ثمة حقائق أكدتها الأحداث الأخيرة في القطر السوري من الأنسب أن تظل حاضرة لدى جماعة الحوثي الانقلابية، وقد قالت العرب "السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به الناس" وليس من عظة أكبر مما حل بنظام بشار القمعي الذي استيقظ على صحوة شعبية رمت به إلى مزبلة التاريخ، ثم ما إن سقط النظام القمعي حتى تكشفت حقائق تشيب لها الرؤوس جلها مرتبطة بمقدار الوحشية التي تعاملت بها أجهزة القمع مع الشعب السوري وكانت سبباً كافياً لينفض السوريون أيديهم من بشار ونظامه، لكن الأهم في الأمر أن هناك دروساً لابد أن تعيها جماعة الحوثي الانقلابية التي رضعت مع بشار من ذات الحليب الإيراني الطائفي المؤدلج فسارت على ذات الطريق القمعي، وتعتقد بقرارة نفسها أنّ الضمان الوحيد لبقائها أن تمارس القهر والظلم بأقسى الصور وعلى مختلف شرائح المجتمع اليمني المبتلى بها .
ما يجب أن تدركه هذه الجماعة الانقلابية أن حكم اليمنيين أو التحكم بهم لا يبدأ أبداً من فتح المعتقلات وتغييب الناس فيها، وأنّ القهر الذي تصنعه السجون لا يمكن أن يتلاشى لدى من يكتوون بنار الإخفاء، وتمارس بحقهم ألوان التعذيب ومختلف الانتهاكات التي تتصادم مع أدميتهم بالمرتبة الأولى، ثم حقهم في الحرية والسلامة في وطنهم المختطف، ولا يقتصر القهر على من يتم رميه في غياهب وأقبية المعتقلات بل يمتد إلى أهل المختطف ومعارفه، وهذا بدوره يشكل لديهم اتجاهاً نحو التحرر من هذه الانتهاكات والثورة على مرتكبيها، وإن بدا لبعض الوقت المشهد ساكناً فهو هدوء ما قبل العاصفة وصمت ما قبل الانطلاقة.
في المشهد السوري مثّل سجن صيدنايا نموذجا لطريقة تعامل نظام بشار القمعي مع شعبه، وله أشباه كُثر في محافظات القطر السوري المختلفة، وفي الحالة اليمنية تمتلك جماعة الحوثي الانقلابية "صيدنايات" كثيرة تخفي فيها الآلاف من اليمنيين الذي ذنبهم الوحيد أنهم لم يتقبلوا وجود هذه الجماعة الطائفية، أو بدا للجماعة أنهم كذلك، وإن اختلفت التهم المزيفة التي تلفقها لهم، ويحدثنا العائدون إلى الحياة من تلك السجون عن فضائع يتم ارتكابها في تلك الأقبية المظلمة، وعن تعذيب أفقد الكثير أرواحهم أو أصابهم بعاهات مستديمة، وكل هذه الانتهاكات تحوّل من يحالفه القدر بالنجاة إلى ثائر لا يتراجع يدفعه القهر الذي تجرعه لدى سجانيه، وتلك صفة إنسانية عابرة للحدود والأعراق والأديان، وليست حكراً على شعبٍ دون آخر، فالقهر يولد الثورة، والسجن وما فيه من انتهاكات هو منتهى القهر الذي تتجرعه النفس البشرية، فالسجين ضعيف عاجز والسجان قاهر متبختر، وقد مارست هذه الجماعة في سجونها منذ الانقلاب المشؤوم فضائع تجعلها تتبوأ الموقع الأسوأ بين الأدوات الإيرانية التي عانت ولازالت تعاني منها شعوب المنطقة.
في طريق طموحها المأفون لحكم اليمنيين لم تنتبه هذه الجماعة الانقلابية أن أي مسيطر وطامح للحكم لا يمد لأبناء الشعب جسور المحبة والتفاهم ويعتمد لتثبيت حكمه وسيطرته على إغراق السجون بكل من يعارضه أو يختلف معه فإن جريمته مركبة، ففي وجهها الأول مصادرة حرية اليمنيين برميهم في المعتقلات وارتكاب الفظائع بحقهم داخل الأقبية الكئيبة، وفي وجهها الآخر تحويل الذين عانوا من القمع والاضطهاد إلى ثواراً يحملون على عاتقهم مقاومة الاستبداد والقمع المليشاوي الطائفي، كما أنه لا يمكن التعويل على من يستخدم السجون لنشر القهر في أبناء بلده أن يكون أميناً على وطن، أو قادراً على خدمة شعب، وليس من المؤمل لمثل هذه الجماعة القمعية ان تنشر الاستقرار أو التنمية، وإن حاولت أن تظهر عكس صورتها الحقيقية القاتمة فالواقع يشهد على ذلك وتؤكده الوقائع.
إن فكرة الاستمرار والبقاء لهؤلاء الانقلابيون الذين يعتمدون على القمع والسجون ونشر الموت والخوف تبدو منعدمة بالكلية، وعاجلاً أو آجلاً يقعون في قبضة الشعب فيتجرعون النهايات الصعبة، ولا مجال للنجاة من غضبات الشعوب والتي تتحول فيها حالة القهر إلى استبسال تعجز كل أنظمة الدفاع المليشاوية القمعية عن مقاومته، فهل حان الوقت ليتعظ الانقلابيون الحوثيون بغيرهم، أم يسكنهم الإصرار ليصبحوا عظة وعبرة.
دمتم سالمين ..