بشكلها الراهن وقواعدها المعاصرة. .
مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من
البلدان النامية والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى
العودة بالعالم إلى العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال
السيطرة على الموارد البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع
والملكية الفكرية، والتحكم بوسائل الاتصال الدولة، واحتكار إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن
احتكارها يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في
العالم أجمع.
. يتناول هذا الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط
بها من مختلف أبعادها ومن منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما
صاحبها من تدهور مستوى المعيشة وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور
الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية
وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين
وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من الأحاديث والأفكار الملتهية حول
العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين العرب.
إن البث الإعلامي الشامل لكل أرجاء
المعمورة قد أخذ يؤدي مفعوله فحيثما يوثق البث التلفزيوني وحيثما يعرض السياح مستوى
الرفاه المتحقق في البلدان الصناعية يعقد الشباب المتعطش للحياة الكريمة في البلدان
التي ليس فيها غير الفقر والفاقة العزم على الرحيل إلى أراضي الميعاد.
وقبل
حوالي قرن واحد فقط من الزمن صدرت أوروبا فائضها السكاني المتزايد وجماهيرها
الغفيرة الجياع إلى قارات أخرى فقد غادر بريطانيا العظمى بمفردها ثمانية عشر مليون
مهاجر أي ما كان يعادل ستة أضعاف سكان لندن المدينة التي كانت آنذاك أكبر مدن
العالم واليوم أيضاً تتفاقم حالة الفقر في الجزيرة "البريطانية" وفي باقي دول
الاتحاد الأوروبي لقد حان الأوان الآن لهجرة جديدة ولكن إلى أين؟ وفي المقابل
يتزاحم أولئك الذين هم في وضع أسوأ بكثير على عبور نهر ريو غراند للدخول إلى
الولايات المتحدة الأمريكية المباركة وعلى عبور البحر المتوسط للوصول إلى قادة
البطالة العمالية بأوروبا ففي السبعينات هاجر 20 في المائة من مجموع قوة العمل
الجزائرية و12 في المائة من مجموع قوة العمل المغربية وكذلك 10 في المائة من مجموع
التونسيين الذين في سن العمل ومنذ مدة يسعى الإتحاد الأوروبي إلى إغلاق حدوده في
وجه الهجرة ويرفض منح تأشيرات الدخول والعمل ولكن مع هذا لن يفلح الحصن الأوروبي في
سد كل المنافذ لا سيما أن الحاجز المائي ضيق جداً فحتى بخشبة ركوب الأمواج بإمكان
المرء إذا ما ركب عليها شرعا أن يستعين بها لعبور مضيق جبل طارق وتخطي الحد الفاصل
بين الفقر والغنى في وقت وجيز وكان رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي قد زودوا حماة
حدودهم بالسلاح منذ فترة ليست بالقصيرة ومع هذا وسيأتي ملايين من البشر حسبما يرى
براتداند شنايدر من نادي روما ولكن "من سيعطي الأمر بإطلاق النار لوقف
مسيرتهم".
لعبة البلياردو في أسواق المال العالمية لاشك بأن ميشيل كامديسو رجل
ذو سطوة فلفتته تخلو من الزخرفة وأقواله مطاعة ليس لأحد الاعتراض عليها أو مناقشتها
إلا نادراً ومن خلف الطاولة الضخمة لمكتبه الكائن في الطابق 13 من تلك البناية التي
تقيض الروح والواقعة في الشمال الغربي من عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية وفي
الجستريت على وجه التحديد يدير البيروقراطي الفرنسي إحدى أكثر المؤسسات العالمية
مدعاة للجدل والنقاش وإن كانت لا غنى عنها على ما يبدو، أعني صندوق النقد الدولي
والمسمى باختصار وجرت العادة في كل الحالات التي تطلب فيها الحكومات العون من وزراء
المالية الأجانب أو من المصارف الأجنبية لمساعدتها في تسديد ما بذمتها من ديون لم
تعد هذه الحكومات قادرة على الإيفاء بها أو لمواجهة أزمة اقتصادية لم تعد قادرة على
تذليلها وتحال هذه الحكومات إلى كامديسو ومؤسسته المالية العالمية التي يعمل بها 3
آلاف موظف وحتى إن مثل أمام هذا الرجل الذي يدير صندوق النقد الدولي منذ عشر سنوات
ممثلو أمم كبرى "كروسيا والبرازيل والهند" فإنهم لا يمثلون أمامه بصفتهم أنداداً له
بل يمثلون أمامه بصفتهم مقدمي إلتماس وفي ختام المفاوضات التي تستمر في بعض الأحيان
عدة سنوات يتعين عليهم دائماً التعهد بتطبيق برامج تقشف صارمة وبتقليص عظيم للأجهزة
البيروقراطية في دولهم وبعد أخذ هذا التعهد منهم يقدم كامديسو لممولي الصندوق
الأثرياء وعلى وجه الخصوص لمندوبي الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا
لاتفاقات بشأن القروض المزمع منحها بفوائد ميسرة وذلك قصد التصويت عليها وهكذا فإنه
لا يصادق عليها إلا بعد أخذ موافقة هؤلاء إلا أن هذا الروتين المعتاد لم يكن ذا
قيمة.
في مساء يوم الاثنين القارص البرودة الموافق 30 يناير من عام 1995 التاسعة
مساء وصل إلى سمع كامديسو خبر تركه في حالة فزع واضطراب ففي دقائق وجيزة صار يتعين
عليه فقط اتخاذ تدابير تفادي كارثة كان حتى ذلك الحين يرى أن إمكانية حدوثها
مستحيلاً. .
وهكذا وفي حالة توتر قصوى حزم أوراقه وترك مكتبه الواسع ذا الجدران
المغطاة بلوائح من الخشب الماهجوني لينتقل إلى صالة اجتماع أوسع، جرت العادة على أن
يجتمع فيها مديرو الصندوق التنفيذيون البالغ عددهم 24 عضواً وذلك حيثما يكونون في
صدد اتخاذ قرار، بمنح صندوق النقد الدولي قرضاًَ لبلد معين، أما الآن فإنه يجلس
وحيداً في هذه الصالة وفي يده سماعة التليفون وحسب ما قاله فيما بعد "كنت أفتش عن
جواب لسؤال لم أواجهه من قبل قط" إنه السؤال عما إذا كان ينبغي عليه الخروج على
قوانين صندوق النقد الدولي والموافقة من قبل الدول المانحة لرأس المال على أكبر قرض
في تاريخ مؤسسته البالغة من العمر خمسين عاماً.
لقد أمسك كامديسو بسماعة
التليفون وتحول وهو المدير المتسلط المهيمن على مقدرات أكبر مؤسسة مانحة للقروض في
العالم إلى دمية تحركها أصابع لا يعرفها هو نفسه.
عملية "البيزو" لقد اندلعت
الأزمة بعد فترة وجيزة من رحيل القائمين على شؤون السياسة في واشنطن للتمتع
بإجازتهم الشتوية وكانت الحكومة المكسيكية قد أعلنت قبل حلول أعياد الميلاد بأربعة
أيام عزمها على تخفيض قيمة عملتها الوطنية لأول مرة منذ سبع سنين وكان من المقرر أن
تنخفض قيمة البيزو بمقدار خمسة سنتات أمريكية أي بمقدار 15 في المائة من قيمته
الجارية الأمر الذي سبب حالة ذعر خيمت على العالم أجمع وعلى المشرفين على إدارة
رؤوس الأموال الخاصة في مصارف وول ستريت في نيويورك وفي صناديق الاستثمار المالي
التابعة لها على وجه الخصوص فهم كانوا قد استثمروا ما يزيد على 50 مليار دولار في
قروض للحكومة المكسيكية وفي أسهم وسندات حكومية مكسيكية.