;

من عيون المجهر .. طالبان اليوم ليست طالبان الأمس 873

2007-08-19 14:35:59

علي عبد الله الدربي

ALIALDRBI@MAKTOOB.COM

إن المتتبع لخطى الحركات الإسلامية قي الآونة الأخيرة وخصوصاً بعد أحداث 11سبتمبر يجد فيها تغيراً كبيرا وتحولاً فكرياً عما كانت عليه من قبل الأحداث.

وبغض النظر عن مدى ذلك التحول وعن ماهيته من جماعة لأخرى إلا أن التحول بحد ذاته- وأجزم أنه - طارئ على كل الجماعات الإسلامية.

وإن حديثي في هذا المنبر سيخص التحول الطارئ على الحركة الأولى المتضررة من هذه الأحداث وهي حركة طالبان بل إنها كانت المستهدفة الأولى وليست الآخرة.

فطالبان اليوم ليست طالبان الأمس :

مع أن الحركة هي واحدة وبنفس الاسم والمسمى وقياداتها هي تلك لم تتغير وتتبدل إلا بعامل الموت أو الأسر. بل إن الظروف التي ساعدت على قيام الحركة ابتداء هي نفس الظروف التي أعادت الحركة إلى مسارها والى مجتمعها ثانياً أو أنها تتشابه كثيراً.

ولولا وجود العدو الخارجي لكان انتشارها بنفس السرعة التي انتشرت بها أول مرة.

إن غياب الأمن والاستقرار والعدل هي الظروف الرئيسية لقيام هذه الحركة أولاً وثانياً.

فها هي طالبان بنفس الجسد تعود اليوم ولكن بلباس جديد وإن صح التعبير بلباس عصري أو يتماشى مع العصر من حيث النظرية والمنهج.

فطالبان التي جاءت بالسيف والسنام جاء معها الأمن والاستقرار والعدل ولكنها بقوة السيف ظنت أنها ستفرض كل أفكارها على مجتمع يعاني من الويلات والحروب عشرات السنين فتفشى فيه الجهل والفساد بسبب تلك العوامل وبغيرها.

فكان في جاهلية خاصة وليست جاهلية عامة لأن الجاهلية العامة انتهت بميلاد فجر الرسالة , فهم بحاجة إلى دعوة وتربية ورحمة لا بسيف يقيم الحد بمثل هذه الظروف.

فطالبان بحماس شبابها وقيادتها أخذت في تطبيق الحدود بشدة وفي وقت واحد وكلنا يقر أن الإسلام جاء بالتدرج مع أن الله قادر أن يفرضه على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في يوم واحد بل في لحظة. ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يطبق هذه الحدود والتشريعات بالرحمة واللين حتى أنه يُعرِض بوجهه مراراً إذا جاء من يقول له ارتكبت جرماً وإثماً يا رسول الله فطهرني , بل إنه أحياناً يحاول أن يلتمس عذراً له فيقول علك قبلت علك...الخ ، من نهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في تطبيقه لشرائع الإسلام.

وأساليب النبي صلى الله عليه وسلم لا تخفى على أحد ولا ينكرها إلا من كان بعيداً عن نهج رسولنا الكريم.

فأخذت طالبان في إعمال الشريعة الإسلامية بحد السيف وذلك لا يكون إلا في مرحلة متأخرة كما ذكرنا بعد الدعوة والتربية وبعد أن لا تكون حجة ولا شبهة , بل إنها أخذت في إنزال الأحكام والتشريعات على حسب ما تراه هي مع أن كثيراً من الأمور مسائل خلافية اختلف فيها السلف قبل الخلف بل وجد من الرعيل الأول من يقول ذلك.

وتناست الحركة قول الله «لا إكراه في الدين».

فكم رأت الحركة من أمور خلافية على أنها من مسلمات الدين التي لا نقاش فيها فأظهرت للعالم بذلك صورة غير حقيقية للإسلام مع أن الإسلام هو دين الرحمة والحوار ودين الحرية والإقناع وإلا فما معنى قول الله: « لا إكراه في الدين»، إلا أن هناك أموراً لا يمكن أن يقبلها الإسلام وليست موطن حديثنا ولها طريقة نبوية لعلاجها.

فطالبان الأمس التي كانت - كما تقول - تطبق حد الله في حلق اللحية وفي الخمار والحجاب وفي الغناء وغيرها كثير من المسائل الخلافية.. ها هي اليوم أتت لفرض الأمن والاستقرار والعدل بغير شدة في الدين بل انها غيرت من طريقة نهجها كثيراً.

ولهذا لسبب يتمنى وجودها أغلب الشعب الأفغاني فهم يبحثون عن الأمن والاستقرار والعدل والحرية الدينية التي ضمنها لهم الإسلام.

وكأني بالحركة ولسان حالها يقول : ما كان بين المرء وربه لا يتأتى قيامه إلا بالدعوة والتربية والإرشاد والحوار والقناعة ، وما بين العباد أساسه العدل والفصل بمعنى «أخذ الحق من الظالم إلى المظلوم». ويمكننا أن نقول فيما بين العباد «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وفي نظري فإن هذه المقولة لا تتماشى مع ما بين العبد وربه كثيراً.

وها هي الحركة بلباسها الجديد تطبق منهج النبي صلى الله عليه وسلم: الدعوة أولاً فلم يطبق صلى الله عليه وسلم حكماً ولا حداً إلا بعد قيام الحجة وانتفاء الشبهة.

وها هي الحركة تستفيد من أخطاء الماضي وكأنها علمت أن هذه الأفعال كانت هي من أسباب سقوطها. لأنها رأت بعينيها بعد سقوطها بساعات قليلة مدى الكره والبغض لها ولو من فئة قليلة. فكأني بهم كالأسود الجائعة المقيدة منذ زمن ثم فكت قيودهم فعاثوا ينهش كل منهم يميناً وشمالاً حتى أكل بعضهم بعضاً من شدة الجوع أو أكلوا ما لم يعتادوا عليه مثل الأحجار وغيرها.

وكأني بالحركة قد نفضت ثوب الشدة عنها ولبست وتقلدت ثوب الرحمة واللين بالناس ولسان حالها يتمثل بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».

وإن مما أضعف موقف الحركة وزاد من أعدائها ما نهجت به الحركة من إحراق كل مزارع الأفيون والمخدرات. وقد كانت هذه المزارع تعول أسراً كثيرة جداً بل إنها كانت تعتبر الدخل الأول والأخير لغالبية الشعب الذي عانى من الحروب والفقر منذ عشرات السنين. فإحراق هذه المزارع زاد من معاناة الشعب ومن الفقر والبطالة.

فالحركة ومما لا شك فيه أنها أقامت حداً من حدود الله وبغض النظر عن إقامة الحد فإن الشريعة الإسلامية لا تنظر إلي إقامة الحد فقط , بل إنها تراعي المصلحة والمفسدة لإقامة حد ما. فإحراق هذه المزارع في مثل أوقات الفقر ليس مصلحة بل إنه يقود إلى مفسدة أكبر وهي افتقاد الأمن والسرقة التي لا تتأتى أحياناً إلا بقتل النفس , والتي هي من أساسيات ما جاء الإسلام بحفظه

وها هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أسقط إقامة حد من كتاب الله وهو حد السرقة في زمن المجاعة لأجل المصلحة وهي الحفاظ على أرواح أناس من الموت جوعاً.

واليوم قامت الحركة في مناطق شاسعة ولم تحرق حتى مزرعة واحدة بل إنها تمر وتعيش وتقاتل إلى جانب تلك المزارع ولم تحرق حتى مزرعة واحدة.

بل ليس ببعيد أنها تزرع الأفيون لأجل شراء الطعام والسلاح لكي تستمر في نضالها وتقاتل.

ومن تحولات الحركة إنشاء مجالس شورى قائمة على أساس الانتخاب.

لقد إدركت الحركة بأن فهم المصالح والمفاسد يُثبِتُ من وجودها لفترة أطول فلو كانت الحركة من قبل تنهج هذا النهج لما استطاع العدو الخارجي الدخول إلى أرضها وإسقاطها.

وفي الأخير أقول: هل هذه التحولات الفكرية والمنهجية لهذه الحركة ستساعد على الصمود لفترة أطول من الفترة الأولى ما إذا تعرضت لهجوم واسع؟هل ستحظى بقبول أوسع من الفترة السابقة لها بين أوساط مجتمعها، أم أن هذه التحولات هي مرحلة مؤقتة حتى الوصول إلى ما كانوا عليه ثم يعود الأمر سيان إلى ما كانوا عليه من قبل؟؟!.

أهي مرحلة كما يقال «التمسكن حتى التمكن»؟ آمل أن يخيب ظني هذا وأن تستمر الحركة في قول الله تعالى: «لا إكراه في الدين».

وفي العدل ومن العدل «أن ينتهي حق المرء عندما ينتهك حق غيره».

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد