذج النجاح في مواجهة الطغيان
بالإضافة إلى الدعم العسكري، عملت تركيا على تأهيل قيادات المعارضة سياسيًا ودبلوماسيًا، مما مكنهم من إدارة شؤون الدولة بفعالية والتواصل مع المجتمع الدولي بطريقة مثمرة. بهذه الخطوات، قدمت تركيا نموذجًا متميزًا في تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية، ليصبح النجاح السوري مثالًا يُحتذى في كيفية الجمع بين القوة والتنظيم لتحقيق الأهداف الوطنية.
تحولت تركيا إلى اللاعب الرئيسي في الساحة السورية، لكنها مع ذلك حرصت على تحقيق أهداف الشعب السوري. منحت المعارضة السورية إدارة الملفات المختلفة، بعد أن وضعت لهم خارطة طريق واضحة تعزز المصالح المشتركة. أصبحت دمشق وجهة للوفود الدولية، وأثار الأداء السياسي للمعارضة السورية إعجاب المراقبين عالميًا، حتى باتت التجربة السورية تُدرَّس في كبرى الجامعات.
اليمن: هل نتعلم الدرس قبل فوات الأوان؟
في المقابل، تُظهر التجربة اليمنية صورة مغايرة تمامًا. فعلى الرغم من أن اليمن يواجه ميليشيات انقلابية تابعة لإيران، تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي السعودي، إلا أن التحالف لم يحقق أي إنجازات واضحة. بل تفاقمت التهديدات ووصلت الأوضاع إلى مرحلة تهدد بقاء اليمن كدولة، في ظل توسع النفوذ الإيراني وسيطرته على معظم الجغرافيا اليمنية.
بينما يُلهمنا الشعب السوري بانتصاراته، نجد أن الأداء اليمني، سواء من القيادة الشرعية أو التحالف، لم يرق إلى مستوى التحديات. وإذا افترضنا حسن النية في أداء التحالف، فلا يمكن وصفه إلا بأنه تحالف يفتقر إلى الكفاءة والتخطيط.
دروس مستفادة وخطوات عملية
اليوم، أصبح واضحًا أن الطريق للنصر في اليمن يبدأ من تعلم دروس التجربة السورية. ولتحقيق ذلك، يمكن اتباع الخطوات التالية:
1. إعادة هيكلة القيادة العسكرية والسياسية:
توحيد الصفوف بين القوى الوطنية في الداخل اليمني، وإنشاء قيادة مركزية فعالة قادرة على إدارة الصراع، مع تقليل الاعتماد على الخارج.
2. تعزيز الكفاءات الوطنية:
تأهيل القيادات السياسية والدبلوماسية اليمنية للتواصل مع المجتمع الدولي بفعالية، بما يخدم القضية اليمنية بشكل أفضل.
3. تفعيل المصالح المشتركة مع الإقليم والعالم:
إعادة صياغة العلاقة مع السعودية ودول الجوار على أسس تعاونية تعزز المصالح المشتركة، دون التنازل عن الأهداف الوطنية.
4. بناء إدارة مدنية قوية:
تحسين الخدمات والإدارة في المناطق المحررة لتعزيز ثقة الشعب بالشرعية، وضمان مشاركة شعبية أوسع في جهود التحرير.
5. الاستفادة من الدعم الدولي:
استغلال التعاطف الدولي مع اليمن ومخاطبة العالم بلغة سياسية ودبلوماسية مدروسة.
فرصة للتغيير والتحرر
الشعب اليمني اليوم يمتلك فرصة فريدة للتواصل مع العالم والاستفادة من الدعم الدولي المتاح. وعلى القوى الوطنية أن تدرك أن خلاص اليمن لن يأتي من الخارج، بل من الداخل، من خلال توحيد الجهود، واستلهام التجربة السورية التي أثبتت أن الإرادة الوطنية هي أساس النصر.
هل نستجيب لنداء الوطن؟
إن نجاح الثورة السورية قدّم درسًا واضحًا: القيادة الموحدة، التخطيط الاستراتيجي، واستغلال الدعم الدولي هي مفاتيح النصر. أمام اليمنيين اليوم فرصة لتغيير واقعهم، والتقدم نحو تحرير صنعاء وكل شبر من أرضهم.
كما قال أحد المراقبين: "النجاح يبدأ من قرار، وأول القرارات أن يكون مصيرك بيدك لا بيد غيرك."