;

الحرب على الفضائيات.. معركة بلا راية 1246

2009-09-24 05:08:00

يحيى
الأمير


قبل ما يزيد عن عشرين عاما كان أبرز ما يثير الرفض
والممانعة لدى كثير من الوعاظ تلك المجلات القادمة من خارج المملكة والتي تحمل
أخبار الفنانين والفنانات مصحوبة بصورهم بالإضافة إلى أخبار عن الموضة والأزياء،
ولقد حصدت تلك المجلات الكثير من التسميات بأنها المجلات الخليعة والتي تنشر صور
الفاسدين والفاسدات وتغزو بيوتنا وتفسد أخلاق أبنائنا وبناتنا، ورغم أنه ليس

من الممكن السماح لكل المجلات
بالدخول إلى السعودي، إلا أن مختلف المجلات وبتزايد مستمر ومن مختلف دول العالم تصل
الآن إلى السوق السعودية، وتجد لها الآلاف من المقتنين ومن القراء الذين يتابعونها
باستمرار.
كل ذلك المناخ يتكرر الآن إنما على خصم آخر، وهو القنوات
الفضائية.
صراخ مستمر وحديث لا ينتهي عن كيفية محاربة تلك القنوات والقضاء عليها
ورفع دعوى على ملاكها ومحاكمتهم.
أول المبررات التي يتم سوقها في كل ذلك الحديث
هو أن هذه القنوات قنوات تنشر الفساد والعري والمجون والخلاعة، وتتسبب في خراب
بيوتنا وبناتنا وزوجاتنا، والواقع أن ما تنشره هذه القنوات هو بالفعل لا يمثل مادة
تعكس الشارع السعودي ولا تناسب قيمه ولا عاداته، ولكنها بالمقابل مجرد أعمال فنية
ومن بلدان وثقافات مختلفة، تعكس ثقافات تلك البلدان وأشكال حياتهم اليومية،
فالمسلسلات التركية أو الخليجية أو المصرية التي تعرض على تلك القنوات هي بالنسبة
لبلدانها التي تُمثل وتُعد وتنتج فيها ليست كذلك على الإطلاق بل هي مجرد أعمال
تلفزيونية عادية وقادمة من نسيج المجتمع .
خلاف ذلك ما الذي يمكن أن يمثل عريا
وفسادا تنشره تلك القنوات، وحتى وإن تحدث أحد ما عن أن مشهدا في فيلم من الأفلام أو
برنامجا من البرنامج أو لقطة ما قد عرضت صورة خادشة للحياء، فهذا لا يعني أبدا أنها
قنوات تنشر الفساد لأن نشر الفساد هو عبارة عن مشروع وتوجه وليس عبارة عن لقطة
عابرة.
التتبع التاريخي لهذه الحرب يشير إلى ما يمكن أن يمثل أسئلة مرحلية
أولها: لماذا حين وصلت الأطباق الفضائية إلى السعودية كانت الحرب على تلك الأطباق
ولم تكن على القنوات ولا على ملاكها، وهو الأمر الذي بالإمكان تبريره على الأقل في
ضوء التاريخ الطويل من الممانعات التي غالبا ما تتم في مواجهة أي منتج أو مخترع أو
فكرة جديدة، وتكرر في هذا السياق أمر آخر، إذ غالبا ما يستمع الناس قليلا إلى تلك
التحذيرات ثم ما لبثوا أن ينصرفوا عنها ليتحول ذلك الأمر الجديد إلى جزء مهم من
حياتهم اليومية، وهو ما حدث حين انطلقت الحرب على الأطباق الفضائية، إذ لم يستجب
الناس لكل المواعظ والتحذيرات ومن النادر أن تجد سطحا لأحد المنازل يخلو من صحن
فضائي لاقط.
وفي كل مرة كانت الممانعة والرفض تركز على المنتج وفي كل مرة كانت
تخسر الرهان وينصرف الناس إلى كل ما هو جديد، وهو ما بات يحتم على تلك الأصوات
البحث عن خصم جديد ومخاطب جديد غير الناس.
لكن الغريب الآن أن الحديث الدائر عن
أهمية رفع دعاوى قضائية ومطالبة القنوات ذات المتابعة في الشارع السعودي بتغيير
نهجها يأتي فقط خاصا بالقنوات التي يملكها سعوديون كمجموعات الإم بي سي وروتانا وإي
آر تي.
والسبب الأبرز أن كون ملاكها سعوديين يعطي مادة لزاوية جديدة للرفض عن
طريق تحويلهم إلى خصوم وإلى سبب وذلك بعد أن يئسوا من سماع الناس لهم.
ماذا لو
فكر الأمير الوليد بن طلال والوليد الإبراهيم وصالح كامل أن يتخلوا عن استثماراتهم
الإعلامية، هل سيمثل هذا حلا للمشكلة؟ وماذا سيصنع هؤلاء مع القنوات اللبنانية
والمصرية والخليجية والقنوات التجارية الأخرى، بل ومختلف القنوات العالمية التي تبث
الآن على مدار الساعة؟ وما المدخل الذي سيسلكونه لدعوة تلك القنوات للتوبة أو
العدول عن طريقها؟ وأين سيرفعون قضاياهم، خاصة أن كثيرا من تلك القنوات التي لا
تعود لملاك سعوديين تحظى هي أيضا بمتابعة واسعة في الشارع السعودي.
البرامج التي
تقدمها القنوات التي تتبع لسعوديين توجد لديها أجهزة وموظفون للرقابة واتباع سياسة
تراعي الثقافة السعودية غالبا، أما ما يعرض من مسلسلات تركية أو أجنبية أو أغان أو
غيرها فهي بشكل أو بآخر مجرد صورة للعالم, وإذا كان الاحتجاج على وجود نساء فتلك هي
الحياة اليومية العادية في تركيا ومصر والخليج وغيرها، والأعمال الدرامية إنما تتم
وفق أجواء المجتمع الذي تنتج فيه، ولا يمكن بالطبع القول إن كل ما هو خارج الحدود
يعتبر فسادا وفسقا.
إن الأولى والأبرز والأهم أن تتجه الأصوات الممانعة من
التهجم على القنوات وملاكها إلى التفكير في كيفية إيجاد وعي حقيقي يجعل المجتمع
قادرا على صناعة موقف من الخطأ، خاصة أن الحياة قد أثبتت أن الذين يفكرون في حصار
ما يرونه خطأ عن طريق المنع والإقفال والحصار هم في الحقيقية أصبحوا جزءا من
المشكلة أكثر من كونهم جزءا من الحل، لأن موقفنا من العالم لا يمكن لا يمكن أن يتم
تحديده عن طريق الرفض والممانعة والحدة، بدليل أن الناس في انصراف دائم عن هذه
الأفكار فيما لم يبق سوى أصوات الممانعة والبحث عن خصوم باستمرار.
وهو ما يجعل
الوعي الحقيقي هو أبرز الضحايا.
إن ما يحدث هو نوع من تصغير دائرة الخصوم، والتي
ستظل تصغر باستمرار لأن أفكار الممانعة الجامدة والتي لا تبحث عن وعي ولا عن قيمة
ثقافية ستظل مجرد مراحل من الصراخ لا قيمة لها، لأن صناعة الصواب والصلاح لا تتم عن
طريق ممانعة الخطأ وحجره ومنعه ولكنها تتمثل في قدرة الناس على أن تميز بين الصواب
والخطأ، وأن تختار ما تريد.
عن الوطن السعودية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد