;
أحمد موفق زيدان
أحمد موفق زيدان

زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة. "الحلقة الثامنة" 124

2025-01-03 02:06:28

كانت مع كل غارة جوية روسية أو أسدية لإدلب تزداد القناعة لدى سكان الشمال السوري المحرر الذين اعتادوا على مثل هذه الغارات، أن الصراخ على قدر الألم، وأن فجر الحرية بات أقرب من أي شيء، لاسيما وجحافل الثوار تتقدم على فلول الهاربين من عصابات أسد والمليشيات الطائفية المجرمة التي كانت تفرّ كالجرذان أمام تقدم الثوار، خالعة ثيابها وزيها، وهائمة على وجهها، ومعه يتقدم الثوار باتجاه شرقي حلب وشرقي إدلب لتطهير المنطقة من رجس هذه المليشيات التي دنّست الأرض وأرعبت البلاد والعباد لسنوات، وهو ما أمّن هذه المناطق من غدر غارات دباباتهم وقذائف صواريخهم ومدافعهم.

لقد غدا الطريق ممهداً إلى معرة النعمان، بل ومحمياً في الشرق بعد سيطرة الثوار على مطار أبو الضهور، والقرى والبلدات المحيطة بمعرة النعمان في دير شرقي حيث ضريح الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز والذي سنأتي على ذكره وزيارته في الحلقات المقبلة.

اتجهتُ يومها إلى مدينة حلب، فحلب قصدنا وأنت السبيل لأرى بأم عيني تلك المدينة التي لم يسبق أن زرتها كلها، باستثناء بعض أحيائها التي حررت عام 2012-2016، أما حلب الجديدة فقد حُرمت منها منذ أن زرتها في عام 1980 مع والدي رحمه الله، لتجدني طوال تلك الفترة مهاجراً ضد المقبور حافظ أسد، فكانت عودتي لسوريا كلها بعد 32 سنة من الهجرة والغربة، عودة ما كان لها أن تقع لولا فضل الله أولاً وأخيراً ثم انطلاق الثورة السورية المباركة.

دخلت مدينة حلب من طريق الأوستراد القادم من دمشق إلى المدينة الجميلة الصاخبة اقتصادياً سابقاً الوادعة الهادئة اليوم، حيث الدبابات المدمرة والألبسة العسكرية التي خلعها أصحابها تاركين إياها في الأرض كي يخفون هوياتهم، فشعارهم النجاة النجاة بالنفس. كانت المدينة واجمة خائفة مدهوشة مذهولة، حركة السير فيها كما علمنا ليست كالمعتاد، فالكثير قد التزم بيته، ومن خرج من بيته إنما يبحث عن ربطة خبز، فقد ربطت العصابة الأسدية مصير كل حلبي بربطة خبز أو بجرة غاز، إذ إن نصف وقت الحلبيين يقضونه في تأمين خبزهم، لكن ذلك كله بفضل الله بدأ يعود إلى حلب الإباء شيئاً فشيئاً.

كان كل همّي أن أشبع من رؤية مدينة حلب، وأنّى لي ذلك في يوم أو يومين، فضلاً عن ساعات، فهنا نهر قويق الجميل وعلى جنباته أشجار باسقة وارفة، تحكي قصة حضارة، وفي داخله طفت جثث الثوار بعد أن أوثقتها وقتلتها عصابات أسد والمليشيات الطائفية في يناير/ كانون ثاني 2013 والتي بلغ تعدادها 147 شخصاً، والظاهر أنهم اعتقلوا على مراحل وفترات متباعدة، ليتم العثور على جثثهم في هذا اليوم المشؤوم، وفي حي المشارقة الحلبي من قبل استشهد 83 على يد عصابات أسد في أول أيام عيد الفطر الحزين على حلب المصادف 11 آب / أغسطس من عام 1980، وتم دفنهم في مقبرة جماعية، وذلك لمجرد الاشتباه بأنهم من الإخوان المسلمين، وقد تراوحت أعمارهم بين 16- 72 عاماً.

تجولت في ساحة سعد الله الجابري وفي الحديقة العامة، وزرنا قلعة حلب التي تحكي قصة صمود أسطوري بوجه الطغاة والمجرمين، فأعمار الطغاة قصار، وصروح حلب باقية رغم أنوف هؤلاء الطغاة. لقد حوّلتها العصابات الأسدية إلى مقرات عسكرية خلال فترة احتلالاتها، كما حوّلت كل سوريا لنفس الهدف والغاية، من أجل قتل شعبها وتدميره وتحطيمه، حتى أتى اليوم الموعود برحيل وتكنيس هذه العصابات عن الشام وأهله، ولن تكتمل زيارة حلب إلاّ بزيارة المسجد الأموي الذي سعت العصابات الإيرانية الإرهابية إلى العبث بعمارته، ووضع بعض الأحجار واللمسات الفارسية في محرابه، ولكن لكل أجل كتاب، حيث وصل المجاهدون الأبطال وسط عملية الترميم، ليعيدوا أموية المسجد كما بني على حقيقته.

كان الإخوة في حكومة الإنقاذ ومؤسساتها التي بدأت تنتقل على عجل إلى حلب، خلية نحل حقيقية في السعي إلى إعادة الخدمات للمدينة، من كهرباء ومياه ومخابز، ومعها حماية المؤسسات الحكومية، وحتى أن الإخوة في الدفاع المدني " الخوذ البيضاء" الذين يحظون بسمعة قوية ورائعة في سوريا لدورهم المشهود طوال فترة الثورة السورية، منهمكين في تكنيس وغسل وشطف ساحة سعد الله الجابري، وعملية الغسل والشطف لها رمزيتها المهمة اليوم، حيث أن كل سوريا اليوم بحاجة إلى تكنيس وشطف أرضها وجدرانها مما علق بها من دنس ورجس الغزاة الداخليين والخارجيين على مدى 61 عاماً من حكم البعث اللعين.

عدنا في نفس اليوم إلى تفتناز الحبيبة، لنستعد ليوم حافل في زيارة معرّة النعمان وهي بلدة أبي العلاء المعري وأحمد الخضري وبلدة والد زوجتي الحبيب الدكتور محمد ديب الجاجي رحمه الله، والذي شغل لفترة مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في سوريا، والذي قلما أنساه في أيامي، فكيف لا أتذكره في هذه الأيام التي لطالما انتظرها، فرحمه الله ونوّر مرقده، وبلغه عنا هذا الأيام، أيام الله المجيدة التي فتح الله بها على الجيل الذي سعى إلى تربيته، وأعده لهذا اليوم الموعود.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد