الفريقُ عبدُالربِ الشداديُّ وطنٌ مليءٌ بالإخلاص، مفعمٌ بالتضحية، مترعٌ بالتقوى.
لم يكن ضابطاً في القوات المسلحة وحسب؛ إنه جيشٌ فتيٌّ لوطنٍ جريحٍ،
ووطنٌ دافئٌ لجمهوريةٍ مغدورٍ بها،
وأمةٌ حيةٌ في زمنٍ ميتٍ، وروحٌ مخلصةٌ في عالمٍ مترددٍ.
أخلص لوطنه، وتفانى في سبيل أمته، وقدم روحَهُ ثمناً لمنظومة القيم الإنسانية والوطنية التي آمن بها.
لم تغرِهِ بهرجةُ المنصب، ولم تؤثرْ في سمته التقاءُ لمعانِ السلطةِ، وزيفِ غرورها؛ لو علم الشداديُّ عبدُالرب
أنَّ الماءَ يُفسدُ مروءته ما شربه.
قديسٌ في روح إنسانٍ، له روحُ طفلٍ في مواطنَ الحبِّ، وقلبُ ليثٍ في ساحات الوغى، وعيونُ صقرٍ في ثغور العزة والكرامة.
إنه الصديقُ الذي لا تعوضه الدنيا بما رحبت، والحليف الذي ليس له بديلٌ،
والرائد الذي لا يكذب أهله، والقائدُ الذي يبكيه خصومُهُ وحسادهُ.
الشداديُّ الآتي من مأربَ التي ما فتئتْ تقدمُ العطاءَ والتضحيةَ والصمود، وتسطر أحرفاً من نورٍ، وكلماتٍ من ذهبٍ في سفر الوطن المجيد، وتشدو أنغامَ حبٍ، وألحانَ فداءٍ في تراب الوطن، وتصبُ شلالَ دمٍ قانٍ في كلِّ مواقعِ عزةِ اليمن، ومحاريبِ أنوارِ الوطنِ المقدسِ.
نقفُ في هذه الإطلالة مع شذراتٍ من حياة هذا البطلِ الجمهوريِّ العظيمِ.
أولاً: الميلادُ والنَّشأةُ:
ولد في العام 1963م في قرية الغول (مديرية العبدية) محافظة مأرب، ونجد من الضروري التطرق إلى البيئة الجغرافية والاجتماعية؛ التي نشأ فيها الشهيد، والتي تعد سيدة حضاراتِ الدنيا.
مأربُ ولادةُ الرجال، وصانعةُ الأحرار، وفقاسةُ الأبطال.. في عمقها موروثنا الحضاري، ومجدنا التاريخي، وإرثنا الثقافي، ورصيدنا المتجدد في مسيرة النهوض الحضاري الإنساني،
مأربُ الأرضُ التي لم تبخل يوما في عطائها الوطنيّ، ولم تغب ساعةً عند توالد المحن...
مأربُ قاومت يوم خضع الناس،
وحملت لواءَ الجمهورية يومَ سقطت كلُّ الرايات، وانتصرت للدولة حين باعها الجميع -الذين جنوا خيراتها عقودا من السنين-.
إنها مأربُ التي دحرت عدوان الكهنوت، وهو في أوج قوته، ونشوةِ غروره بمفردها، ودبابات الطغاة ونيران المعتدين على أطراف المدينة! ناصرها ثلةٌ مباركةٌ من عشاقِ الجمهورية، المؤمنون بالحرية والكرامة، قاسمتهم كسراتِ الخبز، وقطراتِ الماء، وعدة المحاربين.
مأرب الصمود برجالها العظماء؛ الذين حفروا خلودهم الباذخ في ذاكرة الوطن، ومنهم: الشهيدُ البطلُ عبدُالرب الشداديُّ، الذي لم يبلغ الخامسة من عمره حتى اختار الله والده قاسم أحمد الشداديَّ، وعدداً من إخوته؛ ليلحقوا بركب الشهداء في حرب الإمامة، وتميز والده بالشجاعة والإقدام.
