;
يوسف الدعاس
يوسف الدعاس

قراءة في مسار التحولات للمقاومة الفلسطينية... غزة أنموذجاً 1914

2012-11-29 03:42:02


تقدم ملحوظ وجاهزية عالية تسطر بطولات عظيمة اليوم في قطاع غزة تعيد صياغة مستقبل جديد للقضية الفلسطينية روادها أبطال المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها التي انصهرت مسمياتها وذابت تشكيلاتها في بوتقة الصمود والمقاومة والتحدي للهمجية الصهيونية التي دأبت على العربدة المستمرة خلال مسيرتها الممتدة لأكثر من 60 عاماً هي عمر القضية الفلسطينية دون رادع أو مانع.
ولأنه طيلة الأعوام السابقة الممتدة منذ عام النكبة 48م حتى اليوم وجد الكثير ممن يدعي بأنه حامل لواء المقاومة وممثل لمحور الممانعة والصمود أمام الاحتلال الإسرائيلي بدءاً من فصائل التيارات القومية في الداخل الفلسطيني وفي المحيط العربي،مروراً بالأنظمة (العراقي) سابقاً، والسوري والإيراني فيما بعد، جعل المراقبين والمعنيين بالقضية الفلسطينية تائهين في فهم وسبر أغوار واقع القضية المحورية ومعرفة المتبني الحقيقي والصادق في التوجه لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولأن التشرذم والإنقسام العربي وصل إلى أدنى مستوياته لدرجة لم يعد يوجد وصف دقيق للمرحلة الحالية للزمن العربي الملوث سوى مقولة وزير الخارجية القطري في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة مؤخراً: (هم ليسوا ذئاباً ولكننا صرنا نعاجاً)، وهذا بحق أصدق وصف للحالة العربية المزرية.
ولأن المصاعب والتحديات والمعوقات التي فرضت على الفلسطينيين كانت أكبر من حجهم، فقد قذفت بهم المتغيرات إلى العراء ولم يجدوا بداً من البحث عن حاضن رئيسي وداعم رسمي يشكل أرضية للإنطلاق ويكون سنداً في مواجهة العدو الاستراتيجي المدعوم أمريكياً وأوروبياً بغطاء من المجتمع الدولي، إلى أن وجدت بعض الفصائل الفلسطينية كحركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)،وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (يسار)، في بعض الأنظمة حاضناً وداعماً ولو لفترة مؤقتة كأنظمة (العراق سابقاً) و سوريا وإيران مما جعل قرارات المقاومة مرتهنة بشكل أو بأخر وغير مستقلة بشكل كامل لاشتراطات وضغوط الدول الداعمة التي لا بد من أن تؤثر على القرارات فيما بعد ولنا عبرة في أزمة الخليج العربي في العام 1990م حين انحازت حركة فتح ممثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى جانب النظام العراقي في غزوه للكويت وهو ما أثر سلباً على تعاطف ودعم الحركة وقيادتها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
نفس الأسباب تسحب نفسها اليوم على واقع الفصائل الفلسطينية بعد ذلك بلا استثناء لأن الدول وان أبدت مبدئياً مواقف مؤيدة للجهة التي تستضيفها إلا أن هذا الفصيل أو ذاك لا بد أن يدفع ثمن ذلك الدعم ولو المحدود وهو ما باتت تستشعره الفصائل الفلسطينية وبالتحديد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في تمردها عن الانصياع للنظام السوري في مواجهة الثورة السورية في الداخل وهو ما باتت حماس تدفع ثمنه اليوم من قياداتها وخيرة كوادرها بعد أن كسبت موقف الشعب السوري واستعادة قرارها وهو ما نراه اليوم من تقدم في الميدان وهذا ما يعود عليها بالمكاسب الآنية والإستراتيجية على المدى المتوسط والبعيد.
ولأنه لكل نظام أوراقه ومصالحه التي يعمل على اللعب بها واستخدامها متى ما دعت الحاجة إليها دون أخذ بالاعتبار القيم والمبادئ التي ينادي بها ويتخذها شعارات له ولنا بالماضي القريبة عبر كثيرة تؤكد لنا هذه الحقائق.
ففي سوريا مثلاً النظام المستضيف سابقاً لفصائل المقاومة الفلسطينية (حماس، والجهاد، والجبهة الشعبية) ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي السورية لم يحرك ساكناً تجاه المجازر التي ارتكبتها في لبنان حركة أمل (أفواج المقاومة اللبنانية) والمنبثق منها حزب الله لاحقاً بحق الفلسطينيين اللاجئين هناك رغم نفوذ الجيش السوري حين ذاك في لبنان في الثمانينات، وهذا النظام نفسه ارتكب من المذابح ضد الفلسطينيين في أراضيه في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ما يندى له جبين الإنسانية وجرائمه مستمرة وممتدة حتى اليوم تجاه اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى ارتكابه مجازر مروعة في حماة بحق أبناء الشعب السوري وقمعه لثنيه عن ثورته والذي وصلت أرقام ضحاياه أكثر من (50) ألفاً من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى والمشردين والمبعدين والمعتقلين والمخفيين قسرياً لدرجة تفوق جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ 48 م حتى اليوم بحق الفلسطينيين والعرب رغم آلته العسكرية الرهيبة والمتقدمة.
