مصطفى الدفعي
الشاهي دائماً والتقي فيه بعدد من أصدقائي بعض المعاريف حتى إننا كما قتل في
حكاياتي السابقة اصبحنا من رواد هذا المقهى الذي نفضل اللقاء فيه أنا والآخرون
.
عموماً قررت أمس الذهاب للمقهى وخلال دخولي إلى المقهى رأيت الحاج
سالم والأستاذ توفيق والوالد حسن
وبينهم شاب صغير اسمه وائل وهو ابن لواحد من أصدقائنا المتقاعدين وقد انقطع عن
الحضور للمقهى بسبب كبر سنه وبعض الأمراض التي أصابته .
وقد شاهدت أصدقائي
والشباب منسجمين في حديثهم الذي لم أعرف مضمونه بعد ولكنني استنتجت من خلال ضحكاتهم
أنه حديث لا يخرج عن نطاق الدردشة أو التسلية .
كما أنني لاحظت أن الحاج سالم لا
يتحدث كثيراً وإذا ابتسم فابتسامته مغتصبه ولا تخرج عن نطاق مط الشفتين فتعجبت من
ذلك لأنه ذلك ليس من عادته مع الأصدقاء والناس إلا إذا كان هناك شيء زعلان منه ومش
أي زعل بل نقول غضب جاد .
المهم دار كل ذلك في نفسي فقلت سوف أجلس عندهم وأعرف
كل شيء.
ألقيت عليهم جميعاً التحية المعتادة ولكنها كانت مصحوبة بكلمات تعبر عن
شوقي الكبير لهم .
فردوا بأحسن مما نطقت لساني وبعضهم قام باحتضاني وأوسعوا مكان
لي للجلوس بينهم على نفس طاولة المقهى التي كانوا محيطين بها كما طلبوا لي فنجان
شاهي قالوا إنه على حسابهم هذه المرة .
وعند جلوسي لاحظت الشاب وائل يطلب الإذن
ويغادر سريعاً بحجة الانشغال حتى أنه لم يجب عن سؤالي الذي سألته عن أحوال والده
وصحته .
وبعد اندهاشي أدرت نظري نحو الحاج سالم الذي سريعاً ما فهم تعابير وجهي
فسارع قائلاً لا تستغرب من تصرف الشاب وائل فهو شاب سيء الخلق وعاصي الوالدين وكنا
لا نريده يجلس بجانبنا ولكن لا نقدر لأن هذا مقهى للجميع .
فسألت الحاج سالم
ماذا تقصد أنه شاب سيء وعاصي قل ما عندك .
فأجاب وعلامات الحزن على وجهه قائلاً
جميعنا يعرف أبوه وهو كبير في السن ومريض ومتقاعد ورجل طيب وذوا أخلاق وكريم ونعم
الصديق وقد التقيته الأسبوع الماضي يتكئ على عكاز ويمشي بالغصب بالمستشفى محملاً
بالأدوية فسلمت عليه وسألته لماذا يتحمل هذا العناء ولماذا لم يحضر معه ابنه وائل
ليساعده ويكون سنده فأجابني بغضب وصاح ليس معي ابن وهذا الابن الذي تقول عنه إنه
ابني الذي ربيته وسهرت عليه وعلمته وأضعت سنين عمري من أجله أصبح يضربني أنا وأمه
إذا لم نعطيه فلوس يصرفها بالقات والكلام الفارغ وآخر مرة ضربني لأنه يشتي يستلم
راتبي المعاش التقاعدي الشهري بدلاً عني يريد أن يدفنني بالحياة ويجردني من كل شيء
ولا يريد أن يعمل بل يريد من وجودنا معه وكلما نصحته يصيح خلوني أعيش أنتم خلاص
وواصل الحاج سالم حديثه أنا لم اسكت ذهبت للجهات المعنية وحضروا وخلوا ابنه يعمل
تعهد بعدم الاعتداء على والديه ثم صمت وقال لي لهذا لا أريدك أن تستغرب من تصرفات
ابنه وائل.
بعد ما سمعت حديث الحاج سالم دارت الدنيا وتذكرت زمان والله يرحم
أيام زمان كان الواحد منا لا يجرؤ أن يرفع رأسه احتراماً لوالديه بل دائم التقبيل
ليديهم بل ويختفي إذا غضب والده أو صفعه ليربيه ويتعلم الأدب وتغيرت الدنيا فصرنا
نسمع عن أبناء يضربون آباءهم كيف يطاوع الابن نفسه على أن تمتد يده إلى وجه أبيه
بينما الواجب أن ينحني له ويقبل بديه امتناناً ماذا جرى للدنيا وأين خوفه من الله
سبحانه وتعالى أكيد مصير هؤلاء النار أن شاء الله من وراء القصد.