محمد شريف الجيوسي
تنذر مقدمات الصراع الراهن في اليمن بنتائج وتداعيات خطيرة ، تستدعي أكثر من التروي والحكمة والنظر بعين استراتيجية بغض النظر عن كل المبررات التي يمكن ان يسوقها هذا الطرف أو ذاك ، سواء من داخل اليمن او خارجه .
إن وحدة شطري اليمن المعمّدة بالدم كانت الإنجاز العربي الاستراتيجي الوحيد في تسعينات القرن الماضي . وما لم يفهمه البعض في اليمن أن الوحدة الاندماجية التي قبلوا بها هي غير الوحدة الاتحادية لمكونات تظل تتمتع بالمناصفة في الحكم والإدارة والثروة ، وعندما لا يعجب أطراف الوحدة الوضع الجديد بعد مرور الفترة الانتقالية ، يعملوا على فك عراها ، أو يلجأوا إلى التمرد ، وبيْع أنفسهم إلى الخارج بغض النظر عمن يكون .
وفي صعدة حيث الزيدية الحوثية ، ورغم ان توجهاتهم واهدافهم البعيدة والقريبة ، ليست واضحة ، إلا أنه من حيث المبدأ ، ومهما تكن المطالب محقة على افتراض أنها كذلك ، إلا أن عليهم كما على بعض الجنوبيين الذين يسعّرون نار الاختلاف ، أن يدركوا أن معالجة الاختلاف مهما تكن تفاصيله ومبرراته : مع النظام السياسي في بلد غير محتل هو غيره مع الدولة التي تحتل الأرض والنظام المحلي القائم بوجود الاحتلال .
ومن هنا فإيصال الأمور إلى حد استخدام السلاح أو التلويح باستخدامه ضد النظام السياسي الوطني ، هو تصرف خاطئ وغير مقبول ، ويشكل خطراً حقيقيا على وحدة البلد واستقراره السياسي وامنه القومي وطاقاته في التنمية والإصلاح والتطور بعامة.وعلى القوى موضوع الاختلاف أن تجد والنظام السياسي معاً ، الآليات والوسائل والأساليب الملائمة للحوار ، وصولاً إلى تكريس الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً وهوية ومقدرات .. وكذلك تكريس العدل ومساواة المتساوين بالحقوق والواجبات والثروة والأمن والاستقرار والتنمية والحرية ، مع ملاحظة أن كل ذلك ينبغي أن يخدم الوحدة الوطنية بشروطها الأربعة ، آنفة الذكر .
إن الوضع العربي والعالمي الراهن اكثر من سيء للمطالبة بتفاصيل صغيرة وكبيرة أحادية أو فئوية او اقليمية أو مذهبية ، على نحو ما حدث ويحدث في الجنوب وفي صعدة ، بخاصة أن تجارب مريرة شهدناها أو ما نزال في أفغانستان والعراق والسودان وفلسطين والصومال ولبنان والجزائر ، جرت دماء وانقسامات وهجرات وويلات وضغوط وتدخلات أجنبية وفرضت أجندات ليست في صالح أحد حكاماً ومحكومين ظالمين ومظلومين ، قوى حاكمة وأخرى معارضة .
وفي تقديرنا فإن المعارضات السياسية السلمية التي لا تقوم على أسس مذهبية أو طائفية أو إثنية أو إقليمية أو جهوية ، وتضم بين ظهرانيها من كل مكونات المجتمع ، هي معارضات مطلوبة ومقبولة وضرورية على أن لا تكون مطالبها مطالبات تعبر عن مصالح واحدة من تلك المكونات دون غيرها من النسيح الاجتماعي للبلد المعني ، ما لم تكن المطالبات محل قبول ودعم الفئات الأخرى.
إن الحفاظ على وحدة اليمن هدف ينبغي أن تحرص عليه كل الأطراف ، المعارضة والموالية للنظام السياسي الراهن . بغض النظر حتى مع وجود بعض الظلم والثغرات واحتكار الحكم والسقطات والإضرار بالمصالح المحلية ، إذ بذلك يبقى إنجاز الوحدة قائما ، ومع مرور الوقت وبالنضالات الشعبية السلمية ووعي الناس وإدراكات أطراف في النظام راغبة في الإصلاح ، سيتكرس التجديد والتطوير ولإصلاح ، ولا يتاح للأجنبي فرصةالإمساك بالبلاد وكسر رقاب العباد.<
نقلا عن الدستور الاردنية