عبد الوارث النجري
قبل عام كنت قد تناولت موضوع صعدة والحرب القائمة بين الدولة وعناصر الفتنة والتمرد من ابتاع الحوثي والفكر الشيعي الإثنى عشري وتحت هذا العنوان حذرنا حينها من الرضوخ لأي شروط أو إملاءات يتم طرحها من قبل قيادة التمرد في النقعة وجمعة بن فاضل على لجنة الوساطة من مشائخ وأعضاء مجلس النواب وغيرهم، وأكدنا على ضرورة إغلاق ملف صعدة عبر الحسم العسكري، وهذا ليس من باب التحامل على عبدالملك الحوثي وعناصر التمرد لثأر أو لأي سبب من الأسباب، أو كوني أحد تجار الحروب الذين يتم تناولهم في بعض التقارير والتحليلات وغيرها، ولكن من باب إيماني العميق بأن الجميع سواء في صعدة أو في ذمار أو يريم وكذا في عدن نعتبر مواطنين همنا الأول والأخير أمن واستقرار الوطن يحكمنا نظام وقانون ودستور ينظم شؤوننا الداخلية والخارجية وحياتنا اليومية لنا حقوق أقربها النظام والقانون ومن حق أي مواطن مطالبة المسؤولين في الدولة من حكومة ورئيس جمهورية ومحافظ وغيره بتلك الحقوق وعلينا واجبات يجب أن نلتزم بها ومن حق الدولة ومؤسساتها إلزامنا بتلك الواجبات، لذا فإن التمرد عن النظام والدستور ورفع السلاح في وجه الجيش وأفراد الأمن ومعادات النظام وولي الأمر فعل جنائي يجب معاقبة مرتكبه وفق النظام والقانون فما بمن يسعى لإيقاظ الفتنة من خلال حفر الخنادق وعمل المتارس وزرع القنابل واستهداف أفراد الجيش والأمن بالمنطقة دون أي مبرر مقنع، بل يسعى لإثارة الفتنة في منطقة تواجده من خلال بث الدعايات الكاذبة، بأن الدولة تعاديه لأنه من المذهب الزيدي ويدافع عن المذهب الزيدي ويقوم بتعليم أبناء منطقته أصول وقواعد المذهب الزيدي، في الوقت الذي يعلم الجميع من علماء وساسة ومثقفين وقيادات حزبية ومنظمات مدنية وإعلاميين بأن المذهب الزيدي واتباعه لا ينحصر في مران والنقعة أو محافظة صعدة فقط بل يمتد إلى مدينة يريم وسمارة جنوباً وحتى حضرموت شرقاً، فلماذا تستهدف الدولة فقط الحوثي وأنصاره من هذا المذهب دون الآخرين؟ لنصل في الأخير إلى نتيجة حتمية بأن المخطط والمؤامرة يعد لها وينفذها ألف حوثي في الداخل في مختلف المواقع السياسية والمدنية وغيرها وألف حوثي في الخارج والهدف الرئيسي من ذلك كله هو إثارة الفوضى والقلاقل داخل البلاد تارة لغرض ابتزاز نظام صنعاء عبر ضغوطات عدة وتارة أخرى للقضاء على النظام نفسه ومن ثم نهب خيرات وثروات اليمن وتقسيمه إلى أقاليم ودويلات، لذا فإن أي وساطة سواء قطرية أو إيرانية أو حتى من كوكب آخر غير مجدية لإغلاق ملف صعدة وإنهاء الحرب والتمرد في ذلك ليست سوى حركة مكشوفة يلجأ إليها (المخرج) لإعادة ترتيب أوضاع المتمردين ومدهم بالمال والعتاد خلال عدة أشهر تهدئه لإشعال النار من جديد، فمهما قدمت التنازلات تلو التنازلات، ومهما قام النظام بتوقيع الاتفاقيات بوساطة أو دون وساطات، ومهما صرفت ملايين الريالات باسم تعويضات ومراضات وغيرها فلن يجدي ذلك نفعاً ما دامت أسباب التمرد غير واضحة وما دام قائد التمرد مسير وليس مخير يتخذ القرارات من ذات نفسه أو من خلال التشاور مع زملائه ورفاقه في المواقع من عناصر التمرد، وهذا ما يجب أن يدركه النظام ويستوعبه حتى لا يظل هذا الملف أي ملف حرب صعدة مفتوحاً عشرات السنين لتتحول بعدها محافظة صعدة بشكل عام إلى دار فور اليمن ونهر البارد وغيرها في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير وما رافقته من متغيرات إقليمية..
يجب أن نفهم بأننا في اليمن أحد أركانها الأساسية، وكذلك هو الحال لما هو حاصل اليوم في الجنوب، رغم تشكيل عدة لجان بخصوص ذلك سواء لجان إعادة المتقاعدين العسكريين والمسرحيين قسراً، أو لجان إعادة الأراضي أو لجان المراضات لصرف الملايين والسيارات في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة والسيئة التي يمر بها الوطن ويتجرعها عامة المواطنين، يجب على النظام الالتفات إلى ما هو أهم من إبرام الاتفاقيات مع المخربين في صعدة وترك الموضوع على الجيش لإعادتهم إلى القانون والنظام والشرعية، وبدلاً من مراضاة أذناب دعاة الردة والانفصال وشعاراتهم الجوفاء وترك الموضوع على مجموعة أفراد يثق بهم النظام لمتابعة لجان الأراضي والمتقاعدين وما وصلت إليه، صار من الضروريات والواجب والمسؤوليات الوطنية على النظام العمل على إعادة ترتيب الأوراق ومعالجة الاختلالات والأخطاء بدءاً من دار الرئاسة ومكتب رئاسة الجمهورية وحتى أصغر وحدة حكومية في المديريات والمحافظات وإعادة للقانون هيبته واحترامه ومحاسبة المفسدين المقصرين والمخالفين ومقاضاتهم وتفعيل الدور الرقابي والإشرافي، وتحريك كافة القضايا المجمدة في نيابات الأموال العامة ومنح الحكومة فرص أخيره لا تزيد عن شهر لوضع وتنفيذ خطة اقتصادية متكاملة تعمل على إخراج الشارع اليمني من هذه الحالة السيئة التي تدفع السذج من عامة الناس لموالاة الشيطان ما دام سيخرجهم من ذلك الحال واليأس والجوع والفقر والإحباط، وأخيراً فتح حوار واسع وشفاف مع كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية المتواجدة على الساحة لما فيه خير وأمن واستقرار ومصلحة الوطن والحفاظ على الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الثورة والجمهورية والوحدة وثروات البلاد، وترسيخ مبدأ الحوار وحرية الرأي والديمقراطية وعدم مضايقة الصحافة والإعلام والمنظمات المدنية مادام ما يطرح لا يمس الثوابت الوطنية، وهذا ما نأمل أن يبدأ به النظام في القريب العاجل.