استشهد محمد الضيف وأخيرا كانت هذه الخاتمة التي تليق به وبرفقائه.
هؤلاء يصنعون خاتمتهم برماحهم وينتزعونها بشموخ أرواحهم.
تختلف عندهم المعاني المألوفة للناس العاديين المتشبثين بالوهم والطين
فمعاني الحياة والموت والألم والفرح والحزن والقوة والضعف والنصر والهزيمة لها معاني مختلفة لديهم أو قل هي كما هي على حقيقتها ترتبط بجوهر الإنسان والروح وغاية الحياة، معاني لا يدركها إلا هم ومن يقتربون من دوحتهم المدهشة المعنونة بالحرية،
الحرية هي غاية الإنسان وكرامته.. وهي الرسالة التي جاء بها الأنبياء والرسل
ويبقى الأحرار هم المعبرون عن الإنسانية والناطقون الرسميون لبني آدم،
ولا أهمية للكثرة والمظهر، بل بالموقف والمعنى. وهؤلاء هم في كل زمان ومكان أبطال الروح وفرسان المعنى.
محمد الضيف الذي دوخ أكبر جيش وأعظم مخابرات مدعومة دوليا لمدة ثلاثين سنة يصول ويجول ويحدث الإنجازات في بقعة محاصرة بكل أجهزة القوة الدولية، وكأنه أسطورة يلبس طاقية الإخفاء ويحمل في قلبه قوة (وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون).
حتى أنجز ما عليه وحقق طموحه في حفر الذراع الأول لتغيير مجرى التاريخ.
كان يدرك هذا وكما قال هو (ليكن لنا السبق بتغيير مجرى التاريخ) ثقة راسخة يتحدث عن تغيير مجرى التاريخ كحقيقة لديه.

لقد شقوا مجرى التاريخ فعلا
وطوفان الأقصى ليس حادثة عابرة، بل ملحمة هي فوق طاقة التاريخ وخارج قوانين الصراعات لم يحدث لها مثيل في كل تفاصيلها وشخوصها مقاومة ومجتمع ومهما كان فلابد لهذا المجرى ان يصل مداه والمسألة مسألة وقت،
لا أحد بإمكانه أن يفسر بلغة المادة والأرقام صمود أهل غزة، وصلابة مقاومتها الصلبة وجاهزية المجتمع، الطفل والشيخ، الرجل والمرأة في كل الظروف والأوقات؟!
ومع كل هذا فقد انتصروا في كل الجوانب وانهزمت القوة الغاشمة التي تبكي اليوم بينما يقف طفلا فلسطينيا ويتحدث بلغة الضيف وبسالة السنوار كأنه القادم :
ان من حسن حظ إسرائيل أنني مازلت طفلا؟؟؟!
وفي الوقت الذي تهدد إسرائيل أحد الأسرى المؤبدين المفرج عنهم أن هو عاد للمقاومة بعد ٢٥ سنة سجن ليرد عليهم: بكل ثقة سأجعلكم تترحمون على السنوار،
والبقية تفاصيل على هامش الحدث العظيم
والمهم أنهم انتصروا أخلاقيا بالضربة القاضية وهذا ربما هو الإنتصار الأهم، فالقوة التي تحافظ على وهجها الأخلاقي يكون المستقبل لها مهما بدأت الأضعف والقوة التي تنهزم أخلاقيا تسد بوابة المستقبل وتفخخ وجودها من الداخل فتموت رويدا رويدا فتسقط بفعل السنن وقوانين البقاء مهما ظهرت قوية منتفخة كما سقطت الإمبراطوريات العظمى.
والتاريخ يكرر نفسه ويمر بنفس الطريق وذات المنعرجات.
الجبهة الاخلاقية تحمل شفرة البقاء وكلمة السر في الانتصار الحضاري
لم يبحث عن المجد الشخصي والخلود الزائف فقضية الحرية والتحرير لشعبه ومعنى الإنسانية الكريمة عنده أهم بكثير من الجانب الشخصي ليدخل باب الخلود الأبدي راكبا جناح الريح وصهوة البراق وأصبح ورفاقه تاريخا وروحا وأيقونات للأجيال،
لم يعد شخصا، بل معنى وقيمة وقدوة وتاريخ
سيمحى صورة واسم نتنياهو ولو بقى سيبقى ذكره كمجرم وستختفي كثير من الصور المعلقة والكراسي البائسة في وجه المعمورة الى مزبلة التاريخ ويغرقون في مستنقع غزة.
وسيبقى الضيف والسنوار والتاريخ ومروان عيسى ومن قبلهم وبعدهم أبطالا حفروا الميل الأول في مجرى التاريخ الذي سيتدفق نوره وطوفانه في المنطقة والعالم إيذانا بحقبة جديدة،
بعنوانها الإنساني المرتبط بالسماء..
ونشيدهم الخالد..
وللحرية الحمراء باب.. بكل يد مضرجة يدق.