الشبيبي
لا تستطيع إبعاد نظرك عن مشاهدة ازدحام اللوحات القماشية المعلقة على أعمدة
الكهرباء حيث تتوسط الشوارع والأزقة بألوان شتى وشعارات عدة، فالمدارس الأهلية تعلن
عن فتح باب التسجيل والقبول للعام الدراسي الجديد مؤكدة في إعلانها خلوها من فيروس
"12N1" وأنها قد أخذت الحيطة والحذر لتمنع ذلك الفيروس من مهاجمة طلابها وتسجيلها
وقبولها مستمر حتى نهاية العام الدراسي.
والمحلات التجارية ترفع إعلاناتها عن تخفيضات تصل إلى "50%" وعندما تذهب
لتشتري شيئاً منها تجد الأصدقاء الصينيين قد صنعوا كل شيء وحسب طلب التجار
اليمنيين.
والأهم من تلك الإعلانات هي إعلانات الجامعات اليمنية التي هي محور
حديثي وهنا أقصد الجامعات الخاصة، إما الجامعات الحكومية لم تعلن ولن تعلن عن فتح
باب القبول كهذه الإعلانات وأيضاً لقد أغلقت أبوابها منذ أكثر من شهرين تاركة الكرة
في ملعب الجامعات الخاصة لتتصارع على جذب الطلبة إليها.
فيوجد في أمانة العاصمة
إعلانات لما يقارب سبعة عشر جامعة "خاصة" خلافاً عن المعاهد والكليات التخصصية
الأخرى.
فهذا الزخم الكبير من الجامعات الخاصة يعتبر شيئاً جميلاً حيث ستساهم في
مساعدة الجامعات الحكومية في عملية إعداد الإنسان اليمني إعداداً علمياً وفنياً
يتجاوب مع متطلبات البناء التنموي والاجتماعي ولكن رغم تلك القفزة والطفره القوية
لقطاع التعليم العالي في بلادنا "حكومي، خاص" إلا أن الوطن لا زال يعاني الكثير
والكثير من الصعوبات.
فالجامعات الخاصة محل شك وريبة ومتهمة من قبل المجتمع مما
انعكس ذلك سلباً على مخرجات تلك الجامعات فهي متهمة بالفشل والمتاجرة العلمية فمجرد
أن تلتقي شخصاً غريباً وتتبادل معه أطراف الحديث ويعرف إنك تدرس في جامعة عامة
يبادرك بالنصائح بأن الجامعات الخاصة غير معترف بها وأن مخرجاتها مرفوضة في سوق
العمل والأولوية لمخرجات الجامعات الحكومية، فهل فعلاً ذلك صحيح؟ فهذا السؤال أصبح
يجبر جميع ملتحقي الجامعات الخاصة وأنا أحد الحائرين إذا كان ذلك صحيحاً فمن هو
السبب في ذلك ولماذا؟! وما موقف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من ذلك؟ وأين
سيكون مصير مئات الخريجين بعد أن تجهموا المشقة والتعب وخسروا أموالهم رسوماً
دراسية؟ أسئلة كثيرة وعديدة تثار حول هذا الموضوع.
نعم توجد جامعات خاصة تهتم
بالربح والتجارة على حساب العملية التعليمية ولا تلتزم بالقوانين واللوائح ولها
مخرجات متواضعة المستوى ولكن في المقابل توجد جامعات خاصة متميزة ملتزمة بجودة
التعليم محافظة على تطبيق القوانين واللوائح الصادرة من التعليم العالي وتعمل أيضاً
على تلبية احتياجات سوق العمل بالكفاءات المتأهلة، فلا يجب علينا تعميم النظرة على
كل الجامعات الخاصة أيضاً والجامعات التي أهملت التعليم وهدفت إلى الربح لم تعمل
ذلك إلا بسبب غفلة وزارة التعليم العالي التي تقع عليها المسؤولية الأولى في مراقبة
الجامعات.
أيضاً لا يوجد فرق بين جامعات حكومية وخاصة اللهم إلا بالاسم والرسوم
الدراسية والمعاملة القاسية للطالب في الجامعات الحكومية من قبل بعض الدكاترة فمعظم
الدكاترة في الجامعات الخاصة هم ممن يدرسون في جامعة صنعاء المناهج نفس المناهج
فالحال من بعضه.
أود أن أنوه بأن ملتحقي الجامعات الخاصة ليسوا طلبة فاشلين
وأبناء ذوات وأسر ميسورة هدفهم تضييع وقت والحصول على شهادة كما يقال، بل يوجد
بينهم طلبة مميزون وعباقرة أغلقت الجامعات الحكومية بوجوههم وقادتهم معاملات
الدكاترة القاسية للدراسة في الجامعات الخاصة وهم على أمل أن يستطيعوا إكمال
تعليمهم ليحسنوا من أوضاعهم وينمو عقولهم ويخرجوا إلى سوق عمل يحترم قدراتهم لا أن
يرفضهم بحجة أنهم تخرجوا من جامعات خاصة فهؤلاء يكافحوا يومياً من أجل ذلك مقتطعين
من دخلهم رسوماً دراسية فهل هؤلاء فاشلين؟ وهل يستحقون تلك النظرة السوداء؟ على ما
أظن وحسب علمي أن معظم دول الغرب قائمة على التعليم الخاصة ووصلت إلى تلك الطفرة
التكنولوجية بفضل الجامعات الخاصة فيها.
أما في بلادنا فالتعليمي بشكل عام لا
زال يعاني الكثير من المعوقات والتحديات ولا زال أيضاً مقيداً للفكر غير مشجع على
الإبداع والتميز عقليات قديمة ومناهج عفى عليها الزمن وخطط دراسية بعيدة كل البعد
عن احتياجات سوق العمل والتنمية في بلادنا فتعليم غير مخطط لن يصنع إلا الجهل
ومزيداً من البطالة.
أخيراً أتمنى أن أشاهد تلك اللوحات الإعلانية وهي معلقة
لتعلن عن منافسة حقيقية في تقديم الجودة التعليمية بين الجامعات الخاصة والحكومية
وللأخبار عن الاختراعات والإبداعات التي تتميز بها كل جامعة عن الأخرى ويتساوى بذلك
طالب الخاصة مع الحكومية بعد أن يفرض سوق العمل معايير علمية لاختبار المتقدمين
للوظائف بغض النظر عن مصدر الشهادة.
وأتمنى أن تنهض بلادنا الحبيبة والغالية على
قلوبنا بأبنائها المخلصين والمميزين وأن تشهد نهضة علمية تضاهي دول الغرب
..
وعلى الله قصد السبيل.