;

صدريون في صعدة و «حوثيون» في النجف (3) 778

2009-10-26 04:07:46

فاضل
الربيعي


كشفت حرب صعدة اليمنية، وبعد سلسلة من المعارك
الطاحنة، أن هذا الصراع يمتلك قابلية التحول إلى صراع طويل، ومفتوح أمام تدخلات
أجنبية يصعب تطويق نتائجها.
ومؤخراً فقط، وكنتيجة لقسوة القتال، اتضح أن هذه
الحرب باتت تستدعي دخول الأمم المتحدة بنفسها على الخط، وبسرعة مثيرة ولافتة
للانتباه.
وبالطبع، فقد كانت الحجة التي استخدمتها الأمم المتحدة، مقبولة من
الجميع،
وربما مطلوبة من الناحية
الإنسانية، ذلك أن الغرض من هذا الدخول المفاجئ تأمين ممرات آمنة لإغاثة النازحين
من مناطق القتال.
هذا يعني أن الصراع آخذ في الاتجاه صوب تحوله إلى نزاع إقليمي
ودولي طويل ومرير، وأنه لم يعد مجرد أزمة تقليدية داخلية تخص اليمنيين، يمكن أن
تنتهي بنوع من حل أساسه التهدئة، أو توافق أطرافه على تسوية من نوع ما.
لقد باتت
الأبعاد الإقليمية والدولية أكثر وضوحاً.
في هذا الإطار وحده، يتوجب فهم المغزى
الحقيقي لدخول الصدريين في العراق على خط الوساطة، لأن الأزمة بكل أبعادها باتت
تسمح لأطراف كثيرة في المنطقة أن تكون حاضرة هناك في ميادين القتال، وبكل الأشكال
والوسائل.
لقد بات الصراع في صعدة عنواناً لصراع مرير على اليمن، يجري شكلياً
بين أطراف محلية، ولكنه يجري فعلياً بين أطراف إقليمية ودولية لتقرير مصير ومستقبل
هذا البلد.
ولذلك، فليست حرب صعدة، من هذا المنظور ومع تفاقم أزمة العلاقة بين
المركز ومحافظات الجنوب، سوى المقدمة العنيفة لتفكك اليمن إلى دويلات.
إن ما
يسمى بالحراك الجنوبي هو حرب أخرى ولكن بوسائل غير عنيفة.
ومن الهامّ للغاية في
هذا السياق، استبعاد العامل المذهبي (سواء من خلال اتهام الصدريين بتعاطفهم مع
أبناء مذهبهم في اليمن، أو ما يزعم أنه تدخل سعودي له دوافع طائفية) والتركيز،
بدلاً من ذلك على العوامل الكبرى والحاسمة.
وفي مقدمة هذه العوامل الصراع
الإقليمي والدولي الدائر اليوم في الخفاء للسيطرة على البحر الأحمر.
وبكلام أدق،
فإن الاستعمار الجديد في المنطقة يبدأ -مع حرب صعدة وظهور ما يسمى بالقراصنة في
المواني الصومالية وحرب غزة ومعارك البصرة- حقبة جديدة عنوانها السيطرة الكاملة على
المواني والسواحل كمقدمة للهيمنة على البحار.
والمثير للاهتمام في هذا الإطار،
أن زيارةَ رئيس الوزراء التركي إلى العراق، ولقاءَه برئيس الوزراء ثم التوقيع على
اتفاقيات تعاون استراتيجي بين البلدين، لم تكن لها أهداف سياسية مباشرة، بمقدار ما
هدفت إلى التفاهم مع العراقيين على استراتيجيات اقتصادية جديدة، من أهمها
استراتيجية ربط ميناء البصرة بالمواني التركية، من خلال خط بري (أوتوستراد دولي)
يمر عبر الأراضي السورية.
ولذلك، يصبح مفهوماً لماذا قرر البريطانيون الانسحاب
من البصرة بعد المعارك مع الصدريين.
لقد أصبح ميناء البصرة فعلياً تحت سيطرة
القوات الأميركية منذ أن انتهت معارك الصدريين بالهزيمة العسكرية وتفكيك جيش المهدي
وتطهير المدينة من المارقين على القانون بحسب التعبير الأميركي الأثير.
واليوم،
يقوم الأتراك ولدوافع وأسباب تتعلق بمصالحهم الكبرى في المنطقة، بالدخول على خط
الربط الأميركي الاستراتيجي للمواني في المنطقة، بعضها ببعض، وبحيث تصبح مثل شبكة
أخطبوطية يديرها طرف دولي واحد، خصوصاً بعد ما استكملت إسرائيل سيطرتها كلياً على
شواطئ غزة في الحرب الأخيرة، وراحت تمنع وحتى تقتل أي صياد سمك غزاوي فقير يقترب
منها.
ومن يتذكر مجريات حرب البصرة التي خاضها المالكي، سوف يتذكر أن هدفها
المعلن كان القضاء على المارقين.
لقد كانت الذريعة في البصرة القضاء على جيش
المهدي وفي غزة القضاء على حماس، أما الهدف الحقيقي فهو يكمن في استراتيجيات
الهيمنة على الشواطئ والموانئ في المنطقة.
صحيح أن صعدة ليست ميناءً بحرياً،
ولكن الصحيح أنها في قلب بلد يسيطر على بوابات البحر.
إن تفكيك اليمن، بعد تفكيك
الصومال، واقتراب نذر تفكيك العراق، وتحطيم كل إمكانية لإنشاء «وطن فلسطيني» ترتبط
فيه غزة بالضفة الغربية، ليس ضرباً من ضروب الخيال.
إنه العلامات الأولى على
دخول المنطقة في حقبة صراع رهيب، سيكون فيه البحر الأحمر بشكل خاص بوابة الهيمنة،
بعد تفكيك «العقد الرئيسة فيه».
وإذا ما جرى ربط هذه الوقائع، بفكرة إطلاق وساطة
يقوم بها الصدريون مع الحوثيين، فسيكون مفهوماً تماماً أن إيران -التي تقف خلف
وساطة الصدريين- باتت لاعباً هاماً بين اللاعبين الدوليين لتقرير مستقبل البحر
الأحمر.
وكما رأينا، فقد هدد الحوثيون بنقل المعركة إلى مناطق أخرى من
اليمن.
إن اتهام صنعاء لطهران، بأن لها يداً في «تأجيج الصراع» لن يكون مفهوماً
إلا إذا فهمنا استراتيجيات طهران.
نعم.
إنها لا تخفي «تدخلها» هناك، لأن
المعركة في صعدة ستكون في المستقبل معركة السيطرة على اليمن والبوابات البحرية،
وطهران بالطبع تشعر أن حرباً من هذا النوع ستكون حرب حياة أو موت بالنسبة
لها.
لا تلوموا طهران لأنها تتدخل هنا، وهناك، في البصرة وغزة وصعدة.
دعونا
نلوم أنفسنا: لماذا لا نملك رؤية استراتيجية للتحديات التي تهدد وجود العرب؟
وبالنسبة لطهران، فبكل تأكيد ليس تدخلها في حرب صعدة تدخلاً «طائفياً» من أجل
انتصار «مذهب» صغير من مذاهب الإسلام، بل هو فصل في استراتيجية بعيدة المدى من أجل
قطع الطريق على محاولات «خنقها» بحرياً.
* مفكر وكاتب عراقي

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد