سعد
محيو
محيو
قبل أيام، تساءلنا في هذه الزاوية عما إذا ما كنا
سنشهد قريباً انقلاباً نوعياً في العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وحلف شمال
الأطلسي. ما أثار هذا التساؤل كان التصريح الخطير الذي أدلى به الأسبوع الماضي
الأمين العام الجديد للحلف الجنرال أندرس فوغ راسموسن، ودعا فيه إلى “حوار غير
مسبوق” مع روسيا، قائلاً إنه يتعيّن على الحلف أن يأخذ في الاعتبار “المصالح الأمنية المشروعة لروسيا، وأن يقترح
عليها شراكة استراتيجية في قضايا أفغانستان والإرهاب والقرصنة. بعد راسموسن بيوم
واحد، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقوم بخطوة كبرى نحو التقارب مع روسيا، حين
أعلن عن إلغاء الخطط التي كانت وضعتها إدارة بوش لنشر درع صاروخية في بولندا
وتشيكيا، والتي أثارت آنذاك شكوكاً جامحة لدى موسكو بأن واشنطن تنوي تطويقها
مجدداً. وهكذا، وبين عروض راسموسن وجهود أوباما، يفترض أن الطريق باتت مُعبّدة، أو
على الأقل مُمهدة، أمام وفاق روسي- أمريكي جديد يذكّر بمرحلة الوفاق الشهيرة إبان
الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. الفارق بين المرحلتين هو
أن الثانية القديمة كانت مجرد هدنة بين حربين باردتين وسلسلة من حروب الواسطة، فيما
الأولى الجديدة يمكن أن تتطور إلى سلام وتحالف بسبب غياب الفجوة الإيديولوجية (صراع
الاشتراكية والرأسمالية) بين الطرفين. لكن، هل مثل هذا التحالف وارد حقاً؟ هذا سؤال
كبير وخطير، لأن مضاعفته كبيرة وخطيرة.
إذ من شأن هكذا تحالف أن يقلب موازين
القوى رأساً على عقب، ليس في قارة أوراسيا وحسب، بل أيضاً في العالم الذي يشهد
حالياً الصعود السريع للصين والهند كدولتين كبريين جديدتين. فالتحالف قد يفكك جبهة
دول “البريك” الصاعدة الأربع (البرازيل، روسيا، الهند، والصين)، ويضع على الرف
معاهدة شنغهاي القائمة على تفاهم موسكو وبكين، ويمنح حلف الأطلسي أسناناً روسية
قاتلة، كما يحدث الآن في أفغانستان.
هذا علاوة عن أنه قد يسهّل على أمريكا
الخروج من ورطة تمددها الاستراتيجي الزائد في العالم. ثمرات التحالف تبدو إذاً شهية
ومُدرّة للعاب.
لكن، وكما الأمر في أي شيء في هذه الحياة، التحوّلات الكبيرة يجب
أن تبدأ بخطوات صغيرة.
وهذا يعني في هذه المرحلة أن تنضم موسكو إلى واشنطن (وإن
بالتدريج) في معالجة المشكلة الإيرانية بالتي هي أحسن أولاً ثم لاحقاً بالتي هي
أسوأ، في مقابل دعم واشنطن لموسكو في مسعاها لاستعادة نفوذها في حدائقها الخلفية في
جورجيا وأوكرانيا وبعض أنحاء آسيا الوسطى. هذا بالطبع إضافة إلى الجوائز الاقتصادية
التي يمكن أن تحصل عليها موسكو في منظمة التجارة العالمية، وهيئات مجموعة الثماني
الكبار، والأدوار الدبلوماسية المحتملة في الشرق الأوسط الكبير والبلقان. الكرة
كانت بالأمس في ملعب واشنطن.
لكنها الآن، وبعد عروض راسموسن ومبادرة أوباما،
باتت بين قدمي اللاعب الروسي الذي سيكون عليه أن يدرس حساباته بدقة ليعرف من أين
يجب أن تؤكل الكتف: عبر عضّ واشنطن أم تقبيلها؟ أجل.
الأجواء الدولية عابقة
بالفعل بروائح انقلابات استراتيجية.
وكما هي العادة، العشب هو أول من يدفع الثمن
إذا ما قررت الفِيَلَة القيام بانقلابات. وفي حالة روسيا والغرب الراهنة، هذا العشب
هو بالدرجة الأولى الآن إيران وجورجيا وأوكرانيا. عن "الخليج"
الإماراتي
سنشهد قريباً انقلاباً نوعياً في العلاقات الاستراتيجية بين روسيا وحلف شمال
الأطلسي. ما أثار هذا التساؤل كان التصريح الخطير الذي أدلى به الأسبوع الماضي
الأمين العام الجديد للحلف الجنرال أندرس فوغ راسموسن، ودعا فيه إلى “حوار غير
مسبوق” مع روسيا، قائلاً إنه يتعيّن على الحلف أن يأخذ في الاعتبار “المصالح الأمنية المشروعة لروسيا، وأن يقترح
عليها شراكة استراتيجية في قضايا أفغانستان والإرهاب والقرصنة. بعد راسموسن بيوم
واحد، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقوم بخطوة كبرى نحو التقارب مع روسيا، حين
أعلن عن إلغاء الخطط التي كانت وضعتها إدارة بوش لنشر درع صاروخية في بولندا
وتشيكيا، والتي أثارت آنذاك شكوكاً جامحة لدى موسكو بأن واشنطن تنوي تطويقها
مجدداً. وهكذا، وبين عروض راسموسن وجهود أوباما، يفترض أن الطريق باتت مُعبّدة، أو
على الأقل مُمهدة، أمام وفاق روسي- أمريكي جديد يذكّر بمرحلة الوفاق الشهيرة إبان
الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. الفارق بين المرحلتين هو
أن الثانية القديمة كانت مجرد هدنة بين حربين باردتين وسلسلة من حروب الواسطة، فيما
الأولى الجديدة يمكن أن تتطور إلى سلام وتحالف بسبب غياب الفجوة الإيديولوجية (صراع
الاشتراكية والرأسمالية) بين الطرفين. لكن، هل مثل هذا التحالف وارد حقاً؟ هذا سؤال
كبير وخطير، لأن مضاعفته كبيرة وخطيرة.
إذ من شأن هكذا تحالف أن يقلب موازين
القوى رأساً على عقب، ليس في قارة أوراسيا وحسب، بل أيضاً في العالم الذي يشهد
حالياً الصعود السريع للصين والهند كدولتين كبريين جديدتين. فالتحالف قد يفكك جبهة
دول “البريك” الصاعدة الأربع (البرازيل، روسيا، الهند، والصين)، ويضع على الرف
معاهدة شنغهاي القائمة على تفاهم موسكو وبكين، ويمنح حلف الأطلسي أسناناً روسية
قاتلة، كما يحدث الآن في أفغانستان.
هذا علاوة عن أنه قد يسهّل على أمريكا
الخروج من ورطة تمددها الاستراتيجي الزائد في العالم. ثمرات التحالف تبدو إذاً شهية
ومُدرّة للعاب.
لكن، وكما الأمر في أي شيء في هذه الحياة، التحوّلات الكبيرة يجب
أن تبدأ بخطوات صغيرة.
وهذا يعني في هذه المرحلة أن تنضم موسكو إلى واشنطن (وإن
بالتدريج) في معالجة المشكلة الإيرانية بالتي هي أحسن أولاً ثم لاحقاً بالتي هي
أسوأ، في مقابل دعم واشنطن لموسكو في مسعاها لاستعادة نفوذها في حدائقها الخلفية في
جورجيا وأوكرانيا وبعض أنحاء آسيا الوسطى. هذا بالطبع إضافة إلى الجوائز الاقتصادية
التي يمكن أن تحصل عليها موسكو في منظمة التجارة العالمية، وهيئات مجموعة الثماني
الكبار، والأدوار الدبلوماسية المحتملة في الشرق الأوسط الكبير والبلقان. الكرة
كانت بالأمس في ملعب واشنطن.
لكنها الآن، وبعد عروض راسموسن ومبادرة أوباما،
باتت بين قدمي اللاعب الروسي الذي سيكون عليه أن يدرس حساباته بدقة ليعرف من أين
يجب أن تؤكل الكتف: عبر عضّ واشنطن أم تقبيلها؟ أجل.
الأجواء الدولية عابقة
بالفعل بروائح انقلابات استراتيجية.
وكما هي العادة، العشب هو أول من يدفع الثمن
إذا ما قررت الفِيَلَة القيام بانقلابات. وفي حالة روسيا والغرب الراهنة، هذا العشب
هو بالدرجة الأولى الآن إيران وجورجيا وأوكرانيا. عن "الخليج"
الإماراتي