فاضل
الربيعي
الربيعي
كيف يمكن فهم دخول التيار الصدري (ومن خلفه
الحكومة العراقية بصورة غير مباشرة) على خط الصراع الدائر في اليمن؟ وما حدود هذا
الصراع الشرس ونتائجه المتوقعة؟ إذا ما جرى فهم الصراع المسلح في صعدة على أنه «نوع
من حرب أهلية» مستترة وغير مكشوفة الأبعاد، وأنه تعبير عن صراع إقليمي ودولي على
اليمن لتحديد مستقبله ودوره وحتى «حجمه الجغرافي»، فإن خطوة الصدريين سوف تبدو
مفهومة تماما، فهي «الرجة الأولى» في زلزال التدخل الخارجي، بل والصراع السياسي
العنيف الذي بدأ اليوم، لتحديد مستقبل اليمن ومصيره التاريخي.
وهذا الصراع تخوضه
دول وقوى إقليمية ودولية بأشكال
وأدوات مباشرة وغير مباشرة.
ما يدور هناك، ليس مجرد «صراع مسلح» تقوده جماعة
متمردة على الدولة المركزية، وهو بكل تأكيد ليس مجرد انفجار «لمشكلة مذهبية» قديمة،
بل هو بالضبط نمط جديد من «الأزمات الداخلية» التي يراد لها - بواسطة التدخلات
الخارجية الخفية والمكشوفة- أن تصبح من أزمات المنطقة المستعصية على الحل، إلا
بالتوافق على «التقسيم».
وليس دون معنى أن هذا النمط الجديد من الصراعات
الداخلية يبدو متشابها ومتماثلا، فالصدريون في العراق، هم -بصورة ما من الصور-
الوجه الآخر للحوثيين في اليمن، لا من الزاوية المذهبية، وإنما من زاوية كونهما
يمثلان «تيارا مسلحا» يخوض صراعه ضد الدولة المركزية، ليصبح في المستقبل طرفا فاعلا
ومقررا لمصيرها.
بهذا المعنى لا ينبغي التركيز على مسألة «مؤهلات» التيار الصدري
للعب دور الوساطة، بل ينبغي التركيز على مضمونها الحقيقي، فهي تعبير عن تطور محدد
لاستراتيجيات الصراع الإقليمي والدولي على اليمن.
ولتحديد إطار مناسب لفهم هذا
البعد، يجب إعادة ترتيب قائمة الدول المتصارعة (لا الاكتفاء بتصوير الصراع وكأنه
يجري بين الجماعة المتمردة والدولة المركزية)، وذلك من أجل التعرف بدقة أكبر على
حدود الأزمة ونتائجها المحتملة في المدى القريب والبعيد.
إن الجزء غير المرئي من
صراع الحوثيين -ولنقل الجزء الغائب من كل التحليلات السياسية الرائجة- يشير إليه
كصراع استراتيجي على اليمن وسواحل البحر الأحمر، أي أنه صراع من أجل السيطرة على
البحار وثرواتها وأهميتها العسكرية، تخوضه قوى إقليمية ودولية.
صحيح أن صعدة
ليست ميناء بحريا، ولكن الصحيح أنها «قلب اليمن» الذي يمكن لمن يتحكم في مصيره أن
يتحكم في مصير الموانئ والمضايق والممرات البحرية، من باب المندب ومضيق هرمز حتى
البصرة.
بهذا المعنى، ليس الصراع في صعدة صراعا «مذهبيا»، بل هو صراع سياسي
بأدوات ووسائل «مذهبية»، وهذا هو الحال عينه في العراق.
لدينا اليوم -مع دخول
القاهرة على الخط- قائمة تضم بغداد والرياض وطهران.
أما اللاعب الدولي الأكبر
-نعني واشنطن- فلم يتقدم بعد إلى مقدمة المسرح لحسابات استراتيجية.
وبالطبع،
فلكل عاصمة من هذه العواصم دوافعها وأسبابها وأدواتها أيضا.
بالنسبة لواشنطن،
فإن الجماعة الحوثية تهدد مستقبل المخططات المرسومة للهيمنة على ساحل البحر الأحمر
وعلى الموانئ في المنطقة، وهي شبيهة بالمتمردين والقراصنة الصوماليين الذين يهددون
الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية والموانئ، كما أنها جماعة شبيهة «بالصدريين»
الذين شكلوا وما يزالون، خطرا على «مستقبل» ميناء البصرة.
ولذلك ترغب واشنطن في
حسم الصراع مع الحوثيين -مثلما رغبت في طرد الصدريين من البصرة- حتى وإن استمرت
الحرب الداخلية أعواما.
لكن، وبخلاف كل ما يقال عن الصدريين، فإنهم يمكن ولأسباب
كثيرة أن يصبحوا -وفي وقت ما من تطور الصراع- لاعبا هاما للغاية، لا لأنهم يمتلكون
مؤهلات سياسية أو براعة دبلوماسية، وإنما لأنهم الجماعة الوحيدة التي يريد الحوثيون
وساطتها لنقل المطالب والأفكار والتصورات المطلوبة للحل وحدوده ومضامينه، وهذا أمر
مفهوم، ذلك أن المتصارعين -كما يخبرنا تاريخ الحروب الداخلية في المنطقة- غالبا ما
يفتشون عن «وسيط» لا يمثل دولة أو طرفا متورطا في الصراع.
وليس هناك من طرف
يمتلك «وسيطا» بهذه المواصفات سوى طهران، فهي تستطيع لعب ورقة الصدريين في أي وقت
من تطور أزمة صعدة، وبحيث تنأى بنفسها من الظهور بمظهر المتورط، تماما كما تفعل
واشنطن.
ومن بين أكثر الدلائل التي تشير إلى أن أزمة صعدة اليمنية هي نمط جديد
من «الحروب الأهلية» في المنطقة قد تؤدي إلى انهيار اليمن بسرعة وتفكك الدولة
المركزية فيه، أن هذه الأزمة سوف تستدرج إلى ساحة الصراع قوى إقليمية وعربية أخرى،
قد تشتبك فيما بينها بأدوات سياسية وربما عسكرية.
وهذا يعني أن الأزمة خرجت
بالفعل من إطار كونها حدثا داخليا، لتصبح مادة لصراع أوسع نطاقا.
صحيح أن وساطة
الصدريين وئدت مبكرا في مهدها بعد رفض صنعاء فكرة الوساطة من أساسها، وصحيح كذلك أن
هذا التيار لا يمتلك أي مؤهلات للعب مثل هذا الدور، ولكن الصحيح أيضا أن مجريات
الحرب أي حرب كما يعلمنا التاريخ قد تفضي إلى البحث عن «وساطة سياسية» لتفكيك
«عناصر الاستعصاء» في الصراع المسلح.
مع حرب صعدة تبدأ في المنطقة حرب استعمارية
كبرى وجديدة، من أجل السيطرة على الموانئ والممرات والبوابات البحرية من البصرة إلى
باب المندب مرورا بميناء غزة.
في هذا الإطار سوف تبدو وساطة التيار الصدري
كتعبير عن تجاذب سياسي محدود على مستقبل اليمن ووجوده.
* مفكر وكاتب
عراقي
الحكومة العراقية بصورة غير مباشرة) على خط الصراع الدائر في اليمن؟ وما حدود هذا
الصراع الشرس ونتائجه المتوقعة؟ إذا ما جرى فهم الصراع المسلح في صعدة على أنه «نوع
من حرب أهلية» مستترة وغير مكشوفة الأبعاد، وأنه تعبير عن صراع إقليمي ودولي على
اليمن لتحديد مستقبله ودوره وحتى «حجمه الجغرافي»، فإن خطوة الصدريين سوف تبدو
مفهومة تماما، فهي «الرجة الأولى» في زلزال التدخل الخارجي، بل والصراع السياسي
العنيف الذي بدأ اليوم، لتحديد مستقبل اليمن ومصيره التاريخي.
وهذا الصراع تخوضه
دول وقوى إقليمية ودولية بأشكال
وأدوات مباشرة وغير مباشرة.
ما يدور هناك، ليس مجرد «صراع مسلح» تقوده جماعة
متمردة على الدولة المركزية، وهو بكل تأكيد ليس مجرد انفجار «لمشكلة مذهبية» قديمة،
بل هو بالضبط نمط جديد من «الأزمات الداخلية» التي يراد لها - بواسطة التدخلات
الخارجية الخفية والمكشوفة- أن تصبح من أزمات المنطقة المستعصية على الحل، إلا
بالتوافق على «التقسيم».
وليس دون معنى أن هذا النمط الجديد من الصراعات
الداخلية يبدو متشابها ومتماثلا، فالصدريون في العراق، هم -بصورة ما من الصور-
الوجه الآخر للحوثيين في اليمن، لا من الزاوية المذهبية، وإنما من زاوية كونهما
يمثلان «تيارا مسلحا» يخوض صراعه ضد الدولة المركزية، ليصبح في المستقبل طرفا فاعلا
ومقررا لمصيرها.
بهذا المعنى لا ينبغي التركيز على مسألة «مؤهلات» التيار الصدري
للعب دور الوساطة، بل ينبغي التركيز على مضمونها الحقيقي، فهي تعبير عن تطور محدد
لاستراتيجيات الصراع الإقليمي والدولي على اليمن.
ولتحديد إطار مناسب لفهم هذا
البعد، يجب إعادة ترتيب قائمة الدول المتصارعة (لا الاكتفاء بتصوير الصراع وكأنه
يجري بين الجماعة المتمردة والدولة المركزية)، وذلك من أجل التعرف بدقة أكبر على
حدود الأزمة ونتائجها المحتملة في المدى القريب والبعيد.
إن الجزء غير المرئي من
صراع الحوثيين -ولنقل الجزء الغائب من كل التحليلات السياسية الرائجة- يشير إليه
كصراع استراتيجي على اليمن وسواحل البحر الأحمر، أي أنه صراع من أجل السيطرة على
البحار وثرواتها وأهميتها العسكرية، تخوضه قوى إقليمية ودولية.
صحيح أن صعدة
ليست ميناء بحريا، ولكن الصحيح أنها «قلب اليمن» الذي يمكن لمن يتحكم في مصيره أن
يتحكم في مصير الموانئ والمضايق والممرات البحرية، من باب المندب ومضيق هرمز حتى
البصرة.
بهذا المعنى، ليس الصراع في صعدة صراعا «مذهبيا»، بل هو صراع سياسي
بأدوات ووسائل «مذهبية»، وهذا هو الحال عينه في العراق.
لدينا اليوم -مع دخول
القاهرة على الخط- قائمة تضم بغداد والرياض وطهران.
أما اللاعب الدولي الأكبر
-نعني واشنطن- فلم يتقدم بعد إلى مقدمة المسرح لحسابات استراتيجية.
وبالطبع،
فلكل عاصمة من هذه العواصم دوافعها وأسبابها وأدواتها أيضا.
بالنسبة لواشنطن،
فإن الجماعة الحوثية تهدد مستقبل المخططات المرسومة للهيمنة على ساحل البحر الأحمر
وعلى الموانئ في المنطقة، وهي شبيهة بالمتمردين والقراصنة الصوماليين الذين يهددون
الملاحة البحرية وخطوط التجارة الدولية والموانئ، كما أنها جماعة شبيهة «بالصدريين»
الذين شكلوا وما يزالون، خطرا على «مستقبل» ميناء البصرة.
ولذلك ترغب واشنطن في
حسم الصراع مع الحوثيين -مثلما رغبت في طرد الصدريين من البصرة- حتى وإن استمرت
الحرب الداخلية أعواما.
لكن، وبخلاف كل ما يقال عن الصدريين، فإنهم يمكن ولأسباب
كثيرة أن يصبحوا -وفي وقت ما من تطور الصراع- لاعبا هاما للغاية، لا لأنهم يمتلكون
مؤهلات سياسية أو براعة دبلوماسية، وإنما لأنهم الجماعة الوحيدة التي يريد الحوثيون
وساطتها لنقل المطالب والأفكار والتصورات المطلوبة للحل وحدوده ومضامينه، وهذا أمر
مفهوم، ذلك أن المتصارعين -كما يخبرنا تاريخ الحروب الداخلية في المنطقة- غالبا ما
يفتشون عن «وسيط» لا يمثل دولة أو طرفا متورطا في الصراع.
وليس هناك من طرف
يمتلك «وسيطا» بهذه المواصفات سوى طهران، فهي تستطيع لعب ورقة الصدريين في أي وقت
من تطور أزمة صعدة، وبحيث تنأى بنفسها من الظهور بمظهر المتورط، تماما كما تفعل
واشنطن.
ومن بين أكثر الدلائل التي تشير إلى أن أزمة صعدة اليمنية هي نمط جديد
من «الحروب الأهلية» في المنطقة قد تؤدي إلى انهيار اليمن بسرعة وتفكك الدولة
المركزية فيه، أن هذه الأزمة سوف تستدرج إلى ساحة الصراع قوى إقليمية وعربية أخرى،
قد تشتبك فيما بينها بأدوات سياسية وربما عسكرية.
وهذا يعني أن الأزمة خرجت
بالفعل من إطار كونها حدثا داخليا، لتصبح مادة لصراع أوسع نطاقا.
صحيح أن وساطة
الصدريين وئدت مبكرا في مهدها بعد رفض صنعاء فكرة الوساطة من أساسها، وصحيح كذلك أن
هذا التيار لا يمتلك أي مؤهلات للعب مثل هذا الدور، ولكن الصحيح أيضا أن مجريات
الحرب أي حرب كما يعلمنا التاريخ قد تفضي إلى البحث عن «وساطة سياسية» لتفكيك
«عناصر الاستعصاء» في الصراع المسلح.
مع حرب صعدة تبدأ في المنطقة حرب استعمارية
كبرى وجديدة، من أجل السيطرة على الموانئ والممرات والبوابات البحرية من البصرة إلى
باب المندب مرورا بميناء غزة.
في هذا الإطار سوف تبدو وساطة التيار الصدري
كتعبير عن تجاذب سياسي محدود على مستقبل اليمن ووجوده.
* مفكر وكاتب
عراقي