بشور
المبارك، بكل ما يعنيه العيد من بهجة رغم كل ما يحيط بنا من اوجاع والآم ومحن، وبكل
ما يرمز اليه الصوم من احجام عن كل ما لا يرضي الله والضمير فيما تحاصرنا الموبقات
السياسية والاخلاقية، المحلية والعالمية من كل حدب وصوب.
*فمع اطلالة العيد نتذكر تعبيراً جميلاً كانت
تردده الاجيال المتعاقبة منذ نكبة فلسطين عام 1948 "عيدنا يوم عودتنا" لا كتعبير
يخص اهلنا الفلسطينيين، المشردين من بيوتهم وديارهم وارضهم فحسب، بل يشمل كل ابناء
الامة الذين يرون في عودة فلسطين الى اهلها عودة لقيم ومبادئ ومثل لا تعيش الامم
بدونها.
*فمع اطلالة العيد نتذكر مسجد الاقصى المبارك في القدس الشريف، وهو مهدد
مع كل المقدسات، وهي تتلاشى بفعل المستعمرات، فيما غزة تئن جريحة تحت الحصار،
والجدار يلتهم ما تبقى من ارض فلسطين، وعرب 48 يواجهون مخططات الترحيل
والتهجير.
*ومع اطلالة العيد نتذكر اهلنا في العراق، الشهداء منهم والاسرى
والمعتقلين، وآلاف المهجرين من بلادهم او داخلها، نتذكر الدمار الذي لحق وما زال
يلحق بواحد من أهم اقطار أمتنا واكثرها تجسيداً للكرامة والعنفوان والشجاعة، بل
نتذكر الدماء التي سالت، وما برحت تسيل، من ابناء شعب كان نموذجاً للبذل والعطاء في
سبيل كل قضية محقة والذي سيسجل له التاريخ انه استطاع بفضل مقاومته الاسطورية ان
يهزم أقوى امبراطورية عرفها العالم وأن ينقل الازمات الى قلبها، وان يحدث التصدع في
بناها وعلاقاتها، وان يفتح للبشرية بأسرها كوة للأمل بنظام كوني أكثر عدلاً، وأكثر
توازناً، واكثر احتراماً لحقوق الانسان والشعوب.
*مع اطلالة العيد نتذكر كل
مناضلي الأمة ومجاهديها على امتداد ارضنا العربية والاسلامية، كما في جهات الدنيا
الأربع، منهم من يقاوم الاحتلال والاستعباد والاستعمار، ومنهم من يواجه الطغيان
والاستبداد والتواطؤ مع الاعداء والتخاذل امامهم.
*مع اطلالة العيد نتذكر ان
اكثر من 300 مليون عربي، و1300 مليون مسلم، قد صاموا في وقت واحد على امتداد شهر
كامل، وافطروا معاً، وصلوا معاً، وأدوا مناسك العمرة معاً، بانتظار تأدية مناسك
الحج معاّ وهو الذي اعتبره يوماً جمال عبد الناصر بأنه اكبر مؤتمر سنوي تعرفه
البشرية، وبالتالي نتذكّر ان في هذه الأمة من الايمان والانضباط والاستعداد للبذل
والتضحية ما يمكنها من دحر كل اعدائها اذا توفرت لها ارادة الجهاد ووعي متطلبات
المعركة والقيادات الصالحة المتفانية التي تنسى نفسها ومصالحها الصغيرة امام حرية
الامة وكرامتها ومعاركها الكبرى.
*ومع اطلالة العيد نتذكر ان شهر الصوم هو شهر
للتأمل في اوضاعنا، وللتفكر في احوالنا، ولمراجعة افعالنا واقوالنا، ولردم جسور
التواصل بين ابناء الأمة وتياراتها، ولاغلاق كل ثغرة ينفذ منها المتربصون بها،
وأولها الفتنة والانقسام والايقاع بين ابناء الوطن الواحد، والامة الواحدة، والدين
الواحد...
وهكذا يبدو التعبير الجميل الذي استخدمناه طويلاً "عيدنا يوم عودتنا"
حافلاً بالمعاني والدلالات، فالعودة هنا ليس فقط الى ارض احتلها غاصب او مستعمر،
وبيوت صادرها غاز او مستوطن، بل هي ايضاً عودة الى النفس والارتقاء بها، عودة الى
القيم والمبادئ التي قامت عليها امتنا كجزء من الانسانية، وكحامل لرسالات ايمانية
خالدة، عودة الى لحظة الحقيقة التي يحاولون ابعادنا عنها، او ابعادها عنا بكل
الوسائل والاساليب والألاعيب، لأنهم يدركون ان امتنا حين تعود الى حقيقتها الصافية
الاصيلة تصبح أقوى من اعدائها مجتمعين...
أليس من فضائل شهر رمضان المبارك أن
فيه معركة بدر يوم "هزمت فئة قليلة فئة كثيرة بإذن الله".
هل هي مجرد مصادفة،
ومعها ايضاً "ليلة القدر" فقدر الامم يصنعها رجالها ونساؤها وشيوخها واطفالها، كما
يصنعها شهداؤها ومناضلوها واسراها والمعتقلون ، بإذن الله.