وتقول إحصائيات فلسطينية موثقة بأن عدد الشهداء الفلسطينيين في سوريا منذ بداية الثورة السورية حتى اليوم بلغت أكثر من (460) شهيداً فلسطينياً بنسبة 2% من إجمالي شهداء الثورة السورية بنيران قوات النظام الأسدي وشبيحته بالاستهداف المتواصل بالقصف على مخيمات اللاجئين بطريقة متعمدة وإلصاق التهمة بالتنظيمات الإرهابية التي يزعم بأنها تنطلق من داخل هذه المخيمات وتارة بأن من يستهدفها هي حركات متشددة وهو ما يحاول النظام السوري جاهداً إدخال اللاجئين الفلسطينيين على خط الأزمة لخلط الأوراق ولحشرهم في التخندق معه والقتال في صفه كما هو حال حزب الله والحرس والثوري الإيراني والشبيحة المنتميين لجماعة الحوثيين في اليمن.
تحدث أحد ممثلي النظام السوري في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة حين سأله المذيع عن أسباب إغلاق مكاتب حركة حماس في دمشق بالشمع الأحمر رد بالقول: بأن حماس تنوي المتاجرة بالقضية الفلسطينية وبتبتاع وتشتري بها كونها رفضت الإنصياع للنظام في تأييده بجرائمه بحق الشعب السوري والتدخل في الشأن الداخلي السوري، مما استدعى حلول غضب النظام البعثي ضد الحركة الذي دأب على المتاجرة بالقضايا القومية العربية وأولها القضية الفلسطينية مع أن حماس لم تبدي أي تصريح رغم ما تتعرض له من ضغوط ولم تغادر الأراضي السورية إلا بعد أن وصل عدد شهداء الثورة السورية (4800) شهيد سوري لدرجة لم تستطع تحمل المضايقات ومحاولة جرها لدخول معترك الأزمة السورية وهو ما دفع برئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية إلى التنديد باستهداف المخيمات الفلسطينية وتحييد الفلسطينيين عن الدخول في خط الأزمة ولكن تصريح الشيخ رائد صلاح حينها كانت أكثر وضوحاً بتصريحه الشهير بالقول: (إن السلاح الذي يقتل الفلسطينيين اليوم في سوريا هو نفس السلاح الذي قتلهم في السابق) في إشارة إلى المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وفي الواقع اليوم الشعب السوري يواجه نظاماً قمعياً مجرماً تفوق على نظيره الصهيوني بالوحشية؛ إذ أن حصيلة العدوان الصهيوني على قطاع غزة لمدة (7) أيام متتالية بلغت حتى يوم الثلاثاء الماضي: (138) شهيداً فلسطينياً بينما يسقط في سوريا شهداء من الشعب السوري كل يوم أكثر من (150) شهيداً في مفارقة عجيبة لنظام المقاومة الذي يذبح الشعب باسم الممانعة للاستمرار والبقاء على سدة الحكم وسنكمل بقية القراءة في الجزء الثاني من المقال. 
وتتداول معلومات فلسطينية مؤكدة أن التصعيد والعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وراءه معلومات سرية وخرائط رصد دقيقة لأماكن وتحركات قيادات المقاومة في غزة ظلت عصية على جهاز الموساد لفترات طويلة، وبأن هذه المعلومات مصدرها المخابرات السورية بعد خروج قيادات حماس وكوادرها من سوريا لتسديد ضربات انتقام من قادة المقاومة وهو ما بدا واضحاً من التشفي العلني على قنوات ومواقع النظام السوري بالمقاومة الفلسطينية وحماس تحديداً بعد العدوان الإسرائيلي.
تعود بنا الذكريات إلى وقت سابق حين أغتال الموساد قائداً أمنياً كبيراً من حركة حماس في قلب العاصمة السورية دمشق وكيفية تمكنه من الوصول إلى هذا القائد في عقر نظام الممانعة واحتمال تورط المخابرات السورية للمقايضة بأوراق سيتم الكشف عنها لاحقاً، وهذه التصفيات القذرة ليست حكراً على النظام السوري فقط وإنما هناك نصيب للنظام الإيراني، حيث تشير معلومات إلى وقوف المخابرات الإيرانية وراء تسهيل عملية اغتيال القائد الحمساوي محمود المبحوح في دبي والتي تنشط فيها المخابرات الإيرانية تحت غطاء الاستثمار ورجال الأعمال بعد أن التقى بعنصر من الحرس الثوري الإيراني سلمه تأشيرة دخول للصين بمزاعم وجود صفقة سلاح ليتولى تهريبها إلى المقاومة في غزة ليتم اغتيال المبحوح بعد اللقاء بساعات وورقة مقايضة القائد المبحوح استخدمها النظام الإيراني بعد أن سلمت المخابرات الباكستانية بتواطؤ استخباراتي غربي زعيم حركة جند الله السنية عبد الملك ريغي المعارضة للنظام الإيراني الذي عجز عن الوصول إليه، فكانت ورقة المبحوح مقابل عبد الملك ريغي.
