;
مروان المخلافي
مروان المخلافي

كن متفائلاً وإن خانك الدينار!! 1379

2014-06-15 18:40:13


في هذه الدنيا وعلى جميع مستوياتنا وصفاتنا ما منا من أحد إلا وقد يصاب بقليل من يأسها ، وقد يطاله شيء من دخان قنوطها ، وبعضنا من شدة تشاؤمه يصير التفاؤل لديه ضرباً من ضروب المستحيل نظراً لسكون الشؤم في عقله وقلبه ووجدانه وتلبسه من أخمص قدميه وحتى شعر رأسه، والبعض ممن فتح الله عليهم في فترة من فترات عيشهم وأغدق عليهم بالمال, إذا خانه الدينار وأصيب بنكسة جاءت على ما بيديه من المال, أشرع أبواب حياته لليأس والقنوط والنكد, فيقضي بقية حياته في مثل هذا الضلال المزعجة والتي ستصاحبه – كنتيجة طبيعية - طالما بقي التفاؤل في عقله ووعيه مجرد فلسفة لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولا تعيد له مالاً ذهب، أو ملكاً نفد، كما يظن .

ومثل هذه الحال يصورها الشاعر بقوله:

صغيرٌ يشتهي الكبرا**وشيخٌ ودَّ لو صَغُرا

وخالٍ يبتغي عملاً**وذو عملٍ به ضَجِرا

وَرَبُّ المالِ في تعبٍ**وفي تعبٍ من افتقرا

ويشقى المرءُ مهزوماً**ولا يرتاحُ منتصرا

و ذو الأولادِ مهمومٌ **وطالبهم قد انفطرا

و مَنْ فَقَدَ الجمالَ شكى**وقد يشكو الذي بُهرا

فهل حَاروا مع الأقدارِ**أم هل هم حَيَّروا القدرا ؟

ولا أقول إن مثل هذه الحالات وشواهدها في الحياة هي الحال السائدة لهذه الدنيا ، بل على العكس فهي أبعد ما يكون التدخل لها في أحوالها ، أما لماذا؟، فلأن الإنسان هو مدار الحال فيها ولا أحد سواه، فهو من يرتضي العيش فيها قانطا أو متفائلا، يائسا أو منتشيا، نكديا أو رضيا ، وما يهمنا هو القول إن ثقافة القنوط واليأس ثقافة غير مجدية في كل الأحوال، دع شيئا من اليأس يتسلل إلى قلبك، ودع قليلاً من القنوط ينفذ إلى روحك، ولكن لا تدعهما يأثران عليك وعلى مسار حياتك، فلن يطيب خاطرك وهما الحاديان لك في حياتك.

اليوم تشير كثير من الدراسات العلمية والاجتماعية إلى أن للتفاؤل دوراً كبيراً في رفع مستوى السعادة وتحقيق الطموحات، وأرقى الأمنيات، على الرغم من أنها أمور محسوسة وموجودة وصعبة القياس، لأن تفاؤلنا، وتوقع سير حياتنا بشكل إيجابي, سيمنحنا نتائج أفضل ومكاسب أكبر مصداقاً للقول المأثور "على نياتكم تُرزقون".

وفي المقابل حين تترك نفسك عرضة لليأس والإحباط والانكسار ستتحقق أسوأ مخاوفك على أرض الواقع وقد تصبح مثالاً لسوء الظن بالله, كما جاء في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي".. فكلما آمنا بالفوز والنجاح تهيأت الظروف من حولنا لتحقيق ما نريد، وكلما شعرنا بالتخاذل والتراجع والانهزامية واجهتنا عراقيل وعقبات لم تخطر لنا على بال!.

شخصيا أعرف شخصا يعيش في مثل هذه الضلال متفاءل بطبعه ، إيجابي التفكير، هادئ الطبع ، وقعت له ظروف قاهرة لو تحملها غيره لشاب شعر رأسه في سنة ، ما يميزه أنه دائم الصلة بالله عز وجل ، إذا تكالبت عليه الملمات هرع مستنجدا بالله ومستغيثا به، صاحب عين دامعة ، على الرغم مما حصل له كان فرج الله مصاحب له ، ولا يكاد يفارقه ، يعيش بيننا ولا تكاد تعرف منه الوجل مما يمر به من ظروف ، يبهرنا أمر تفاؤله وعبارته التي لا تفارق لسانه " خليها على الله "..

إن السعادة والبؤس - لمن لا يعلم كما تقرر ذلك وقائع الأيام ، وشواهد الحياة - ما هي إلا مشاعر مؤقتة قد تتغير خلال ساعات، أما التفاؤل فاطمئنان دائم واعتقاد راسخ بأن ما سيأتي أفضل وأجمل، وحين تكون متفائلا لن ترجح لديك فقط كفة السعادة، بل وستتحسن صحتك ومستقبلك ومتوسط عمرك، وعلاقاتك الاجتماعية، كيف لا؟ وقد أثبتت الدراسات أن 40% من الأمراض ترتبط بحالتنا النفسية، ومزاجنا الخاص، هذا بالإضافة إلى أن قانون الجذب يؤكد بأن حظوظنا في الحياة ترتفع بارتفاع مستوى تفاؤلنا ونظرتنا الإيجابية.

 ولقد أصبح مؤكداً أن المتفائلين يعيشون لعمر أطول وصحة أفضل وتتحسن علاقتهم بالناس حولهم، كون التعامل الإيجابي وحسن الظن, إحدى النتائج المتوقعة، وفي ذلك كله إشارة إلى أن الأمر قد تجاوز مرحلة النصائح النظرية إلى الحقائق العلمية التي تثبتها الدراسات الميدانية؛ فالأطباء مثلا يعرفون من واقع خبرة؛ أن المتفائلين يشفون بسرعة أكبر من المحبطين أو اليائسين الذين يعانون من نفس الأمراض، واليوم أصبح مؤكدا أن النظرة الإيجابية تحسن جهاز المناعة بنسبة لا تقل عن تأثير "البلاسيبو" أو الوهم الحميد "الذي أصبح محسوما ومحسوبا في عالم الطب"..

 وفي المقابل لا يثبط اليأس جهاز المناعة فقط، بل ويؤثر سلباً في القلب وإفرازات الغدد وسعة الرئتين ومستوى النشاط البدني، أضف لهذا أن عيشك متفائلاً يترافق غالباً مع حرصك على الحياة بطريقة صحية فتصبح أكثر حرصاً على ترك التدخين، وممارسة الرياضة، وتحاشي الأطعمة السيئة، وفعل كل ما من شأنه الحفاظ على صحتك ورفع متوسط عمرك.

وكل هذه الحقائق يمكن التعبير عنها بالنسب المئوية, فالمتفائلون يرتفع لديهم مستوى المناعة حتى 40% ، ويستفيدون من العلاج أكثر من غيرهم بنسبة 30%، وتنخفض لديهم أمراض القلب بنسبة 9%، في حين لا يعود 77% منهم للمستشفى بعد أي عملية جراحية، كما يتمتعون بضغط منخفض بخمس نقاط في المتوسط، وفي الإجمال؛ يعيش المتفائلون أطول من غيرهم بمتوسط 9,5 أعوام، ولاحظ أن هذه كلها متغيرات طبية ثبت وجودها من خلال المسوح الإحصائية في حين تتبقى متغيرات معنوية ومشاعر داخلية..

ومضة:

من قصيدة مدرسة الحياة للشاعر الكبير البردوني:

ماذا يريد المرء ما يشفيه       

يحسو روا الدنيا و لا يرويه

و يسير في نور الحياة و قلبه    

ينساب بين ضلالة و التيه

و المرء لا تشقيه إلاّ نفسه      

حاشى الحياة بأنّها تشقيه

ما أجهل الإنسان يضني بعضه 

بعضا و يشكو كلّ ما يضنيه

و يظنّ أن عدوّه في غيره       

و عدوّه يمسي و يضحي فيه

غرّ و يدمي قلبه من قلبه        

و يقول : إن غرامه يدميه

غرّ و كم يسعى ليروي قلبه     

بهنا الحياة و سعيه يظميه

يرمي به الحزن المرير إلى الهنا        

حتّى يعود هناؤه يرزيه

و لكم يسيء المرء ما قد سرّه  

قبلا و يضحكه الذي يبكيه

ما أبلغ الدنيا و أبلغ درسها      

و أجلّها و أجلّ ما تلقيه

و من الحياة مدارس و ملاعب 

أيّ الفنون يريد أن تحويه

بعض النفوس من الأنام بهائم   

لبست جلود الناس للتمويه

كم آدمي لا يعدّ من الورى     

إلاّ بشكل الجسم و التشبيه

يصبو فيحتسب الحياة صبيّة     

و شعوره الطفل الذي يصبيه

***

قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى

ما قيمة الإنسان ما يعليه

واسمع تحدّثك الحياة فإنّها       

أستاذة التأديب و التّفقيه

وانصب فمدرسة الحياة بليغة   

تملي الدروس و جلّ ما تمليه

سلها و إن صمتت فصمت جلالها       

أجلى من التصريح و التنويه

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد