المعاصرة. .
مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من البلدان النامية
والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى العودة بالعالم إلى
العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال السيطرة على الموارد
البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع والملكية الفكرية، والتحكم
بوسائل الاتصال الدولة، واحتكار
إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن احتكارها يمكن الولايات المتحدة
الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في العالم أجمع.
. يتناول هذا
الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط بها من مختلف أبعادها ومن
منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما صاحبها من تدهور مستوى المعيشة
وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز
بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة
الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت
قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من
الأحاديث والأفكار الملتهية حول العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين
العرب.
قلنا في الحلقة الفائتة إن كل المؤشرات تؤكد أنه ستكون هناك شبكة
الكترونية كثيفة تربط سكان العالم ببعضهم وأكثر متانة من الأواصر التي تربط
المواطنين في البلد الواحد.
وترى "تايبه" في نفسها وريثاً لوادي السيليكون لا
سيما أن تايوان قد أخذت مكان الصدارة العالمية في إنتاج أجهزة التلفزيون وأجهزة
الكمبيوتر ومعداته وتسعى ما ليزيا جاهدة إلى التخصص في تصدير التقنية العالية لتحقق
لنفسها الرخاء الذي سبق أن حقيقته منطقة الروهر في ألمانيا حينما اختصت بإنتاج
الصلب والحديد وتنتج بومباى بدورها ما يقرب من 800 فيلم سنوياً أي أنها تنتج أربعة
أضعاف ما تنتجه هوليوود هذا وقد ارتفعت إيجارات المكاتب هناك ارتفاعاً حطم الرقم
القياسي في اليابان.
وتتطلع شانغها بي على وجه الخصوص لتكون المركز الاقتصادي
الأول في قائمة مدن آسيا الكبرى ولتنافس بالتالي طوكيو ونيويورك وقد قال هويانغ
تساهو الاقتصادي الأول في هيئة التخطيط في المدينة: إننا نريد أن نكون في عام 2010م
المركز العالمي الأول في مجال التجارة والمال في المنطقة الغربية من المحيط الهادي
وبناء على هذا فقد بدأت المدينة تشهد أكبر عملية إصلاح وإعادة بناء شهرها التاريخ
منذ أن قام البارون هاوس مان بإعادة بناء باريس في القرن التاسع عشر فقد هدمت
شانغاوي القديمة برمتها تقريباً لتحل محلها مدينة جديدة تناسب متطلبات العصر وهكذا
تعين على ربع مليون عائلة أن تغادر مركز المدينة حتى الآن وستلحق بها ستمائة ألف
عائلة أخرى ومكن هذا النزوح الهائل 400 شركة من الشركات المائة العالمية الكبرى من
فتح مكاتب لها هناك وتتطلع شركة سميز إلى المشاركة في بناء مترو المدينة وتنتج شركة
الفولكس فاجن في شانغها بين في هذا العام 2200 ألف سيارة وسيزيد هذا الإنتاج في عام
2000 ليصل إلى مليون سيارة،أما المستعمرة البريطانية السابقة هونغ كونغ فإنها هي
الأخرى تتطلع لاتخاذ مكان ريادي.
وكان المصرفي الكبير كلنت مارشال قد عبر عن هذا
التطلع عندما قال "أن تنفق هونغ كونغ 200 مليار دولار لبنا مطار جديد وعلى مسافة لا
تبعد سوى 20 كيلو متر" بدأت الآن ا لمقاطعة الصينية المتنامية غوان دونغ بتزويد
السوق العالمية بما تحتاج إليه من بضائع.
واستناداً إلى هذه الأمور كلها فإن
رياح الإزدهار قد أخذت تهب على كل حدب وصوب في الصين وإن انطوى هذا الازدهار على
شيء من المرارة في وسط الاشتراكية القائمة على اقتصاد السوق التي طبقها دنغ
اكسياوبنغ، سيكون بوسع هذه البلدان أن تحتل في عام 2000 المرتبة الثانية في قائمة
القوى الاقتصادية الكبرى في العالم أي أنها ستتفوق على اليابان وألمانيا وهكذا وإذا
كان طلبة الثانويات في أوروبا فعلاً.
ففي نابلي يعمل الآن على مدار الساعة عمال
جاءوا من شانغهاي وعلى وجه التحديد من مؤسسة الحديد والصلب ما يزهان وينطوي عمل
هؤلاء الرجال على تفكيك منشأة الصلب الحديد تزن 24 ألف طن وقائمة على مساحة تبلغ
مائة هكتار تعود ملكيتها إلى أحد مصانع مؤسسة الحديد والصلب الإيطالية باغنولي وذلك
لتوقف العمل في هذا لمصنع وحسب الخطة الزمنية فإنه سيتم في صيف عام 1997م بناء هذه
الأجزاء المفككة ثانية في ميناء بانينغ الواقع على ضفاف نهر يانغ أي على بعد 14 ألف
كيلومتر من الموقع الحالي وتقوم شركة تين للحديد والصلب بدورها أيضاً بتفكيك فرن
غير مستخدم استخداما تاماً لتصدره إلى الهند، أما شركة فوست البين النمساوية فقد
باعت مصنعاً للحديد والصلب قديماً برمته إلى ماليزيا ومن هذه كله يتضح لنا أن أبناء
الشرق الأقصى لا يشترون إلا البضاعة الجيدة، إنهم آخر المنتفعين من المليارات
الكثيرة التي دفعتها الحكومات الأوروبية على مدى عشرات السنين لتدعم بها المصانع
المنتجة للحديد والصلب.
وهكذا وبسرعة يصعب إدراكها تتحقق العولمة أي انصهار
العدد الهائل من الاقتصاديات الضرورية والإقليمية الوطنية في اقتصاد عالمي شمولي
وأحد لامكان فيه للخاملين بل اولئك الذين يقدرون على مواجهة عواصف المنافسة الهوجاء
حسبما يصف الاقتصادي إدوارد لتوك العصر الجديد.
لقد صار العالم سوقاً واحداً
وصارت التجارة السليمة تبدو وكأنها في نمو مطرد أليس في هذا تحقيق لذلك الحلم الذي
طالما حلمت به الإنسانية وألا ينبغي لنا نحن أبناء الدول الصناعية الثرية أن نهلل
فرحاً لما حققته الدول النامية من تقدم؟ وألم يصبح تحقق السلام الشامل قاب قوسين أو
أدنى؟ كلا بكل تأكيد.
فتصور المفكر الكندي مارشال ماك لوهان أن العالم سيغدو
"قرية كونية متشابهة لم يتحقق"، ففي حين يردد المعلقون والسياسيون هذا الصورة
المجازية دونما انقطاع توضح لنا الدراسة المتأنية أن العالم لا ينمو نمواً يغرز
التلاحم والالتئام حقاً. .
لقد تابع أكثر من مليار مشاهد للتلفزيون في وقت واحد
بطولة الملاكمة بين أكل شولتس وما يكل مورر في الملعب الرياضي في مدينة دورت موند
في يونيو من عام 1996م وحقاً كان هناك ثلاث مليارات ونصف مليار مشاهد حضروا عبر
شاشات التلفزيون حفلة افتتاح الدورة الأولمبية للملاكمة والمسابقات الرياضية لا
تخلق وإن نقلتها كل شاشات تلفزيون المعمورة في وقت واحد تبادلاً ثقافياً وتفاهماً
دولياً وإذا كانت هي تعجز عن هذا فإنها ستعجز بكل تأكيد عن تقريب المستويات
المعيشية.
الحقيقة الأولمبية قبل أن ينشر الإرهاب اليميني ظلال الصراعات
الاجتماعية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية على الألعاب الأولمبية المنقولة
بالتلفزيون مباشرة فضح المنضمون للألعاب في أتلاندا بأنفسهم زيف صداقتهم لشعوب
العالم فهم كانوا قد حولوا في بادئ الأمر أولئك المشاهدين البالغ عددهم 85 ألف
مشاهد والذين دفعوا 636 دولاراً عن كل تذكرة لحضور حفل الافتتاح إلى كومبارس أسكره
فيض المشاهد العارمة، فقد تعين على هؤلاء أن يلوحوا كلما طلب منهم وعلى نحو يتناسب
فنون التصوير السينمائي بمناديل ملونة ومصابيح الجيب وبقصاصات من اللوحات
الكارتونية.
وكانت كلمة "حلم" قد أرتقت هناك إلى منزلة الكلمات المقدسة وصارت
أكثر حظوة لدى أبواق الدعاية الأمريكية من عبارة "الحرية" التي اعتادوا استدعاءها
في كل الأوقات.