;
محمد علي محسن
محمد علي محسن

مها مامو" غصة وحرقة وألم!! 1372

2017-09-30 19:35:17

خلال ثلاثة أيام فقط، قدر لي متابعة قصص إخبارية عدة، جل هذه القصص المأساوية وقعت هنا، في بلداننا العربية المتشاركة أنظمتها جميعاً في اضطهاد واستعباد واحتقار آدمية الإنسان، وبشكل سافر ووقح وبشع، ولكأنما العنصرية المقيتة ولدت وترعرعت في هذا المسمى مجازاً "الوطن العربي".
فحيثما وليت وجهك، ناحية الإعلام الحر المتحرر من ربقة الممنوعات والمحظورات والخطوط الحمر؛ فإنك لن تعثر إلَّا على صورتنا البائسة الفاطرة لضمير الإنسانية، وما يزيد الحالة سوءاً ودمامة هي أن هذه الانتهاكات ضحاياها لاهجة بلغة الضاد، وممن يفترض انهم مواطنون بحكم انتمائهم ل 23 إقطاعية عبودية.
للأسف لا أحد يمكنه التساؤل عن جدوى جامعة عربية أو عن إنجازاتها المحرزة على صعيد احترام إنسانية الإنسان العربي المنتهكة آدميته وكرامته وفي كافة الدول العربية، ودونما محاولة جادة لوقف تلك الانتهاكات الفظيعة والبشعة ومنذ تاريخ إعلان الجامعة في سبتمبر 1945م.
نعم، سأكتفي هنا في سرد قصة الفتاة الجميلة "مها مامو" وشقيقيها وعائلتها، ودونما إضافة أو تحوير، بل والتزم حرفيا ومثلما روت مها مأساتها لقناة "بي بي سي العربية"..
فمأساة "مها" أنها قضت 29 عاماً من عمرها، بدون هوية، بدون وثيقة ولادة، بدون جواز سفر، المهم بدون أي وثيقة رسمية تثبت من هي؟ فبرغم أنها ولدت لوالدين سوريين، أب مسيحي وأم مسلمة، وولادتها كانت في لبنان البلد العربي الشقيق والجار لسوريا، ومع ذلك وجدت ذاتها بلا هوية سورية أو لبنانية.
كيف حدث ذلك وفي بلدين عربيين مترفين بالخطاب العروبي القومي؟ فبسبب أن القانون السوري لا يعترف بالزواج المختلط، كما ولبنان البلد العربي قانونه لا يمنح الجنسية لمن يولد على أرضه؛ وجدت "مها" نفسها بلا وطن، ولو كان هذا الوطن عبارة عن وثيقة ميلاد أو بطاقة هوية أو جواز سفر.
طبعاً، لم تستطع الالتحاق بالمدرسة في لبنان نظرا لافتقارها لأوراق إثبات شخصية، ولولا ظروف الحرب الأهلية حينها في لبنان لما تمكنت الأم من إدخالها مدرسة ارمينية وافقت على استقبالها هي وشقيقها.
كان حلم "مها" أن تكون طبيبة، إلا أن الجامعة الوحيدة التي وافقت على قبولها ليس فيها تخصص الطب، ما أدى بها مجبرة على دراسة تخصص نظام المعلومات الإدارية، ومن ثم درست الماجستير في إدارة الإعمال.
ومع ما اجترحته الفتاة وعائلتها المنكوبة من معجزة التعليم والبقاء وفي ظروف قاهرة وقاتلة، كان الاستمرار في لبنان مهمة شبه مستحيلة، خاصة بعد ان أوصدت الأبواب أمامها، وحين انتقلت إلى الحياة العملية، فلم تحصل على رخصة قيادة سيارة، أو دفتر توفير، أو رقم حساب في البنك، ناهيك أنها لم تستطع العمل أو الانتقال في وسائل المواصلات أو حتى المستشفيات التي رفضت استقبالها هي وشقيقيها.
طرقت أبواب المسؤولين، فبعثت بقصتها إلى رئيس لبنان عبر البريد الالكتروني، وكذا إلى الوزراء والجهات والجمعيات التي يمكنها مساعدتها وعائلتها، إلا أنها جهودها تلك ذهبت أدراج الرياح.
وعندما تبدد أملها في لبنان وسوريا؛ توجهت للبحث عن حل لمشكلتها وأفراد أسرتها، فقامت بإرسال قصتها الى كافة سفارات العالم، والبلد الوحيد الذي تجاوب مع قصتها هو البرازيل ولأسباب تتعلق بالأزمة السورية وليس لأنها وشقيقيها لا يمتلكون أوراق إثبات شخصية.
وأخيراً أبتسم الحظ لمها وشقيقيها، إذ تقرر سفر ثلاثتهم الى البرازيل، البلد الذي يجهلون لغته وثقافته وتقاليده، ولكم تخيل ماهية الأفكار والهواجس والأسئلة التي انتابت الأشقاء الثلاثة قبيل رحلتهم المقررة إلى بلاد في أميركا اللاتينية؟ فما من أحد منا يحتمل مجرد التفكير بالانتقال إلى مدينة أو محافظة أو بلاد لا يعرف أين سيقيم فيها وكيف سيكون حاله هناك؟؟.
استقبلتهم "إميلين" الفتاة البرازيلية وعائلتها في منزلها، وبعد عامين وعشرة أشهر على وصولها إلى هناك باتت لا تطيق فراق "إميلين" شقيقتها التي لم تنجبها أمها، ويحسب لها استضافتها وشقيقاها وفي ظرفية قاسية ومريرة.
ومن أصعب ما واجهته "مها" بعد وصولها إلى البرازيل هو إيجاد وظيفة عمل، وكانت محظوظة بوجود مالك مزرعة أسمه "فابيو بنتو ودا كوستا" الذي عملت في مزرعته منذ عام ونصف، في تصدير الحيوانات الحية إلى كل أنحاء العالم، وهي وظيفة رغبت العمل بها.
أول وثيقة حصلت عليها "مها" بكونها لاجئة في البرازيل وهي الوثيقة الأولى التي تعرف باسمها وصورتها، وبرغم فرحتها العارمة بحملها هوية اثبات شخصية، إلا أن جذلها لم يخف حزنها العميق على فقدانها لشقيقها الوحيد في حادثة قتل مروعة، فبقدر ما أعطتها البرازيل وجودا وهوية، كانت قد أخذت منها شقيقها أعز إنسان لديها، أثر طلقة رصاص عصابة مسلحة ونالت من مهجة شقيقها الذي كل ذنبه انه لم يفهم لغة البلاد أو أن بحوزته محفظة نقود أو ساعة يد.
 "مها " أرادت أن تصل قصتها المؤلمة الموجعة إلى ضمير الإنسانية جمعا، روت قصتها بينما هي وشقيقتها وصديقتها في المطار وفي استقبال والدتها الواصلة إلى البرازيل، ففي مشهد تراجيدي إغريقي احتضنت الأم المكلومة الآتية من وطني الحزن والوجع "سوريا ولبنان" ابنتيها المكلومتين بفقدان وطن وشقيق.
الأمم المتحدة نشرت قبل عامين قائمة تضمنت الدول التي يوجد بها نحو عشرة مليون إنسان بدون وثيقة هوية حول العالم، وذكرت دولا تجاوزت العشرة آلاف إنسان دون هوية، ومن هذه الدول أوردت بعض الدول العربية، وكان عدد هؤلاء في سوريا 160 ألف إنسان، الكويت 93 ألف إنسان، السعودية أكثر من 50 ألف إنسان، العراق 60 ألف إنسان، لبنان أكثر من 10 آلاف إنسان وهكذا دواليك من الأرقام المرشحة أن تكون أكثر وأكبر من إحصائية الأمم المتحدة.
حين انتهت قصة "مها" تذكرت قصة الطفلة الأوغندية التي منحت الجنسية الكندية ولمجرد ولادتها في طائرة كانت قد عبرت الأجواء الكندية عام 2009م.
مؤسف للغاية ما يحدث في هذه البلدان التي لم ترتق يوما لمصاف الحضارة الإنسانية ولا لرسالات السماء او لأنبياء الله المبشرون بالعدل والسلام والإخاء والمساواة والكرامة الإنسانية، ويزيد وجع الإنسان أن كل هذا يحدث في أوطان العرب الحاضنة لتلك الرسالات وتلك النبوءات التي غمرت الإنسانية بقيم ومثل ومبادئ وأخلاق إنسانية عظيمة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد