بقلم أ.
أحمد محمد الكحلاني
أحمد محمد الكحلاني
إن الدين الإسلامي هو آخر الأديان التي أرادها
الله لعباده ومحمد صلى الله عليه وأله وسلم هو آخر الأنبياء والأدلة على ذلك كثيرة
ومعروفة سواء من الكتاب أو السنة أو الكتب السماوية الأخرى.
إذاً نستطيع القول
إن الدين الإسلامي دين عالمي ولم يكن ديناً لأمة معينة أو قبيلة أو لفترة زمنية
معينة ومحمد صلى الله عليه وسلم كذلك لم يكن مرسلاً لقريش أو العرب وإنما أرسل
للعالمين لأنه آخر الأنبياء
والمرسلين قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
في هذه الحالة لو تساءلنا
هل يمكن أن يكون هناك دين بهذه الشمولية ونبي بهذه المهمة الكبيرة والواسعة والتي
لم تكن لفترة محددة وإنما حتى قيام الساعة؟ هل يمكن أن يحصر الأمر في أسرة معينة أو
فئة معينة أو قلبية؟ هل يمكن أن يكون الإسلام بهذه العظمة وبهذا الإتساع وبذلك
المنهج الواضح ثم يترك أهم أمر من أمور الأمة للتنازع؟ إن المتأمل في النصوص
القرآنية أو الأحاديث القدسية يجد أنها قد بينت للناس في بعض الأمور أدق التفاصيل
ولكن عند مسألة الحكم لم تحدد صيغة معينة أو أسلوباً معيناً وإنما أكتفت تلك النصوص
بتحديد الأطر العامة التي ينبغي أن يكون عليها نظام الحكم في الإسلام وأهمها العدل
والشورى، البعض يقول كيف يمكن أن يكون الإسلام هو آخر الأديان ومحمد آخر الأنبياء
ويغفل عن تحديد التفاصيل لأهم أمر يتنازع عليه الناس وهو الحكم، والجواب أن ذلك لا
يعتبر قصوراً أو مصدر ضعف في الإسلام وإنما مصدر قوة إذ أن عظمة الإسلام وعالميته
لا يمكن أن تسمح له أن يحدد مثل هذا الأمر بالتفاصيل التي يريدها البعض مثل أمور
العبادات والمعاملات والتوحيد التي أمكن تحديدها لأنها ثابتة لكن أمور السياسة
والحكم متغيرة وما كان يصلح بالأمس قد لا يكون صالحاً اليوم وما يكون صالحاً لليوم
قد لا يكون صالحاً للغد وكذلك بالنسبة للأمكنة والشعوب لأنها تتباين في ثقافتها وفي
طبيعتها حتى ولو كانت في فترة زمنية واحدة، كما أن علماء الفقه الإسلامي قد أجازوا
أكثر من اثنتي عشر طريقة لاختيار الخليفة أهمها البيعة والاختيار في الأمة وهي
الأصل.
إذاً فإن من قال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال بأن الأئمة من
قريش أو أن الولاية من بعده في علي كرم الله وجهه أو غير ذلك من الأحاديث التي ترجح
أو تفضل أو تعطي الحق في الحكم لطرف أو جانب وتلغي الطرف أو الجانب الآخر هي أحاديث
قد تحدث عنها وفندها كثير من العلماء المنصفين المتخصصين في علم الحديث سواء كانوا
من السنة أو الشيعة والذين أكدوا أن بعضها موضوع وبعضها ضعيف ومع ذلك فقد ثبت عن
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "المؤذنون من الحبشة والقضاة من الأزد"، أجمع
الفقهاء على أنها وردت على سبيل المدح وليس على سبيل الحصر والقصر والا لقلنا بأنه
لا يكون المؤذن إلا حبشي ولا يكون القاضي إلا من الأزد.
إن بعض تلك الأحاديث
سواء كانت قد وضعت أو أنه تم تأويلها كانت هي سبب الفتنة وهي التي أضعفت الإسلام
والمسلمين حتى التاريخ فلو كان الإمام علي كرم الله وجهه أو أبو بكر رضي الله عنه
أو عمر بن الخطاب أو عثمان رضي الله عنهم جميعاً قد سمعوا أو علموا بذلك القول من
الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكد لهم ذلك لا ستدلوا به في وقته ولما حصل ذلك الخلاف
المعلن وغير المعلن في سقيفة بني ساعدة وفيما بعد موت كل خليفة من الخلفاء الراشدين
وهو شيء طبيعي يمكن أن يحصل ولكن في الأخير حصل اتفاق أو تفاهم ولم تحصل مواجهة أو
قتال ولم يكفر أحدهم الآخر وحينما سئل الإمام علي كرم الله وجهه عن الخوارج قال
إخواننا في الدين بغوا علينا بل إن الإمام علي كرم الله وجهه لو أنه سمع ذلك الحديث
عن الولاية من الرسول لخرج مقاتلاً من اللحظة الأولى ولما سكت ليس من أجل أن يكون
خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم حباً فيه أو طمعاً من أجله ولكن من أجل
تنفيذ ما أوصى أو أمر به أو دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أما لو كانت بعض
الآيات القرآنية التي فسرها البعض بأنها نزلت في الولاية لكان الإمام علي كرم الله
وجهه أكثر تشدداً على تنفيذها وكيف يخفى عليه مثل ذلك وهو كان أكثر الناس قرباً من
رسوله الله صلى الله عليه وسلم سواء عند نزول الوحي أو عندما كان الرسول يحدث
أصحابه وكيف يخفى عليه ذلك الأمر عليه والرسول قد قال فيه "أنا مدينة العلم وعلي
بابها" وإن من قالوا بأن علي كرم الله وجهه رضي بالأمر الواقع حرصاً على دماء
المسلمين أن تسفك مثل هذا القول لا يمكن أن ينطبق على شخص مثل الإمام علي كرم
الله وجهه فهو لم يكن مداهناً ولا يخشى في الله لومه لائم وهو لا يمكن أن يعمل
شيئاً خلافاً لما قاله أو عمله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكثير من المواقف
التي تعرف والتي لو استخدم فيها الإمام علي الكذب أو بما يسميها البعض الآن
بالسياسة في خلافه مع معاوية لانتصر علي ولكن مصداقيته وصراحته وإيمانه وخوفه من
الله هو الذي كان يرده عن ذلك وقد بين ذلك في قوله عندما قال "والله ما معاوية
بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر".
لقد اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم في طريقه
اختيار الخلفاء الراشدين من بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب الظروف التي
وجدت عند موت كل واحد منهم ولكن بداية المشكلة حصلت عند انتقال الحكم إلى الدولة
الأموية فقد كانت البداية في البحث عن أدلة أو أسانيد تساعد على تثبيت الحكم في
الأمويين فاستندوا إلى الحديث المعروف "الأئمة من قريش" وغيره من الأحاديث التي
وضعت أو أولت في تلك الفترة واعتبرت تشريعاً دينياً وأثبتوا ذلك في فكر المسلمين
وثقافتهم كأي مسألة من المسائل الدينية حتى ذكر النووي أن أهل السنة اجمعوا على ذلك
وقال ابن حزم: يحرم أن يكون الأمر في غيرهم "أي من قريش" ثم جاء العباسيون واستندوا
إلى نفس الحديث ولكنهم تأولوا فيه وقالوا إذا كان الأمر كذلك فإن خير قريش هم بني
هاشم ولم يتمكنوا من القضاء على الأمويين إلا عندما حشدوا لمواجهتهم كل العباسيين
والعلويين وسائر بني هاشم وأنصارهم تحت لواء واحد ولكنهم بعد وصولهم إلى الحكم
تنكروا للعلويين وطاردوهم وقتلوهم بل زعموا أن الخلافة لا تصح فيهم من خلال دعواهم
أن الخلافة جزء من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وهم أحق به، ولكن العلوين بما
كانوا يمثلونه من قدوة عند الناس استطاعوا إقناع الناس بأولويتهم في مقابل دعوى
الأمويين والعباسيين حيث اعتمدوا على ما سبق إلا أنهم أضافوا إليه تأويلاً جديداً
آخر وهو قولهم "إذا كان الأئمة من قريش وخير قريش بني هاشم فإن خير بني هاشم هم من
كانوا من نسل علي كرم الله ووجهه وأمهم بنت رسول الله "من البطنين" وبأن الخليفة لا
يكون إلا منهم وسار على هذا النهج الفاطميون ومن بعدهم بعض أئمة الزيدية رغم أن
الإمام زيد لم يكن يعتبر ذلك شرطاً.
يتضح من ذلك أن الأمويين تأولوا بعض
الأحاديث أو وضعوها من أجل تثبيت الحكم فيهم وقام العباسيون أيضاً ومن جاء بعدهم
ممن حكموا من أهل البيت بوضع وتأويل بعض الأحاديث وفسروا بعض الآيات القرآنية أو
قاموا بتأويلها والتي تحث وترغب على حب ومودة آل البيت ولكنهم قاموا بتوظيفها
سياسياً واعتبروها أحكاماً تعطي الحق لهم دون غيرهم في الحكم بينما معناها الحقيقي
الحب والمودة الروحية للصالح منهم دون مغالاة وليس لذلك علاقة بالحكم وقد أوضح ذلك
كثير من العلماء وأئمة المذاهب وفي مقدمتهم الإمام الشافعي رحمه الله الذي أوضح ذلك
بجلاء وكان له رؤية اعتبرت محل اتفاق عند كثير من العلماء المجتهدين.
إن كل
النصوص والشواهد والمراجع الصحيحة والمعتدلة والغير متعصبة تؤكد أن الخلافة أو
الولاية أو الحكم لم ينص به القرآن ولا السنة النبوية في أي شخص ولا في أي أسرة أو
قبيلة وإنما تركت لظروف كل زمان ومكان بحيث يتفق الناس على الطريقة أو الأسلوب الذي
من خلاله يتم إختيار الحاكم ويضعون القواعد المنظمة لذلك بحيث تظل تلك القواعد هي
المنظمة والمسيرة للنظام خلال تلك الفترة ومن بعد ذلك لا بأس من تعديلها بما يتلاءم
ويتناسب مع المستجدات والظروف الجديدة كما حصل في الماضي حيث نجد مثلاً أن الخلفاء
الراشدين الأربعة كل منهم اختير كخليفة للمسلمين بطريقة تختلف عن الطريقة التي جاء
بها سابقه، كذلك محاولة بعض الأنظمة أو المذاهب وضع شروط أو محددات لاختيار الحاكم
ربما كانت صالحة للعمل بها في ذلك الوقت وفي ذلك المجتمع ولكن لا يمكن أن تكون
صالحة في كل المجتمعات وللأبد.
وعلى سبيل المثال الزيدية عندما اجتهدوا وأقروا
مبدأ جواز الخروج على الحاكم هي في رأي البعض فكرة تحررية متقدمة وهو ما يمكن
تسميته الآن بمبدأ المعارضة وهو الآن مشروع في زمننا هذا بينما في المذاهب الأخرى
لم يكن مسموحة بها ولا الاجتهاد وحتى الآن وتعتبر المعارضة لولي الأمر خروجاً على
الجماعة إلا أن الخروج بحسب ما ذهبت إليه بعض فرق الزيدية هو الخروج بالسيف أي
بالقوة أي بمعنى الفتنة أو التمرد كما نسميه الآن لأن ظهور أكثر من إمام في زمن
واحد وفي منطقة جغرافية صغيرة أدل ذلك التنازع إلى استمرار الاقتتال على الحكم
واستمرار الحروب بين الأئمة المتنازعين أنفسهم وهم ينحدرون من أسرة واحدة بل
أحياناً بين الأخوة الأشقاء وهم من بيت واحد وتكون الغلبة في الأخير للأقوى وما إن
يتخلص الإمام الذي انتصر على خصمه حتى يظهر أكثر من إمام في نفس المساحة الجغرافية
البسيطة التي استطاع ذلك الإمام بسط نفوذه عليها وهكذا كل منهم يدعي أحقيته بالحكم
على مدى ألف عام من الاقتتال والاحتراب المستمر ولم تشهد اليمن أي فترة استقرار في
المناطق التي كانت تحكم وفق تلك الرؤية وهو ما أضعف المذهب الزيدي في الإنتشار وطل
محصوراً بين صعدة وذمار رغم أنه مذهب تحرري وسطي غير متعصب يسمح بالاجتهاد ولم
يعتبروهم الشيعة ولا السنة من الفرق الشيعية حتى أنه سموهم "سنة الشيعة وشيعة
السنة" فهم لا يقولون بالعصمة ولا بالرجعة ولا بالغيبة ولا بالتقية ولا يسبون
الصحابة رضوان الله عليهم ، وبالتالي مبدأً الخروج كان موفقاً كما يعتبره البعض إذا
ما اعتبرنا ذلك هو مبدأ المعارضة ولكن الوسيلة التي استخدمت في تنفيذه كانت فاشلة،
لم تكن ناجحة أو موفقة وهو استخدام القوة الآن وفي ظل الدستور والقانون الذي سمح
بالمعارضة وبالتعددية الحزبية يمكن أن يظل المبدأ قائماً وفقاً للرؤية الزيدية وهو
مبدأ الخروج "المعارضة" ولكن الوسيلة يجب أن تختلف يجب أن تكون في إطار الدستور،
يجب أن تكون في إطار التعدد بالبرامج، باستخدام وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة
في إطار القانون المنظم لذلك.
وهي طريقة سلمية كفلت أن يصل إلى الحكم أي شخص
توفرت فيه الكفاءة سواء كان قرشياً أو هاشمياً أو علوياً أو غير ذلك وقد حسم
الدستور هذا الأمر بالشروط التي نُص عليها في من يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية
وأقره الشعب في استفتاء عام بعد إقرار العلماء ونواب الشعب له في مجلس النواب وهو
يمثل اجماع الشعب.
حتى الديمقراطية التي تعتبر في عصرنا الحديث من أكثر الأنظمة
السياسية شيوعاً أو ترويجاً في الدول الغير إسلامية والدول الإسلامية لم تأت بها
ديانة من الديانات بل إنها من صنع البشر وتختلف آلياتها من بلد إلى آخر وقد نجحت في
بلدان ولم تنجح في بلدان أخرى لكن لا يمكن أن تكون صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان
في أي بلد وبنفس القدر وإذا ما رجعنا إلى تاريخ أي دولة من تلك الدول التي نجحت
فيها الديمقراطية كوسيلة من وسائل التداول السلمي للحكم نجد أنها تختلف من بلد إلى
آخر وأنها مرت بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه وأن ذلك النجاح اقترن
بعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية ساعدت على نجاحها، هذه العوامل كانت السبب في
عدم نجاح التجربة عندما تم محاولة نقلها إلى مجتمعات أخرى لم تتوفر فيها نفس القدر
من تلك العوامل أو بعض منها ولكن أثبتت أنها من الوسائل السلمية الأكثر نجاحاً في
التاريخ السياسي الحديث والمعاصر للوصول إلى الحكم أو الخروج منه ولكنها بحاجة إلى
فترات من بلد إلى آخر بحسب ظروف وواقع كل بلد، المهم استمرار الإرادة لدى الحكام
المتعاقبين واستمرار الإرادة لدى الشعوب في السير في هذا المنهج بغض النظر عن
التسمية - تسمى ديمقراطية أو شورى أو بيعة أو أي شيء آخر.
نستنتج من كل ذلك أن
الله سبحانه وتعالى عندما أنزل الكتب السماوية لم يحصر الحكم في جماعة ولا فئة ولا
شعب من الشعوب بل جعل الخلافة في الجماعة الإنسانية كأصل عام "إني جاعل في الأرض
خليفة " ثم جعل لكل شرعة ومنهاجاً ينظم هذا الحق فيما بينهم بما يتلائم مع تطورهم
الحضاري وعندما تم تحريف الكتب السماوية السابقة وتم توظيفها سياسياً لصالح الحكام
أو رجال الدين جاء الإسلام كرسالة سماوية خالدة لكل الأمم والشعوب على لسان سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين فمن الناحية العقلية
والمنطقية لا يمكن أن يحصر الحكم في فئة أو أسرة أو قبيلة وإلا لضعفنا وقزمنا
الإسلام إذ كيف يمكن لهذه الأسرة أو الفئة أن تتوزع على الأمم والشعوب والدول حتى
تحكمها في حال انتشر الإسلام وساد كل بقاع العالم سواء كانوا من قريش أو من بني
هاشم أو من ذرية علي كرم الله وجهه أو غيرهم. .
فلا يمكن أن يكون الإسلام وهو ذلك
النهج العظيم الكامل الشامل - أن يكون ديناً عنصرياً يحصر الحكم في فئة أو اسرة
قبيلة معينة ويلغي الآخرين أما من الناحية النصية فلا يوجد نص قرآني صريح ولا حديث
نبوي صحيح يعطي هذا الحق لأي فئة أو أسرة أو قبيلة أو جماعة لا قرشي ولا هاشمي ولا
علوي وإنما الولاية للإكفاء من الأمة وهو ما ذهب إليه معظم المجتهدين من زيدية
وغيرهم وفي مقدمتهم الإمام زيد بن علي الذي ينسب إليه المذهب والإمام المهدي أحمد
بن يحيى المرتضى "840هج" مؤلف كتاب الأزهار والبحر الزخار والذي يعتبر من أهم مراجع
الزيدية الذي قال "أن قيام الدليل الشرعي يدل على جواز نصب كل من صلح للقيام
بالمقصود قرشياً كان أو غيره هاشمياً كان أو غير هاشمي" والإمام عز الدين بن الحسن
"900 هج" والعلامة نشوان بن سعيد الحميري "753 هج" وغيرهم من العلماء والمجتهدين من
سنة وشيعة.
على أن يتفق للناس على القواعد والأساليب التي تنظم ذلك ضمن الدستور
الذي يكون قابلاً للتغيير من وقت لآخر بحسب ما تقتضيه مصالح الأمة ويجمع عليه
الناس.
وقد كانت الشورى الإسلامية أبرز النظم السياسية في تاريخ الإنسانية وكما
بينها بعض فقهاء الزيدية بأن الخلافة رئاسة عامة تستمد من الأمة بالبيعة ليس له
سلطة عليها إلا منها والذي يقابله اليوم النص الدستوري بأن الشعب مالك السلطة
ومصدرها.
وكذلك فإن الزيدية لم يجيزوا ولاية العهد ولا العصمة أو النص الإلهي
ولا يقرون بشيء مما يقول به الغلاة من الإمامية الإثنى عشرية أو الإسماعيلية أو
الحوثية وكذلك يجب التنبيه إلى هذه الفوارق بين الزيدية وغيرهم وأهم قاعدة هي من لا
يقول بما قال به الإمام زيد رضي الله عنه فليس بزيدي وإن أدعى انتسابه
إليها.
الله لعباده ومحمد صلى الله عليه وأله وسلم هو آخر الأنبياء والأدلة على ذلك كثيرة
ومعروفة سواء من الكتاب أو السنة أو الكتب السماوية الأخرى.
إذاً نستطيع القول
إن الدين الإسلامي دين عالمي ولم يكن ديناً لأمة معينة أو قبيلة أو لفترة زمنية
معينة ومحمد صلى الله عليه وسلم كذلك لم يكن مرسلاً لقريش أو العرب وإنما أرسل
للعالمين لأنه آخر الأنبياء
والمرسلين قال تعالى "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
في هذه الحالة لو تساءلنا
هل يمكن أن يكون هناك دين بهذه الشمولية ونبي بهذه المهمة الكبيرة والواسعة والتي
لم تكن لفترة محددة وإنما حتى قيام الساعة؟ هل يمكن أن يحصر الأمر في أسرة معينة أو
فئة معينة أو قلبية؟ هل يمكن أن يكون الإسلام بهذه العظمة وبهذا الإتساع وبذلك
المنهج الواضح ثم يترك أهم أمر من أمور الأمة للتنازع؟ إن المتأمل في النصوص
القرآنية أو الأحاديث القدسية يجد أنها قد بينت للناس في بعض الأمور أدق التفاصيل
ولكن عند مسألة الحكم لم تحدد صيغة معينة أو أسلوباً معيناً وإنما أكتفت تلك النصوص
بتحديد الأطر العامة التي ينبغي أن يكون عليها نظام الحكم في الإسلام وأهمها العدل
والشورى، البعض يقول كيف يمكن أن يكون الإسلام هو آخر الأديان ومحمد آخر الأنبياء
ويغفل عن تحديد التفاصيل لأهم أمر يتنازع عليه الناس وهو الحكم، والجواب أن ذلك لا
يعتبر قصوراً أو مصدر ضعف في الإسلام وإنما مصدر قوة إذ أن عظمة الإسلام وعالميته
لا يمكن أن تسمح له أن يحدد مثل هذا الأمر بالتفاصيل التي يريدها البعض مثل أمور
العبادات والمعاملات والتوحيد التي أمكن تحديدها لأنها ثابتة لكن أمور السياسة
والحكم متغيرة وما كان يصلح بالأمس قد لا يكون صالحاً اليوم وما يكون صالحاً لليوم
قد لا يكون صالحاً للغد وكذلك بالنسبة للأمكنة والشعوب لأنها تتباين في ثقافتها وفي
طبيعتها حتى ولو كانت في فترة زمنية واحدة، كما أن علماء الفقه الإسلامي قد أجازوا
أكثر من اثنتي عشر طريقة لاختيار الخليفة أهمها البيعة والاختيار في الأمة وهي
الأصل.
إذاً فإن من قال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال بأن الأئمة من
قريش أو أن الولاية من بعده في علي كرم الله وجهه أو غير ذلك من الأحاديث التي ترجح
أو تفضل أو تعطي الحق في الحكم لطرف أو جانب وتلغي الطرف أو الجانب الآخر هي أحاديث
قد تحدث عنها وفندها كثير من العلماء المنصفين المتخصصين في علم الحديث سواء كانوا
من السنة أو الشيعة والذين أكدوا أن بعضها موضوع وبعضها ضعيف ومع ذلك فقد ثبت عن
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "المؤذنون من الحبشة والقضاة من الأزد"، أجمع
الفقهاء على أنها وردت على سبيل المدح وليس على سبيل الحصر والقصر والا لقلنا بأنه
لا يكون المؤذن إلا حبشي ولا يكون القاضي إلا من الأزد.
إن بعض تلك الأحاديث
سواء كانت قد وضعت أو أنه تم تأويلها كانت هي سبب الفتنة وهي التي أضعفت الإسلام
والمسلمين حتى التاريخ فلو كان الإمام علي كرم الله وجهه أو أبو بكر رضي الله عنه
أو عمر بن الخطاب أو عثمان رضي الله عنهم جميعاً قد سمعوا أو علموا بذلك القول من
الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكد لهم ذلك لا ستدلوا به في وقته ولما حصل ذلك الخلاف
المعلن وغير المعلن في سقيفة بني ساعدة وفيما بعد موت كل خليفة من الخلفاء الراشدين
وهو شيء طبيعي يمكن أن يحصل ولكن في الأخير حصل اتفاق أو تفاهم ولم تحصل مواجهة أو
قتال ولم يكفر أحدهم الآخر وحينما سئل الإمام علي كرم الله وجهه عن الخوارج قال
إخواننا في الدين بغوا علينا بل إن الإمام علي كرم الله وجهه لو أنه سمع ذلك الحديث
عن الولاية من الرسول لخرج مقاتلاً من اللحظة الأولى ولما سكت ليس من أجل أن يكون
خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحكم حباً فيه أو طمعاً من أجله ولكن من أجل
تنفيذ ما أوصى أو أمر به أو دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أما لو كانت بعض
الآيات القرآنية التي فسرها البعض بأنها نزلت في الولاية لكان الإمام علي كرم الله
وجهه أكثر تشدداً على تنفيذها وكيف يخفى عليه مثل ذلك وهو كان أكثر الناس قرباً من
رسوله الله صلى الله عليه وسلم سواء عند نزول الوحي أو عندما كان الرسول يحدث
أصحابه وكيف يخفى عليه ذلك الأمر عليه والرسول قد قال فيه "أنا مدينة العلم وعلي
بابها" وإن من قالوا بأن علي كرم الله وجهه رضي بالأمر الواقع حرصاً على دماء
المسلمين أن تسفك مثل هذا القول لا يمكن أن ينطبق على شخص مثل الإمام علي كرم
الله وجهه فهو لم يكن مداهناً ولا يخشى في الله لومه لائم وهو لا يمكن أن يعمل
شيئاً خلافاً لما قاله أو عمله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكثير من المواقف
التي تعرف والتي لو استخدم فيها الإمام علي الكذب أو بما يسميها البعض الآن
بالسياسة في خلافه مع معاوية لانتصر علي ولكن مصداقيته وصراحته وإيمانه وخوفه من
الله هو الذي كان يرده عن ذلك وقد بين ذلك في قوله عندما قال "والله ما معاوية
بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر".
لقد اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم في طريقه
اختيار الخلفاء الراشدين من بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب الظروف التي
وجدت عند موت كل واحد منهم ولكن بداية المشكلة حصلت عند انتقال الحكم إلى الدولة
الأموية فقد كانت البداية في البحث عن أدلة أو أسانيد تساعد على تثبيت الحكم في
الأمويين فاستندوا إلى الحديث المعروف "الأئمة من قريش" وغيره من الأحاديث التي
وضعت أو أولت في تلك الفترة واعتبرت تشريعاً دينياً وأثبتوا ذلك في فكر المسلمين
وثقافتهم كأي مسألة من المسائل الدينية حتى ذكر النووي أن أهل السنة اجمعوا على ذلك
وقال ابن حزم: يحرم أن يكون الأمر في غيرهم "أي من قريش" ثم جاء العباسيون واستندوا
إلى نفس الحديث ولكنهم تأولوا فيه وقالوا إذا كان الأمر كذلك فإن خير قريش هم بني
هاشم ولم يتمكنوا من القضاء على الأمويين إلا عندما حشدوا لمواجهتهم كل العباسيين
والعلويين وسائر بني هاشم وأنصارهم تحت لواء واحد ولكنهم بعد وصولهم إلى الحكم
تنكروا للعلويين وطاردوهم وقتلوهم بل زعموا أن الخلافة لا تصح فيهم من خلال دعواهم
أن الخلافة جزء من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وهم أحق به، ولكن العلوين بما
كانوا يمثلونه من قدوة عند الناس استطاعوا إقناع الناس بأولويتهم في مقابل دعوى
الأمويين والعباسيين حيث اعتمدوا على ما سبق إلا أنهم أضافوا إليه تأويلاً جديداً
آخر وهو قولهم "إذا كان الأئمة من قريش وخير قريش بني هاشم فإن خير بني هاشم هم من
كانوا من نسل علي كرم الله ووجهه وأمهم بنت رسول الله "من البطنين" وبأن الخليفة لا
يكون إلا منهم وسار على هذا النهج الفاطميون ومن بعدهم بعض أئمة الزيدية رغم أن
الإمام زيد لم يكن يعتبر ذلك شرطاً.
يتضح من ذلك أن الأمويين تأولوا بعض
الأحاديث أو وضعوها من أجل تثبيت الحكم فيهم وقام العباسيون أيضاً ومن جاء بعدهم
ممن حكموا من أهل البيت بوضع وتأويل بعض الأحاديث وفسروا بعض الآيات القرآنية أو
قاموا بتأويلها والتي تحث وترغب على حب ومودة آل البيت ولكنهم قاموا بتوظيفها
سياسياً واعتبروها أحكاماً تعطي الحق لهم دون غيرهم في الحكم بينما معناها الحقيقي
الحب والمودة الروحية للصالح منهم دون مغالاة وليس لذلك علاقة بالحكم وقد أوضح ذلك
كثير من العلماء وأئمة المذاهب وفي مقدمتهم الإمام الشافعي رحمه الله الذي أوضح ذلك
بجلاء وكان له رؤية اعتبرت محل اتفاق عند كثير من العلماء المجتهدين.
إن كل
النصوص والشواهد والمراجع الصحيحة والمعتدلة والغير متعصبة تؤكد أن الخلافة أو
الولاية أو الحكم لم ينص به القرآن ولا السنة النبوية في أي شخص ولا في أي أسرة أو
قبيلة وإنما تركت لظروف كل زمان ومكان بحيث يتفق الناس على الطريقة أو الأسلوب الذي
من خلاله يتم إختيار الحاكم ويضعون القواعد المنظمة لذلك بحيث تظل تلك القواعد هي
المنظمة والمسيرة للنظام خلال تلك الفترة ومن بعد ذلك لا بأس من تعديلها بما يتلاءم
ويتناسب مع المستجدات والظروف الجديدة كما حصل في الماضي حيث نجد مثلاً أن الخلفاء
الراشدين الأربعة كل منهم اختير كخليفة للمسلمين بطريقة تختلف عن الطريقة التي جاء
بها سابقه، كذلك محاولة بعض الأنظمة أو المذاهب وضع شروط أو محددات لاختيار الحاكم
ربما كانت صالحة للعمل بها في ذلك الوقت وفي ذلك المجتمع ولكن لا يمكن أن تكون
صالحة في كل المجتمعات وللأبد.
وعلى سبيل المثال الزيدية عندما اجتهدوا وأقروا
مبدأ جواز الخروج على الحاكم هي في رأي البعض فكرة تحررية متقدمة وهو ما يمكن
تسميته الآن بمبدأ المعارضة وهو الآن مشروع في زمننا هذا بينما في المذاهب الأخرى
لم يكن مسموحة بها ولا الاجتهاد وحتى الآن وتعتبر المعارضة لولي الأمر خروجاً على
الجماعة إلا أن الخروج بحسب ما ذهبت إليه بعض فرق الزيدية هو الخروج بالسيف أي
بالقوة أي بمعنى الفتنة أو التمرد كما نسميه الآن لأن ظهور أكثر من إمام في زمن
واحد وفي منطقة جغرافية صغيرة أدل ذلك التنازع إلى استمرار الاقتتال على الحكم
واستمرار الحروب بين الأئمة المتنازعين أنفسهم وهم ينحدرون من أسرة واحدة بل
أحياناً بين الأخوة الأشقاء وهم من بيت واحد وتكون الغلبة في الأخير للأقوى وما إن
يتخلص الإمام الذي انتصر على خصمه حتى يظهر أكثر من إمام في نفس المساحة الجغرافية
البسيطة التي استطاع ذلك الإمام بسط نفوذه عليها وهكذا كل منهم يدعي أحقيته بالحكم
على مدى ألف عام من الاقتتال والاحتراب المستمر ولم تشهد اليمن أي فترة استقرار في
المناطق التي كانت تحكم وفق تلك الرؤية وهو ما أضعف المذهب الزيدي في الإنتشار وطل
محصوراً بين صعدة وذمار رغم أنه مذهب تحرري وسطي غير متعصب يسمح بالاجتهاد ولم
يعتبروهم الشيعة ولا السنة من الفرق الشيعية حتى أنه سموهم "سنة الشيعة وشيعة
السنة" فهم لا يقولون بالعصمة ولا بالرجعة ولا بالغيبة ولا بالتقية ولا يسبون
الصحابة رضوان الله عليهم ، وبالتالي مبدأً الخروج كان موفقاً كما يعتبره البعض إذا
ما اعتبرنا ذلك هو مبدأ المعارضة ولكن الوسيلة التي استخدمت في تنفيذه كانت فاشلة،
لم تكن ناجحة أو موفقة وهو استخدام القوة الآن وفي ظل الدستور والقانون الذي سمح
بالمعارضة وبالتعددية الحزبية يمكن أن يظل المبدأ قائماً وفقاً للرؤية الزيدية وهو
مبدأ الخروج "المعارضة" ولكن الوسيلة يجب أن تختلف يجب أن تكون في إطار الدستور،
يجب أن تكون في إطار التعدد بالبرامج، باستخدام وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة
في إطار القانون المنظم لذلك.
وهي طريقة سلمية كفلت أن يصل إلى الحكم أي شخص
توفرت فيه الكفاءة سواء كان قرشياً أو هاشمياً أو علوياً أو غير ذلك وقد حسم
الدستور هذا الأمر بالشروط التي نُص عليها في من يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية
وأقره الشعب في استفتاء عام بعد إقرار العلماء ونواب الشعب له في مجلس النواب وهو
يمثل اجماع الشعب.
