ظهر لنا جلال الربيعي في خطابه من قاعة ليقدم رسائل، هي تلك الرسائل التي تعودنا عليها حينما تتكشف خفايا الاغتيالات التي تعرضت لها مدينة عدن، تلك الاغتيالات التي راح ضحيتها أئمة مساجد ورجال الوعظ والإرشاد، وعدد من رجال الأمن والمعارضين السياسيين، وآخرهم عشال، تلك الجرائم التي لا يرغب الربيعي في فتح ملفاتها، لأنها ستدين أولياء نعمته.
خطاب الربيعي أعاد لنا مشهد جمع الشماليين، وتحميلهم في سيارات نقل، وهو يقف ملوحًا بعصاه، مهددًا بخطاب مناطقي قذر يمس عدالة القضية، ويضر بالثقافة الإنسانية والأعراف القبلية، والشرائع السماوية، والقوانين الوضعية. خطاب يوحي بخطورة المؤامرة على البلد، والزج بها في معارك مناطقية طائفية، بشحن قذر بالكراهية والعنصرية، خطاب خارج النظام والقانون والمنظومة الأخلاقية التي وجد القانون من أجل حمايتها. لا معنى لقوانين وثقافة لا تحمي أخلاقيات المجتمع وأفراده، وحقهم في الحياة الكريمة، وحماية الحقوق والحريات، فالمذنب بريء حتى تثبت إدانته.
يثبت لنا الربيعي ومن هم على شاكلته أنهم أداة في مخطط قذر لإثارة النعرات المناطقية، لتفكيك وحدة المصير والهدف، واستهداف المشروع الوطني العادل، الذي لا يتوقف عند حدود جغرافيا، ولا عند أعراق وطوائف وأنساب، بل يمتد لتحقيق العدالة حيثما استطاع الوصول. هل يدرك مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"؟
كنا نتوقع من الربيعي أن يفضح لنا خفايا قصة اختطاف عشال، ويحدد مصيره، ليغلق ملف قضية أمنية هامة ما زالت محتقنة، وما زال ذوو عشال وضحايا الاختطافات يعانون الظلم والقهر، بغياب الحقائق المخفية وراء اختطاف ذويهم، وما زالت المطالبات مستمرة، والقهر ينخر المجتمع، وما زالت كرة الثلج تكبر وتتوسع لتنفجر في وجوهنا جميعًا، والربيعي يحاول أن يداري خيبته وخيبة أولياء نعمته بسيناريوهات لم تعد تنطلي على مجتمع قد شبّ عن الطوق، ويدرك خفايا الأمور.
عشر سنوات من السيطرة وما زلتم تحدثوننا عن مؤامرة الشرعية، والإرهاب الشمالي، والإخوان، حتى بعد أن صرتم جزءًا من تلك الشرعية، وانغمستم في فسادها، وأصبحت قيادتكم تستمتع بالفنادق والمنتجعات، طال غيابها وكبرت كروشها وامتلأت حساباتها بالعملات الأجنبية. هل يمكن أن تحدثنا عن حجم دخلك من الجبايات؟ أين تذهب إيرادات عدن ولحج وأبين؟ أم أنها أسرار المهنة ولا يحق لنا السؤال؟
أيها الربيعي، عليك أن تعرف أن تعز العز، هي من عزّت كل ضحايا أسلافكم، وفتحت ذراعيها لكل هارب من موت مجازركم، واغتيالات عصاباتكم. وهل تابعت كل تلك الفضائح، حتى ترمي بلوتك على تعز، ومؤسسات الشرعية، والأمانة العامة لمجلس الوزراء؟ واعترافات التعذيب بالكهرباء؟ كم مظلوم قُضي في سجونكم وتمت تبرئته من قاضٍ عادل؟ والصحفي أحمد ماهر حالة من حالات لا تعد ولا تحصى.
أيها الربيعي، حينما كشف المناضل الفذ أحمد الميسري خلية اغتيال الراوي، أعلنت نفيرًا، انتهى بالسيطرة على ملفات القضية، وإخفاء الأدلة التي تدين أولياء نعمتكم، وانتهى النفير حيث لا جنوب. وهكذا واجه رئيس الوزراء بن دغر صلفكم على مواقفه الوطنية، وقراره بعمل موازنة توقف نهب الإيرادات، واليوم شعرتم بخطر فتح ملفات فساد تورطكم وتورط أولياء نعمتكم، وكشف خلايا الاغتيالات في عدن، بمحاكمة خلية الضالع، لتجروا المعركة بعيدًا عن ما يدور بغباء، الشعب صاحٍ وواعٍ لكم، وما زال السؤال المهم: أين عشال؟
* يمن مونيتور