هناك الكثير من الوقائع التي تثبت مزايدة نظام محور الممانعة بتبنيه للقضية الفلسطينية وهو من يقتل الشعب الفلسطيني والشعب السوري في آن واحد وبأن الشبيحة والمرتزقة الذين يعملون مجرمين ومستأجرين لا يمكن أن يكونوا في يوم من الأيام مقاومين يقارعون الاحتلال في فلسطين، وهذا النظام هو من وفر الأمن الشديد للحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان ولم يطلق حتى رصاصة واحدة تجاه العدو الذي يحتل أرضه ولم يقتل جندي إسرائيلي واحد وهنا تكمن المصلحة الإستراتيجية الإسرائيلية في استمرار بقاء نظام الأسد في سوريا كونه لا يشكل أي خطر على الكيان الغاصب.
من جانب آخر حين نعود قليلاً إلى الوراء وتحديداً إلى حزب الله اللبناني ونتذكر الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 206م كيف كان السيناريو المرسوم من قبل حزب الله، حيث اصطنع معركة وهمية مع العدو بأن اقبل على استهداف دورية إسرائيلية على الحدود لترد إسرائيل بهجوم واجتياح بري للأراضي اللبنانية أدى إلى تدمير البنية التحتية للجنوب اللبناني بالكامل من أجل إظهار بطولات زائفة لحزب الله وسرعان ما كشف عن أهدافها الحقيقية من تلك الحرب وهو النزول للشارع وإسقاط الحكومة بالاعتصام لمدة سنة ونصف ليستحوذ على مقاعد البرلمان والحكومة بالأغلبية .
وحين يتمسح حسن نصر الله بالمقاومة الفلسطينية في غزة بعد أن رأى الصواريخ الفلسطينية لأول مرة تصل إلى تل أبيب وإيلات وتصيب العمق في الأراضي المحتلة وهو المدعوم بقوة من إيران وأقوى بكثير من المقاومة الفلسطينية لم يرسل حتى قذيفة واحدة باتجاه الأراضي المحتلة ونتذكر حين كان العدوان على قطاع غزة في العام 2008 م عندما أطلقت قذائف من الجنوب اللبناني تجاه إسرائيل سارع حزب الله في إصدار بيان بعدم مسئوليته عن هذه القذائف وبأنها مجرد طلقات طائشة في حين كان الجميع منتظر موقفاً من حزب الله يما يثبت بأن صواريخ حسن نصر الله الكلامية لم تصب ذبابة في إسرائيل.
غزة اليوم بكافة فصائلها المقاومة وصواريخها المحلية الصنع في طريقها للانتصار وصنع تاريخ جديد للأمة بأيدٍ فلسطينية خالصة ولا منة للمزايدين ممن يتباكون على القضية الفلسطينية ليتاجروا باسمها بالمحافل الدولية.
غزة اليوم تنتصر بجاهزيتها واستعداداتها وهي غير غزة الأمس بعد أن نفضت عن نفسها غبار الاعتماد على ما يسمى محور الممانعة والمقاومة المزعومة، وبعد أن خلعت رداء الاتكال على أحد سوى الله تعالى القائل: (وما النصر إلا من عند الله)، وهي من تكافأ اليوم بالنصر القادم الذي تلوح بشائره بالأفق بعد أن عجزت الجيوش العربية مجتمعة عن الصمود لأيام أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية ولم تسقط حتى مجرد طائرة ورقية.
حقا لغزة أن تفخر وتفاخر اليوم بعد أن وجدت كنفاً وملاذاً آمناً في الشعوب العربية والإسلامية وبعض الأنظمة الصديقة كالنظام التركي والقطري والمصري والتونسي بعد أن امتلكت زمام قرارها بانعتاقها من كنف الأنظمة الظالمة والمستبدة والطائفية , ولتعود القضية الفلسطينية إلى عمقها الاستراتيجي العربي والإسلامي ولتعيد غزة القضية الفلسطينية إلى الصدارة، وهنا أجيب على تساؤل سابق لأحد الزملاء هل سيخضر الربيع العربي في فلسطين؟، لأجيبه بكل ثقة نعم عزيزي بكل ثقة، نعم سيكتمل الربيع العربي في غزة ورام الله والقدس وحيفا وعكا وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة قال تعالى: (ألا إن نصر الله قريب).

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد