تعرضت يوم أمس لامتعاض من أوساط المجلس الرئاسي على طريقة تناولي لمسألة "الشرعية"، و "السعودية"، و "الإمارات"، وكل أعضاء المجلس الرئاسي فردا فردا في المقالات الأخيرة.
الامتعاض كان على هيئة اتصالات شخصية من المساعدين وأيضا على هيئة هجوم تحريضي تشهيري من مطابخ دعائية.
العقد الأخير من عمر اليمن
قد أكون أنا آخر الناس الباقيين في اليمن الذي يعتقد بالثلاث الأركان التالية:
١- أهمية "الشرعية" في اليمن.
٢- أهمية منصب "رئيس" الجمهورية الشرعية.
٣- أهمية "السعودية" لاحتضان الشرعية.
أولا: الشرعية واليمن
اليمن، سوف تكون أحراشا شوكية موحشة بدون الشرعية.
الشرعية، هي الأخلاق والقيم والمساواة بين الناس وسيادة القانون.
وهذه كلها أشياء "نظرية".
الشرعية والرئيس
الرئيس، هو الكيان "العملي" والشيء الملموس المسؤول عن الشرعية.
الرئيس، هو المنصب أو الكيان العملي المسؤول عن حماية الشرعية.
الرئيس، هو الشخص الذي يمكننا أن نصيح فوقه لنلفت انتباهه لأي خطر قد يحلق فوق الشرعية.
الشرعية والسعودية
تبلورت صراعات اليمن المتعاقبة منذ ١٩٦٢ إلى أن أصبحت السعودية هي التي خلقت الشرعية الحالية وهي التي تنفق على الشرعية الحالية وهي التي تحتفظ برئيس الشرعية عندها في الرياض
شرعية— رئيس— السعودية
هذا هو ما تبلورت عليه حال اليمن.
هذا شيء تطورت إليه اليمن خلال عقود من الزمان تحت الإجهادات المتعاقبة من الاضطرابات والصراعات والانهيارات والعجز والإحباط والفشل.
نعم الشرعية، فشلت.
نعم منصب الرئيس، فشل.
نعم السعودية، فشلت.
وأنا مستمر على يقيني بضرورة حماية الشرعية وحماية منصب الرئيس وحماية دور السعودية باحتضان الشرعية.
لكن سجل الشرعية وسجل رئيس الجمهورية وسجل السعودية طوال العشر السنوات الأخيرة لم يكن ناجحا.
ثانيا: أشكال الشرعية
الشرعية، تختلف من مكان إلى مكان وتختلف من زمان إلى زمان في نفس المكان.
والشرعية ليست شيئا جامدا لا يتغير ولكنها مفهوم يتطور بعوامل النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعي أو قد يتدهور ويعود إلى الوراء.
الكلام عن أشكال الشرعية، يمكن أن يكون مثيرا للتأمل وربما حتى للتوتر في أي مكان.
ولكنه بالتأكيد يتسبب عاصفة احتجاج وتعليقات صاخبة بين اليمنيين.
سنتطرق لما نعرف عن أشكال الشرعية التي مرت علينا ولا داعي لأن نغطس في خلافات حول الموافقة على صحة هذه الأمثلة.
الغرض من ذكر هذه الأمثلة هو أن الناس والبشر بحاجة إلى حكام وحكومات، وبحاجة إلى كلمة الشرعية، وإلى نوع من الشرعية في وضع حكامهم وأنظمة حكمهم.
١- الشرعية الوراثية مثل الأنظمة الملكية الحاكمة، مثلا السعودية.
٢- شرعية الحزب الواحد، مثلا الصين.
٣- الشرعية الدستورية والانتخابات، مثلا الدول الغربية.
٤- الشرعية القانونية، مثلا چورج بوش الإبن عندما قررت المحكمة أنه هو الذي فاز على منافسه آل جور.
٥- الشرعية الثورية، مثلا كاسترو في كوبا.
٦- شرعية القبول، مثلا جمال عبدالناصر في مصر.
٧- شرعية الغَلَبَة، مثلا خامنئي في إيران والحوثي في اليمن.
- وأخيرا:
٨- الشرعية اليمنية في السعودية، آخر اختراعات أشكال الشرعية.
والتي بكل أسف قد أوقعني حظي بضرورة الدفاع عنها.
ثالثا: تطور بعد تطور في شرعية اليمن
١- بعد مقتل الرئيس الغشمي.. كانت نية الرائد علي عبدالله صالح أن يعين نفسه بنفسه رئيسا للجمهورية.
نصحوه بأن يستند إلى ما هو موجود في القانون.
أن يسمح لرئيس البرلمان عبدالكريم العرشي أن يكون رئيساً للجمهورية لمدة ٦٠ يوم ثم ينتخبه أعضاء البرلمان رئيسا دستوريا "شرعيا".
قدم الرائد صالح "عروضا لا يمكن رفضها" للعرشي ولأعضاء البرلمان، وهكذا أصبح معنا رئيس جديد بعد رئيسين مقتولين خلال عام واحد.
٢- بعد الوحدة اليمنية.. تم الاستفتاء الشعبي العام على الدستور.
وبهذا أصبحت الوحدة اليمنية "شرعية" في الداخل وذات شرعية دولية مسجلة في الأمم المتحدة.
وعلى أي كيانات راغبة بتفكيك الوحدة اليمنية والانفصال بالطرق السلمية، أن تصل باليمن أولا إلى حالة استقرار ثم القيام باستفتاء عام.
٣- شرعية الرئيس صالح بعد حرب ١٩٩٤
أطرف ما يمكن أن يصف شرعية صالح هذه هو ما قاله السفير العماني في جلسة قات بعد انتصار صالح وطرد نائب الرئيس علي سالم البيض.
قال أحد مشجعي الرئيس صالح لسفير سلطنة عمان:
"والآن، وبعد انتصار الوحدة اليمنية، إن شاء الله، تتم الوحدة بين اليمن وعمان"
رد السفير العماني:
"لا يا عمي… يفتح الله… بعدها سوف تأتون من صنعاء وأنتم تصيحون أنكم حماة الشرعية. "
عندما سمعت عن هذه المحادثة أو "المجابرة" في نفس الأسبوع وعلى بعد ٢٥٠ كم في تعز وفي جلسة قات، لم أقدر على كتم ضحكات وقهقهات عالية.
هذا للتسليم مني بأن كلمة الشرعية يمكن أن تكون "حقا أريد به باطل".
٤- الشرعية الدولية بناء على مخرجات الحوار الوطني
جاء ممثلو أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن الدولي إلى صنعاء وعقدوا اجتماعا فريدا غير مسبوق ثم أصدروا ضمانات بأنهم سوف يحمون شرعية الفترة السياسية الانتقالية التوافقية التي تنتهي عندما يتم كتابة الدستور بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وعقد انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية.
وبعدها تصبح الشرعية في اليمن هي الشرعية الدستورية.
٥- شرعية اليمن السعودية
قام الحوثي بانقلاب مسلح على الشرعية الدولية في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وأعلن قيام "شرعية السلم والشراكة" التي هي في الحقيقة شرعية "الغَلَبَة" والتنمر والعيفطة، والقضاء على شرعية الفترة الانتقالية، وإجهاض لعملية التوصل للشرعية الدستورية
قامت السعودية لإطلاق عاصفة الحزم في ٢٦ مارس ٢٠١٥ تحت إسم "التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية".
وقالت السعودية أن "أمن اليمن من أمن السعودية".
وهكذا أنا أيدت هذه الشرعية، والرئيس هادي، ولأول مرة أحد أدوار السعودية في اليمن.
ونعم، كانت هذه أول مرة أؤيد رئيسا يمنيا بالرغم من ضعفه الواضح.
نعم، كانت هذه أول مرة أؤيد فيها أي تدخل سعودي في الشؤون اليمنية الداخلية.
رابعا: الشرعية والمجلس الرئاسي
تمت الإطاحة بالرئيس هادي.
بالتأكيد كان الرئيس هادي فاشلا ولكن أداء كل دول تحالف دعم الشرعية كان فاشلا أيضا.
وتقلبات سياسات أمريكا نحو اليمن كانت فاشلة ومن أسباب فشل الرئيس هادي والإمارات والسعودية.
ثم قالوا: "أن المجلس الرئاسي هو الشرعية الجديدة لليمن."
حسنا، لكن هناك أربعة أعضاء مجلس رئاسة أو "نواب رئيس" كما يحلو لهم أن يسموا أنفسهم، يكرهون كلمة الشرعية.
هاتوا لي تصريحا واحدا لأعضاء مجلس الرئاسة الذين تصرف عليهم الإمارات يذكر فيها كلمة "الشرعية اليمنية" أو أنه يؤيدها"
وابحثوا في "جوجل"، وسوف تعثرون على تصريحات من دولة الإمارات أنها لم تأت إلى اليمن بغرض دعم الشرعية.
والآن، أنا أؤيد الشرعية ولكن أربعة أعضاء مجلس رئاسة والإمارات لا يؤيدون الشرعية.
والآن، منصب رئيس المجلس الرئاسي الحالي لا توجد معه قوة فعلية ولا مكانة اعتبارية لحماية الشرعية.
والآن، السعودية، التي خلقت شرعية الرئيس هادي ثم بعدها شرعية الرئيس العليمي قد كان معها خارطة طريق مع الحوثيين لوأد "الشرعية" وهي حية ولكنها مازالت في غاية الأهمية الحيوية لليمن سواء بشرعية أو بدون شرعية.
أهمية السعودية، كانت واضحة في دعم حكومة الشرعية قبل يومين بمبلغ نصف مليار دولار.
مقارنة أدوار الإمارات والسعودية واضحة وهي تصرف عشرات أو مئات الملايين من الدولارات على تشكيلات عسكرية لأربعة أعضاء مجلس رئاسة لدولة الشرعية لا يذكرون الشرعية وحتى لا يعترفون بها.
هل هناك اختلاف جوهري كبير بين موقف كل شخص عضو في المجلس الرئاسي وبين كل من المملكة السعودية ودولة الإمارات بشأن مصير اليمن؟
والوحدة اليمنية؟
وسلامة أراضي اليمن؟
والوصول إلى حالة الاستقرار في اليمن؟
الذي لا يعترف بالشرعية اليمنية الحالية، يعني أنه لا يعترف بعملية سياسية انتقالية سلمية.
أكبر واحد لا يعترف بالشرعية اليمنية بهذا المفهوم هو عبدالملك الحوثي والانفصاليون والمجلس الانتقالي ونصف أعضاء مجلس الرئاسة وبعض الجماعات الدينية ودولة الإمارات.
وبالتأكيد، فإن الذين تفاوضوا على خارطة الطريق بين السعودية والحوثية لا يكترثون لهذه الشرعية الحالية التي خلقتها السعودية.
خامسا: هل يمكن نقد الشرعية والرئيس والسعودية؟
الذي لا يريد هذه اليمن على علاتها وعللها وأمراضها— الشرعية والرئيس والسعودية— يمكنه الذهاب إلى الحوثي أو إلى تشرذمات الانفصال والمشاريع الصغيرة أو التمنيات بتكرار تجربة اردوجان والجولاني في سوريا داخل اليمن.
نحن نؤيد فكرة الشرعية.
نعم، نؤيد هذه الشرعية التي لن تستطيع أن تبقى على قيد الحياة لمدة ٢٤ ساعة إذا تخلت عنها السعودية.
ونؤيد أن يكون معنا منصب رئيس عملي حامي للشرعية.
نعم، نحن نؤيد هذا المنصب الضعيف ولكن نريده أن يكون منصبا قويا.
ونؤيد لأول مرة في حياتنا دورا للسعودية في اليمن الذي هو حماية هذه الشرعية.
ولكننا في دوامات حلقات متتابعة من الإحباط والآلام على مدى ١٠ سنوات.
ولكن نحن نرى أنهم ينزلقون باليمن إلى هاويات.
هل يمكن أن ننقد أو ننتقد الشرعية والرئيس والسعودية، من الداخل، بغرض لفت انتباههم؟
نحن ننتقد الشرعية لأننا داخل قلوبنا نشعر أننا نحن الشرعية الحقيقية.
خاتمة
مازال هذا جزء من المجهود الذي أحاول القيام به للتوصل إلى:
اليمن والسعودية في ٢٠٢٥.
ما الذي تريده السعودية من اليمن؟ وما الذي تريده اليمن من السعودية؟