على إثر ذلك تولى رعايته وتربيته أخوه الأكبر عبدُربه قاسم أحمد الشداديُّ، وساهم خاله الشيخُ سعيدُ الصوفي، وأمُّهُ في رعايته في قرية خليلة، وعندما بلغ التاسعة من العمر تولى أخوه رعايته ليلتحق بالمعلامة (الكتاب)؛ لمواصلة مشواره التعليمي على يد عمه شقيق والده محمد أحمد عبدربه الشداديّ، وتعلم القراءة، والكتابة، وختم القرآن الكريم.
ومن ثم تولى إدارة شؤون أسرته عند ذهاب إخوانه للغربة؛ فكان قائماً على الزراعة، مشرفاً على سير أمور أسرته، ويذهب من فترة لأخرى للعمل في حريب، وعمل على تطوير نفسه معرفيا، وقد كانت أسرته على درجة عالية من التلاحم والإيثار الذاتيّ فيما بين أفرادها.
ثانياً: الجندية والانتماء للمؤسسة العسكري:
التحق بالسلك العسكري بتاريخ 1981/1/1م جندياً في معسكر خالد بن الوليد بمحافظة تعز، وتخرج عام 1982م من دورة في سلاح المدرعات، ثم أخذ دورة في سلاح المشاة عام 1983م، رقي على إثرها إلى صف ضابط في منتصف عام 1983م.
وعلى إثر اعتراضه على التعامل خارج القانون مع عصابات تهريب المواد الكحولية؛ سُجِنَ لمدة شهرين، ثم فصله من معسكر خالد عام 1984م، وسافر عقب ذلك إلى المملكة العربية السعودية للعمل.
وبتوجيهات من العقيد الركن/ على محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع حينها عاد للعمل في السلك العسكري، ومن ثم واصل تعليمه حتى المرحلة الإعدادية في معسكر خالد بن الوليد، واستمر في السلك العسكري ضمن الفرقة الأولى مدرع،
وفي 1990م التحق بمدرسة المشاة، وأخذ دورة في تأهيل الضباط، وتخرج بتقدير ممتاز برتبة ملازم ثاني، وتم ضم الضباط الخريجين من مدرسة المشاة على الدفعة السابعة والعشرين من خريجي الكلية الحربية.
عين ركن تسليح الكتيبة الثالثة باللواء الأول مدرع حتى عام 1992م.
وفي مطلع 1993م رقي إلى رتبة نقيب، وعين كاتباً مالياً للواء 310 مدرع من قوات الفرقة.
وخلال الفترة من عام 1995م إلى 1997م اشترك في حروب ضد المتمردين في قفلة عذر في محافظة عمران، وأصيب فيها وكان له مواقف شجاعة مع الشهيد حميد القشيبي.
أكمل دراسته العلمية وحصل على شهادة الثانوية العامة في 1998م.
ثم التحق بمعهد الثلايا لتأهيل القادة في محافظة عدن لدارسة دورة قيادة ألوية، وتخرج من المعهد في العام التالي بدرجة امتياز.
بعد التخرج من معهد الثلايا رقي إلى رتبة رائد، ثم التحق بالدراسة الجامعية في كلية التربية بجامعة صنعاء، فرع عمران قسم تاريخ، وحصل على درجة البكالوريوس في عام 2004م.
والتحق بكلية القيادة والأركان في عام 2004م، وحصل على شهادة الماجستير علوم عسكرية في
2005/10/12م بدرجة جيد جداً، رقي بعدها إلى رتبة مقدم مع حمل شارة الركن.
وعين قائداً للكتيبة الثالثة من اللواء 310 مدرع فور تخرجه من كلية القيادة والأركان، وظل في هذا المنصب من عام 2005م إلى عام 2008م، شارك خلالها في الحرب الثالثة مع كتيبته في صعدة حتى أصيب في عام 2007م، انتقل على إثرها للعلاج في جمهورية مصر العربية.
في عام 2008م تم تعيينه رئيس عمليات لواء المجد، ليتم بعد ذلك ترقيته إلى رتبة عقيد؛ وتعيينه أركان حرب اللواء 72 حرس جمهوري بمنطقة حرف سفيان بمحافظة عمران.
في نهاية العام 2010م التحق بكلية الحرب، وكان له مواقف وطنية في احتجاجات ٢٠١١ م منحازة إلى خيارات الشعب.
في 2012م رقي إلى رتبة عميد، وعين قائداُ للواء 312 مدرع بمديرية صرواح محافظة مأرب، وعند تسلمه منصبه عمل على رفع معنويات وكفاءة منتسبي اللواء، وفرض هيبة الدولة في المديرية بأكملها.
ثالثاً: الأدوار النضالية في مواجهة الانقلاب:
الفريق الركن عبدُالرب الشداديّ، احدُ القادة الاستثنائيين الذي تركوا بصماتٍ قوية، وأثروا في مسار الأحداث الوطنية بشكل فاعل وحضور كبير منذ تسليم العاصمة صنعاء وإسقاط مؤسسات الدولة اليمنية في الواحد والعشرين من سبتمبر ٢٠١٤م.
قاد معركة المقاومة الشعبية ضد مليشيات الحوثي، والدفاع عن مأرب خلال ١٥٠ يوما عقب انهيار العاصمة، وكانت من أنصع تاريخ النضال الوطني الجمهوري، قام ومعه كوكبة من أنبل شباب ورجالات اليمن بتطهير جبال وسهول محافظة مأرب من الإنقلابين، وأصيب بعدة إصابات في تلك المعارك، وهو يقارع المليشيات من الخطوط الأمامية غير آبهٍ بتضميد جراحاته، وإسعاف إصابته قبل انتهاء المعارك في خط صنعاء، وخلال عملية تحرير معسكر ماس، وفي خلخلات، وأصيب في عملية تحرير صرواح.
شارك بشكل محوري في تأسيس مطارح مأرب؛ عندما انهارت الدولة، وضعفت عن القيام بواجباتها في حماية مؤسساتها والدفاع عن النظام الجمهوري ومواجهة المليشيات الحوثية الشيعية الطائفية، كان لابد للقوى الاجتماعية والسياسية الجمهورية من اقتراح حلول، والالتفاف حول برنامج لمقاومة المد الصفوي لمليشيا الحوثي؛ فتم تشكل النواة الأولى للمقاومة في مطارح مأرب، وسبق ذلك حراك سياسي ومجتمعي رافض لملشنة الدولة، والعودة إلى نظام الإمامة الكهنوتي.
وبدأ ذلك في مأرب 2012 م، وكانت لحظة تاريخيّة فارقة أسست منطلقا للدفاع عن الجمهورية من أرضية وطنية صلبة، ومع تسليم العاصمة في يوم النكبة الذي شكل صدمة قوية في الوجدان الوطني، وحالة الردة التاريخية عن النظام الجمهوريّ الذي ضحى في سبيله اليمنيّ خلال مسيرة طويلة من النضال والجهاد، عند هذا الحدث المفصلي تشكلت مطارح مأرب كأحد أشكال المقاومة الشعبية التي ألتفى حولها الكثير من أحرار اليمن، وشدوا رحالهم نحو منطلق المقاومة في مأرب الصمود والحرية، وتوافدت القبائل المأربية مع الخلص من أحرار اليمن بأسلحتهم ومعداتهم الشخصية، وإمكانياتهم الذاتية؛ لمواجهة زحوف الإمامة التي استولت على مقدرات الدولة، وأسلحة ومعدات القوات المسلحة والأمن بجمع صنوفها ومستوياتها.
استمرت المطارح كحركة مقاومة شعبية قبلية، وخاضت معارك مفصلية، وصدت اعتداءات القوى الغاشمة في صرواح، وقانية في الجنوب، ونجد مرقد في الشرق، والجدعان في الشمال، واستمرت في القتال والدفاع واجتراح البطولات؛ حتى تشكيل الجيش الوطني، والتحمت به، وكانت رافدا له، وانصهرت في تشكيلاته النظامية،
ومما يسجله التاريخ للقوى السياسية في مأرب بدءاً بالتجمع اليمنيّ للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام، وكافة القوى السياسية، والمدنية، والاجتماعية، شكلت ظهيرا سياسيا وإعلاميا للمقاومة، ورافدا مهما للحشد والتعبئة.
وكان لقيادة السلطة المحلية ممثلة بالرأس سلطان العرادة محافظ المحافظة، وقيادة المنطقة الثالثة بقيادة اللواء عبدالرب الشدادي دورا محورياً وفاعلاً في قيادة دعم العمليات العسكرية، وتشكيل غرفة عمليات المقاومة في مأرب، والتي قادت المعارك، ونسقت الجهود، واستقبلت المقاومين الشرفاء من كل محافظات اليمن، وأصدرت بياناً مشتركاً في 12 يناير 2015 م برفض الانقلاب وكل تداعياته وقراراته، وفي عشية الإعلان الدستوري للانقلاب، واعتقال الرئيس هادي 21 يناير 2015م، قررت رفض التعامل مع الانقلاب، إدارياً وسياسيا، وإعلامياً؛ ليكون الفعل السياسي والعملي المتفرد في دعم الشرعية الدستورية قبل شهرين من انطلاق عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
وكانت كتيبة الفتح أول وحدة عسكرية منظمة وصلت لخطوط التماس في منتصف أبريل 2015م.
بعد سقوط العاصمة صنعاء في أيدي القوى الظلامية الكهنوتية في 21سبتمبر2014م كان له الدور الأكبر في الدفاع عن البوابة الشرقية للوطن ممثلة بمحافظة مأرب، ابتداءً من تأسيس ما يعرف بالمطارح، والتنسيق مع جميع الشرفاء والأبطال من أبناء ومشائخ وعقال ووجهاء محافظة مأرب، وقيادة السلطة المحلية والمقاومة.
في2015/4/7م، صدر قرار جمهوريّ بتعيينه قائداً للمنطقة العسكرية الثالثة، وتمكن بحنكته وحكمته من إدارة دفة القيادة بكفاءة عالية، وبدأ منذ الوهلة الأولى العمل على تأسيس وبناء القوات المسلحة والأمن من جديد، وكان حريصاً دوماً على ضرورة بناء جيش وطنيّ بعيداً عن الولاءات الشخصية والحزبية والمذهبية والمناطقية، وكان تحقيق هذ الهدف أهم أولوياته.
قاد بنفسه العديد من المعارك البطولية في الدفاع عن محافظة مأرب، وشارك في الصفوف الأولى مع العديد من الرجال الأوفياء من جميع أبناء اليمن الذين استشهدوا وهم يدافعون عن الثورة والجمهورية، وكان من بينهم العديد من أقاربه ومرافقيه، حتى تم طرد المليشيا الظلامية من تخوم مدينة مأرب في 5 أكتوبر 2015م.
برزت شجاعته النادرة، وأخلاقه الرفيعة، وإدارته الحكيمة طوال فترة توليه قيادة المنطقة العسكرية الثالثة، حيث استطاع توحيد جميع الفئات والمكونات القبيلة والاجتماعية والسياسية، واستنهاض الهمم، وتوحيد الصفوف، وعرف بكرمه وزهده وسعة صدره وحنكته العسكرية، وسطر اسمه في أنصع صفحات التاريخ.
أصيب خلال مسيرة حياته البطولية بأكثر من 20 إصابة في محافظة صعدة وعمران وصنعاء ومأرب.
في يوم الجمعة 7 اكتوبر 2016م ترجل الفارس المغوار الشهيد القائد اللواء الركن: عبدالرب قاسم أحمد عبدربه الشداديّ عن جواده، لتتحقق له أمنيته التي طالما تمناها وعمل من أجلها، تاركا خلفه رصيداً مشرفاً ملهماً للأجيال في شتى مجالات الحياة، وقد روى بدمه الطاهر تراب وطنه.
وعن رحيله المبكر تساءل الشاعر الكبير والمقاوم العتيد عامر السعيدي:
لماذا رحلت وما زال بي
دمٌ ودموعٌ وجرح نبي
وكيف تركت عصافيرنا
يتامى كأحلامنا يا أبي
لماذا نسيت الطريق بلا
عيونٍ ترى غدنا المُختبي
ومن للميادين يا ربّها
وللحرب والواقع المرعبِ
ومن يدفع النار عن بيتنا
ويحمي الطفولة في الملعبِ
لقد كنت آخر من يُرتجى
وأول جيشٍ بلا مذهبِ
وها نحن بعدك يا سيدي
بعيدا عن الوطن المتعبِ
نحاول أن نسترد البلاد
ونلبسها ثوبك المأربي
ولكن أفعى الأسى في الأمام
ومن خلفنا مربض العقربِ
فيا ليت قلب الحبيب الذي
تولّى.. تأنّى ولم يغربِ
رابط الشهيدُ عبدُالرب الشداديُّ في أهم الجبهات، وأكثرها سخونة، والأشد من حيث المخاطر على مسرح العمليات، وتعد صرواح خط الدفاع الأول عن مارب التي تستميت المليشيات الإرهابية في التحصن بها؛ لتكون رأس حربة في خاصرة المقاومة، ولتبقى جبهتهم المتقدمة غرب مأرب.
عندها أطلق القائد الشداديّ قسمه الذي وفى به "لن أعود من صرواح إلا منتصراً أو شهيداً"
غير مكترثٍ لمخاطر الموت، أومبالٍ بقوة الإعداء، وكعادته في تقدم الصوف، واقتحام الأخطار، ومواجهة التحديات، قدم من خلال شجاعته وبسالته قدوة ملهمة للمقاتلين الأحرار في الذود عن مواقعهم، واجتراح البطولات في الدفاع عن الوطن.
وبحسب الصحفي علي الفقيه:
" الشداديّ كان لديه كاريزما خاصة، وسلطة روحية نادراً ما يمتلكها قائد، يتحدث إليهم بلغة بسيطة وبصدق وتجرد، يصهر كل ما بداخلهم من أطماع.
كان يحدثهم عن الجمهورية التي يتخطفها الإماميون الجدد، وعن الشرف الذي ينتظر مأرب؛ كونها تمثل الجدار الأخير، والحارس الوفي للجمهورية.. ومع هذا لم يكن يدخر شيئاً لينفقه في سبيل تقوية الجبهة وتجهيز المقاتلين إلا أن إخلاصه لقضيته وصدقه مع الله ومع وطنه يحول كل من يقابلهم إلى فدائيين في معركة يؤمن أنها مقدسة."
رابعاً: الشداديّ في الوجدان الوطني:
رئاسة الجمهورية نعت استشهاد قائد المنطقة العسكرية الثالثة اللواء عبدالرب الشداديّ في بيان قال:
"إن الوطن برحيل الشهيد اللواء الشداديّ خسر رجلاً من أنبل رجالاته، ومناضلاً جسوراً، ومقداماً شجاعاً، ومخلصاً وفياً، ورحيله في مثل هذه المرحلة الاستثنائية التي كان له دورٌ محوريٌّ فيها يمثل خسارة وطنية كبيرة".
وأضاف" لقد تقدم الشهيد الجبهات، وقاد معركة تحرير مأرب من المليشيا الإجرامية التابعة للحوثي وصالح الانقلابية، التي استباحت اليمن، وعبثت فيها دماراً وخراباً، وبذل الغالي والنفيس من أجل اليمن وأهلها، واستبسل فانتصر لوطنه".
وأشار البيان إلى أن الشهيد عمل بكل صدق وإخلاص ووفاء كقائد عسكري محنك، واستطاع أن يقطع شوطاً كبيراً في تحرير الوطن وخاصة محافظة مأرب، ودحر -مع أبناء الوطن جميعاً- العصاباتِ الإجرامية للمليشيا الانقلابية التي تحمل العداء، وأبت إلا أن تُمارس هوايتها المفضلة القديمة الجديدة في الاغتيالات والإرهاب.
وأضاف البيان " إن استشهاد اللواء الشداديّ في نفس المكان ونفس التوقيت الذي استشهد فيه البطل الجمهوري علي عبدالمغني؛ يؤكد على ذات المسار وذات المآل لمسيرة الجمهورية الظافرة، ولن يفرط اليمنيون بالنظام الجمهوري ومبادئ الثورة اليمنية الخالدة ".
بينما تناول: نائب رئيس الجمهورية السابق الفريق الركن علي محسن الأحمر، وهو القائد الأعلى، الذي عمل الشهيد، تحت قيادته معظم مراحل حياته العسكرية، وارتبط به بعلاقات متينة، قائمة على عقيدة وطنية جمهورية، ووحدة الأهداف، والتصورات، حيث قال :
"اللواء الشداديّ كان أحد أهم دعائم الجمهورية التي ثبتت في مأرب، ومن القلة القليلة الذين صمدوا حين خنع الآخرون، وثبّت علم الجمهورية في مأرب التاريخ، وكانت هي وأبناؤها الأبطال منطلقاً لدحر الانقلابيين وتحرير كل محافظات الجمهورية".
وأضاف:"إن الحروف والكلمات لا تفي بذكر محاسن الشهيد وذكراه الطيبة، وخير من يخط سيرة هذا البطل الهمام، بطولاته التي سطرها ومآثره التي خلدها من بعده منذ انخراطه في السلك العسكري، وانضمامه لثورة الشباب السلمية في العام 2011م، وحمايته لأحلام التغيير".
وأوضح نائب الرئيس، "إن أول من عرف هذا القائد المقدام هم خصومه الذين هم في الأصل خصوم للوطن والمواطن، حيث أذاقهم من حزمه الويلات، وحطم بشجاعته وبسالته أوهامهم الزائفة بأحقية الحكم واستعباد اليمنيين، مشيرا إلى أن صدقه وإخلاصه وحنكته العسكرية كانت الصخرة التي تحطمت عليها أحلام الإماميين ودعاة التخريب والإرهاب".
وجاء في بيان وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان العامة: " ننعى إلى شعبنا اليمنيّ الصابر أحد أبرز القيادات العسكرية الذي جسد أعلى معاني الشرف العسكري والجندية والقيادة والولاء الوطني، وكان حارسا أمينا لأحلام شعبه وتطلعاتهم، وعبر عن ذلك في انحيازه المبكر لثورة 11 فبراير 2011م، وتولى مسئولية الدفاع عن ساحتها بصنعاء بشجاعة واستبسال عظيمين وصولا إلى معركة استعادة الدولة، والدفاع عن الجمهورية من خلال قيادته للمنطقة العسكرية الثالثة".
وأضاف " إن القوات المسلحة وهي تنعي أحد رموزها الذي ترجل شامخا في معركة الدفاع عن الدولة والجمهورية لتؤكد أنها لن تتخلى عن درب اللواء الشهيد، وستحمل راية النصر خفاقة في كل ربوع الوطن، وستلحق الهزائم النكراء بالعصابات الانقلابية، وإن دمه ورفاق سلاحه سيثمر نصرا مؤزرا؛ لينعم شعبنا العظيم بالأمن والآمان الذي ناضل وقاتل أبطالنا من أجله ".
وقد عبر الشاعر خالد العمودي عن مكانة الشهيد في الوجدان الوطني بقصيدة رائعة قال فيها :
حلق شهيدا في السماء ونادي
أنا لم أمت فشهادتي ميلادي
أنا والذي فطر السماوات العلا
حيٌّ فلا تبكوا على الشدادي
غادرت عالمكم وجئت لعالم
أرقى ونلت سعادتي ومرادي
روحي استقلت جوف طير أخضر
في نهر بارق رائح أو غادي
ياعبقريات القصائد أنصتي
لاشي يعدل فرحة استشهادي
مازال نور الفجر يحمل رايتي
ويبثني روحا إلى الأفراد
ماكنت يوما في القتال موليا
دبري بيوم كريهة وجلاد
أنا والشجاعة توأمان وطالما
احتمت الشجاعة في الوغى بفؤادي
أسست في الصحراء معبد ثورة
ووضعت حدا للدجى المتمادي
ومن الرماد القردعى ومن دمي
صنع الصباح مشاعل الإيقاد
مزقت أوصال الظلام بمدفعي
وكتبت تاريخ الضحى بزنادي
وعلى جواد الحق كنت مجليا
ومبادئي هي عدتي وعتادي
***
رحل الأمير التبعيّ متوجا
بنضاله والخزي للأوغاد
رحل الأمير التبعيّ وقد بنى
جيشا وأرسى للنضال مبادي
لوكان تبع حاضرا لأجازه
ملكا لركب الثائرين مرادي
مادام ذو القرنين من أجداده
فهو الخليق بذروة الأمجاد
وكأنه الفاروق بين جنوده
أكرم به من قائد وقيادي
ياألف درسٍ فى البطولة والندى
يوصي بها الأجداد للأحفاد
سيظل موقفك العظيم مبجلا
في قلب كل مناصر ومعادي
ويكون اسمك رتبة أو منصبا
في العسكرية اسمه الشدادي
أسرجت خيل الكبرياء وسقتها
سوقا لتصبح سيد الأسياد
الشامخات الشمّ كانت تنحني
للصاعدين إلى ذرى الأمجاد
وعواصف الصحراء تسكن ريثما
يجتاز عبدُالرب بالأجناد
وهناك فوق الأفق يأخذ وجهه
شكل الهلال على سماء بلادي