حتى الديمقراطية التي تعتبر في عصرنا الحديث من أكثر الأنظمة
السياسية شيوعاً أو ترويجاً في الدول الغير إسلامية والدول الإسلامية لم تأت بها
ديانة من الديانات بل إنها من صنع البشر وتختلف آلياتها من بلد إلى آخر وقد نجحت في
بلدان ولم تنجح في بلدان أخرى لكن لا يمكن أن تكون صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان
في أي بلد وبنفس القدر وإذا ما رجعنا إلى تاريخ أي دولة من تلك الدول التي نجحت
فيها الديمقراطية كوسيلة من وسائل التداول السلمي للحكم نجد أنها تختلف من بلد إلى
آخر وأنها مرت بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه وأن ذلك النجاح اقترن
بعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية ساعدت على نجاحها، هذه العوامل كانت السبب في
عدم نجاح التجربة عندما تم محاولة نقلها إلى مجتمعات أخرى لم تتوفر فيها نفس القدر
من تلك العوامل أو بعض منها ولكن أثبتت أنها من الوسائل السلمية الأكثر نجاحاً في
التاريخ السياسي الحديث والمعاصر للوصول إلى الحكم أو الخروج منه ولكنها بحاجة إلى
فترات من بلد إلى آخر بحسب ظروف وواقع كل بلد، المهم استمرار الإرادة لدى الحكام
المتعاقبين واستمرار الإرادة لدى الشعوب في السير في هذا المنهج بغض النظر عن
التسمية - تسمى ديمقراطية أو شورى أو بيعة أو أي شيء آخر.
نستنتج من كل ذلك أن
الله سبحانه وتعالى عندما أنزل الكتب السماوية لم يحصر الحكم في جماعة ولا فئة ولا
شعب من الشعوب بل جعل الخلافة في الجماعة الإنسانية كأصل عام "إني جاعل في الأرض
خليفة " ثم جعل لكل شرعة ومنهاجاً ينظم هذا الحق فيما بينهم بما يتلائم مع تطورهم
الحضاري وعندما تم تحريف الكتب السماوية السابقة وتم توظيفها سياسياً لصالح الحكام
أو رجال الدين جاء الإسلام كرسالة سماوية خالدة لكل الأمم والشعوب على لسان سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء والمرسلين فمن الناحية العقلية
والمنطقية لا يمكن أن يحصر الحكم في فئة أو أسرة أو قبيلة وإلا لضعفنا وقزمنا
الإسلام إذ كيف يمكن لهذه الأسرة أو الفئة أن تتوزع على الأمم والشعوب والدول حتى
تحكمها في حال انتشر الإسلام وساد كل بقاع العالم سواء كانوا من قريش أو من بني
هاشم أو من ذرية علي كرم الله وجهه أو غيرهم. .
فلا يمكن أن يكون الإسلام وهو ذلك
النهج العظيم الكامل الشامل - أن يكون ديناً عنصرياً يحصر الحكم في فئة أو اسرة
قبيلة معينة ويلغي الآخرين أما من الناحية النصية فلا يوجد نص قرآني صريح ولا حديث
نبوي صحيح يعطي هذا الحق لأي فئة أو أسرة أو قبيلة أو جماعة لا قرشي ولا هاشمي ولا
علوي وإنما الولاية للإكفاء من الأمة وهو ما ذهب إليه معظم المجتهدين من زيدية
وغيرهم وفي مقدمتهم الإمام زيد بن علي الذي ينسب إليه المذهب والإمام المهدي أحمد
بن يحيى المرتضى "840هج" مؤلف كتاب الأزهار والبحر الزخار والذي يعتبر من أهم مراجع
الزيدية الذي قال "أن قيام الدليل الشرعي يدل على جواز نصب كل من صلح للقيام
بالمقصود قرشياً كان أو غيره هاشمياً كان أو غير هاشمي" والإمام عز الدين بن الحسن
"900 هج" والعلامة نشوان بن سعيد الحميري "753 هج" وغيرهم من العلماء والمجتهدين من
سنة وشيعة.
على أن يتفق للناس على القواعد والأساليب التي تنظم ذلك ضمن الدستور
الذي يكون قابلاً للتغيير من وقت لآخر بحسب ما تقتضيه مصالح الأمة ويجمع عليه
الناس.
وقد كانت الشورى الإسلامية أبرز النظم السياسية في تاريخ الإنسانية وكما
بينها بعض فقهاء الزيدية بأن الخلافة رئاسة عامة تستمد من الأمة بالبيعة ليس له
سلطة عليها إلا منها والذي يقابله اليوم النص الدستوري بأن الشعب مالك السلطة
ومصدرها.
وكذلك فإن الزيدية لم يجيزوا ولاية العهد ولا العصمة أو النص الإلهي
ولا يقرون بشيء مما يقول به الغلاة من الإمامية الإثنى عشرية أو الإسماعيلية أو
الحوثية وكذلك يجب التنبيه إلى هذه الفوارق بين الزيدية وغيرهم وأهم قاعدة هي من لا
يقول بما قال به الإمام زيد رضي الله عنه فليس بزيدي وإن أدعى انتسابه
إليها.