أحياناً يجد المرء نفسه أمام أسئلة عديدة تحيره بل تذله في هذه المسألة أو تلك، بالأمس وأنا منهمك في القراءة إذ بمقالة شدتني وشغلت تفكيري لكثرة وتنوع الأسئلة التي ساقها الكاتب وبصورة مدهشة بالفعل عن حال الأمة الإسلامية وسر بقائها في دائرة الجمود والتخلف طيلة عقود مضت في الوقت الذي كان لها الريادة والقيادة ثم يتساءل الكاتب ما المانع في إن نعيد صياغة المفاهيم لتتناسب الواقع الحديث الذي نعيش بكل اعتمالاته قائلاً: أن ما كان مناسب لنا قبل ألف عام لم يعد صالحاً الآن أو بهذا المعنى، وحقيقة لم أكن أريد أن أحشر نفسي في مثل هكذا حديث حتى لا نعيد فتح أبواب قد أغلقت منذ زمن لكن وجدتني في لحظة صفاء وذهن وسعة صدر أبد وقادر أعلى إيضاح بعض الأمور التي يكتنفها الغموض فتضع النقاط على الحروف وبمشاركة كل من له رأي أو لديه فكرة واضحة عما يدور من نقاش مكتوب.
ولعله من المفيد أن نستفيد من طرح للدكتور عبدالمجيد السوسوه الشرفي الذي كان يعمل مدرساً في كلية معارف الوحي بالجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا وحقيقة ليس لنا علم هل لا زال الرجل في عمله أم قد انتقل إلى مكان آخر، حيث أنني استنبطت ما سيرد من أحد إصداراته والذي حمل عنوان "الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي" وصدر في العام 1418م في كتاب الأمة، وما يعنينا نحن هو حالة الجمود ومشكلة العجز والتوقف والتي قال عنها الشرفي "إنها ليست في قيم الدين والتوقف والتي قال عنها الشرفي "إنها ليست في قيم الدين ومقاصده، فخلود نصوصه يمنح تعاليمه وشرائعه الخصوبة والمرونة لمعالجة قضايا الناس ومتطلبات العصور معتبراً إن المشكلة الأساسية في الذهن العاجز عن التدبر والاجتهاد المتجدد في فهم النص والتعامل معه، كما أن المشكلة ليست في العجز فقط وإنما حاجز الخوف من الأقدام على الاجتهاد الذي يعني تجريد النص من ظرفه وتعدينه وتوليد الأحكام الشرعية في واقع الناس".
هذا الخوف الذي تولد باسم التقوى وقدسية النص هو الذي كرس العجز وعطل العطاء والامتداد ما تنزل النص أصلاً إلا ليتعامل مع طبائع الناس في جميع حالاتهم وأجوال تدينهم زيادة ونقصاً وصعوداً وهبوطاً، ويقوم واقعهم ويعالج قضاياهم وهكذا.
* فالمفهوم يعني وبشكل واضح لا لبس فيه أن يأخذ المسلمون في كل عصر نصيبهم من فهم الإسلام، فالاجتهاد والتجديد ليس تحريفاً للدين ولا انتحالاً ومروقاً منه، وإنما يعد ولاءً له ولقيمه وتعميقاً له وإنما لفهم عقيدته وامتداد بشرعه وتعبيد للواقع بمعاييره وصبغ مسالك الناس بصبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة كما يؤكد الشرفي "إن الإسلام حض على الاجتهاد والتجديد والتقويم والمراجعة وعلى الأخص كلما طال الأمد وكساد الركود والتقليد الجماعي والاستنفاع الذي يورثه التقليد وألف العادات أن يسيطر على المجتمع لحماية الأمة ومتابعة النهوض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" رواه أبو داود عن أبي هريرة.
وهنا لنا وقفة عن التجديد وأصوله وشروطه في عدد قادم إن شاء الله.