;

الخضوع لحكم أسواق المال ضربة للديمقراطية .."الحلقة «37» 791

2009-11-03 03:57:16

العولمة
بشكلها الراهن وقواعدها المعاصرة. . مشروع أميركي لا يستثنى من مكاسبه الكثير من
البلدان النامية والغالبية العظمى من دول القارة الأفريقية فحسب، بل ويرمي إلى
العودة بالعالم إلى العصر الاستعماري وترسيخ الهيمنة على خيرات الشعوب، من خلال
السيطرة على الموارد البترولية في العالم والهيمنة على حقوق براءات الاختراع
والملكية الفكرية، والتحكم بوسائل الاتصال الدولة،
واحتكار إنتاج البذور الزراعية المعدلة جينياً، باعتبار أن
احتكارها يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من السيطرة على أنتاج المواد الغذائية في
العالم أجمع.
. يتناول هذا الكتاب تحليل قضية العولمة من منظور عقلاني شامل يحيط
بها من مختلف أبعادها ومن منظور إنساني إذ عالج الأبعاد المختلفة للعولمة وما
صاحبها من تدهور مستوى المعيشة وأتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وتقليص دور
الدولة في مجال الخدمات، كما تتميز بالدفاع عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية
وحقوق الإنسان.
الكتاب الذي ترجمة الدكتور/ عدنان عباس علي والصادر عن المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت قدم مؤلفاه "هانس بيتر مارتين
وهارالدشومان " وجهة نظر مختلف عما هو شائع من الأحاديث والأفكار الملتهية حول
العولمة والتي تدور الآن بين المثقفين العرب.
نواصل في هذه الحلقة ما أشرنا إليه
من حديث المؤلفين من أن هيئة مكونة من خبراء لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل قد
أعلنت أن ألمانيا قد صارت تأتي بعد الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وبعد
المتوسط السائد في بلدان أوروبا الغربية من حيث ما تتحمله المشروعات من عبء
ضريبي. .
ومعنى هذا أن ألمانيا قد استسلمت من أمد ليس بالقصير ومن حيث الضرائب
على أدنى تقدير للهجوم الشمولي على دولة الرفاهية الأمر الذي جعلها تفلت من معاقبة
أسواق رأس المال لها وإجبارها على دفع أسعار فائدة أعلى.
وحتى حكومة الولايات
المتحدة الأمريكية نفسها أخذت تطيع الآن تقويم موجهي تدفق رأس المال.
فحينما
انتقل بيل كلينتون في عام 1992 إلى البيت الأبيض كان قد وعد ناخبيه بإجراء إصلاحات
واسعة النطاق ترمي من ناحية إلى تجديد المدارس الحكومية الخربة وتحويلها إلى نظام
تعليمي يفي بالمتطلبات ومن ناحية أخرى أن يكون لدى كل مواطن أمريكي تأمين ضد المرض
المشكلة تكمن في أن أياً من هذه الإصلاحات لا يمكن تحقيقه إلا بإنفاق حكومي متزايد
ولذا وبعد فوزه بالانتخابات مباشرة أخذت أسعار سندات الدين الحكومي الأمريكية
بالانخفاض وهذا ليس بالأمر العجيب فقد عارض مصرفيو الاستثمار هذه الإصلاحات علانية
وبالتالي وبعد أشهر وجيزة من تسلمه الحكم أي في وقت سابق على فقدانه للأغلبية في
الكونغرس بكثير كانت هذه الإصلاحات قد صارت في خبر كان ويعلق جيمس كارفيل مستشار
كلنتون القديم على هذا بلهجة تنم عن الإحباط فيقول: في السابق كنت أمني نفسي وأقول
لو وددت فسأود أن أكون رئيساً أو بابا أما الآن فإني أود أن أكون سوق سوق مال، إذ
سيكون بإمكاني أن أهدد من أشاء.
هكذا إذن يصبح الخضوع لحكم أسواق المال ضربة
للديمقراطية حقاً لا يزال يحق لكل مواطن التصويت ولا يزال السياسيون سواء في
الولايات المتحدة الأمريكية أو في ألمانيا يسعون للموازنة بين مصالح الفئات
الاجتماعية المختلفة لكسب ود الأغلبية ولكن ومع هذا فإن ما يتحقق بعد إجراء
الانتخابات يقرره الناخبون القائمون على إدارة الأموال ولا مجال للحديث عن
الأخلاقيات ههنا فالمكلف بحكم مهنته بإدارة الأموال عليه أن يسعى إلى تحقيق أكبر
معدل ربحية لهذه الأموال وكيفما كانت الحال فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن هؤلاء
قد صاروا يصنعون اليوم على طاولة المناقشة كل الإنجازات التي تحققت إثر صراع طبقي
دام مائة عام وبعد سياسات إصلاحية كانت ترمي إلى تحقيق التوازن الاجتماعي.
ولعله
من مفارقات القدر أن النجاح العظيم الذي حققته الاشتراكيات الديمقراطية في الحد من
هيمنة رأس المال هو الذي يدفع الآن إلى السيادة الشمولية الجديدة للنظام الرأسمالي
فالارتفاع المستمر في الأجور وسياسة الرعاية الاجتماعية الحكومية في الخمسين سنة
الماضية كانا قد خلقا تلك الطبقة الاجتماعية المتوسطة التي تعمل بمدخراتها الآن في
أسواق المال ولم تشهد العصور الماضية قط هذا العدد الكبير من الناس الذين تزيد
دخولهم على ما ينفقونه على وسائل المعيشة وفي الواقع فإن هؤلاء هم الذين يزودون بما
لديهم من مدخرات مؤسسات التأمين والمصارف وصناديق الاستثمار بالمادة الأساسية
الضرورية للهجوم على النقابات ودول الرعاية الاجتماعية، فحسب تقدير قسم الدراسات في
المصرف الألماني تدير صناديق الاستثمار بمفردها سبعة بلايين مارك من هذه المدخرات
وهناك عشرات بلايين أخرى تديرها مؤسسات مختصة باستقطاب المدخرات التي يراد منها
توفير مستلزمات العيش بعد بلوغ سن التقاعد وهو أمر تخصصت فيه ألمانيا شركات التأمين
على الحياة وهكذا فإن صاحب الدخل الجيد من أبناء الطبقة الوسطى هو غالباً ما يكون
الجاني والمجني عليه والرابح والخاسر في الوقت نفسه ففي حين تحقق له مدخراته لدى
شركة التأمين ربحية متزايدة يتآكل دخله بفعل العبء الضريبي المتزايد كما يمكن
لمديري صندوق الاستثمار الذي يسهر على مدخراته أن يكونوا السبب في فقدانه لفرصة
العمل وذلك إذا شاءت المصادفة واشترى صندوق الاستثمار بمدخراته ومدخرات الآخرين
أسهم المؤسسة التي يعمل فيها، وكلفوا مجلس إدارة جديد بإدارة المشروع مطالبين إياه
بضرورة رفع جدارة العاملين وتسريح من سيقيضون الحاجة منهم رغبة في زيادة الربحية
وحرصها على مصلحة من يستثمرون أموالهم في الصندوق.
من هنا فإن من حق الحكومات
التي تسهر على استقرار أسعار سندات الدين وسعر صرف العملة أن تدعي لنفسها بأنها تضع
الأسس الضرورية لزيادة الرفاهية في المجتمع إلى أن هذه الانجازات ليست في مصلحة
أولئك الذين لا يحوزون مدخرات تذكر ولا أولئك الذين سيسرحون عن العمل ولا يكون
بوسعهم الاستمرار في تسديد أقساط الادخار فهؤلاء جميعاً سيخرجون صفر اليدين ومعنى
هذا أن "الترشيد" الأعمى الحكومي من خلال "الأسواء" ليس بالنهج "المستحسن" الذي
يزعمه النقديون فهولا يتجاهل أن السياسة الديمقراطية تخضع لقوانين أخرى غير قوانين
السوق فحسب بل لا يراعي أيضاً الاختلافات الثقافية الاجتماعية بين الأمم الأمر الذي
يؤدي إلى مخاطر نمو النزاعات والتوترات المحتملة أن الغالبية العظمى من المواطنين
السويديين لا تريد حتى هذا اليوم أن يحدد معدل ربحية رأس المال فقط ملامح
مجتمعها.
وهذه الحقيقة هي التي تفسر لنا سبب معارضة الحكومة لتقليص دور دولة
الرعاية الاجتماعية كما لم يكن بمستطاع رئيس الوزراء الكندي في ربيع 1995 تقليص
الموازنة الحكومية إلى مستوى أدنى من المستوى الذي كان قد اقترحه فهدفه الأهم كان
آنذاك يمكن في إنقاذ البلد من خطر التجزئة التي كانت تلوح في الأفق إثر الاقتراع
على انفصال كويبك المقاطعة.
الناطقة بالفرنسية فلو كان قد قلص مستحقات الحكومات
الإقليمية المالية لكان الانفصاليون قد حصلوا على أنصار أكثر ولكان قد جلب على
البلد خسائر اقتصادية أفدح وكذلك الحال بالنسبة إلى الحكومة الإيطالية فهي لم تعارض
في عام 1992 تخفيض سعر صرف الليرة لأسباب بيروقراطية كما تهكم العديد من الأساتذة
الجامعيين والمضاربين بل كانت قد حمت بذلك ما يزيد على المليون عائلة كانت قد عملت
بنصيحة قدمتها لها المصارف فمولت مساكن سكنها وشققها بقروض عقارية تحتسب بالإكيو أي
بعملة حسابية غير متداولة عملياً فعندما انهار نظام النقد الأوروبي انخفضت مداخيل
هذه العائلات بمقدار الثلث مقومة بالإكيو، الأمر الذي كان يعني أن ما بذمة هذه
العائلات من قروض عقارية قد ارتفع الآن إلى ما يزيد عن"30" في المائة وإن لم ترتفع
قيمة مساكنهم حتى بمقدار ليرة واحدة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد